أثارت التعديلات التي أدخلتها وزارة التعليم علي المناهج مؤخراً الكثير من الجدل، خاصة فيما يتعلق بمادة الدراسات الاجتماعية. الوزارة استبدلت مصطلح "الفتح العثماني لمصر" ب" الغزو العثماني". الخبراء والمثقفون انقسموا حول ذلك التعديل، ففي الوقت الذي رأي فيه بعضهم أنه تصحيح لمفهوم خاطئ كان يجب تصحيحه منذ فترة طويلة رأي آخرون أنه زلة للوزارة لأن المصريين كانوا يرضون بالحاكم الإسلامي طوال الوقت. لم يقتصر الأمر علي الدراسات الاجتماعية، ففي مادة العلوم والأحياء تم حذف كل ما يمت للجنس بصلة، وهو ما يعكس نوعاً من الفوبيا بشكل لم يسبق له مثيل. التحقيق التالي يناقش التعديلات الجديدة التي قامت بها الوزارة في مناهجها. كان مبرر وزارة التعليم لتغيير مصطلح "فتح" ب"غزو" أن السلطان العثماني سليم الأول قام بغزو مصر بقصد توسيع ممتلكاته في الشرق عن طريق الاستيلاء علي مصر. ومن بين فقرات هذا الدرس أن "لجأ العثمانيون إلي الدين واستخدموه لاستمرار فرض سيطرتهم علي العالم العربي". الناقد الدكتور جابر عصفور أكد موافقته علي هذا الاتجاه، قائلاً: " العثمانيون كانت لديهم رغبة استعمارية واضحة وكونهم مسلمين لا ينفي عنهم كونهم غزاة"، مضيفاً: "احتلوا مصر دون أي مبرر شرعي ولم تكن الخلافة الإسلامية في اسطنبول سوي شكل بلا مضمون". عصفور أشار إلي أن الكتابات الإبداعية أيضاً تناولته باعتباره غزواً أو احتلالاً: "كان غزواً كارثياً قائماً علي الخيانة، وهناك فارق كبير بين المصطلحين، فثمة (فتح إسلامي) قام به عمرو بن العاص، و(فتح عربي للأندلس) كلاهما كان بغرض نشر الدين ويحمل من الروحانية ما يجعله بعيداً تماماً عن الأطماع". لكن الدكتور عبده قاسم يختلف كلية مع الدكتور عصفور ويرفض هذا التعديل ويري أن كل هذا "مجرد أعراض لأمراض أخري شديدة الخطورة"، مضيفاً: "وزارة التعليم تفتقد لسياسة المنهج، وليس أدل علي ذلك من أن الطلاب يخرجون من الثانوية بمعلومات ضئيلة جداً عن التاريخ" وبرّر موافقته علي مصطلح "الفتح" قائلاً: "الحكم الإسلامي في جميع مراحله كان يحظي برضا الشعب ما دام الحاكم مسلماً، فهو بذلك لم يكن يراه أجنبياً" وأضاف: "العثمانيون أعادوا لمصر قوّتها وعظمتها المفقودة في النصف الأول من حكمهم، وما حدث بعد ذلك كان مرحلة انهيار الدولة". وانتقد قاسم عبده كذلك سياسة وزير التعليم القائمة علي "القبض علي المتلبِّس" بينما كان يجب أن تقوم علي " سياسة واضحة ومفيدة" وقال إن "فترة الخمسينيات كانت أكثر ازدهاراً وتنظيماً".
هذا عن المصطلح التاريخي ولكن ماذا عن حذف "الثقافة الجنسية والصحة الإنجابية" من كتاب الأحياء المقرر علي طلبة الثانوية، وحذف الرسوم البيانية التوضيحية للأجهزة التناسلية من كتاب العلوم المقرر علي طلبة الإعدادية؟ كان تبرير الوزارة تحويل هذه الدروس إلي أنشطة يتناقش فيها المدرس مع الطالب داخل الفصل علي أن يقوم الطالب بجمع معلومات عنها من مصادر أخري غير الكتاب المدرسي. الدكتور زكي بدر أعلن إدخال تعديلات علي كتب العام الدراسي الجديد وحذف أجزاء تعتبرها الوزارة حشواً في المناهج ترهق الطلاب ولا تفيدهم علمياً. وفي الوقت الذي نفي فيه الدكتور صلاح عرفة رئيس المركز القومي للامتحانات بوزارة التعليم استبعاد دروس الجنس، أشار إلي أن توجهات وزارة التعليم هي اعتماد الطالب علي نفسه في البحث عن المعلومات . لكن تبرير الوزارة الذي يوضح السياسة الجديدة القائمة علي البحث والتوقف عن الحفظ والاكتفاء بتلقي المعلومات، اقتصر فقط علي دروس الثقافة الجنسية، رغم أن هذه الدروس تحديداً هي التي يجب علي الوزارة أن تسلّط عليها الضوء حتي يتم شرحها بأسلوب علمي ولفت نظر الطلاب للأمراض الناتجة عن الانحرافات الجنسية وتنشئة جيل لا يتعامل مع الجنس باعتباره لعنة أصابت البشرية. لا شك أن التعديل يعكس فوبيا كبيرة من الثقافة الجنسية، يقول الدكتور جابر عصفور إنه " لا يستغرب ما يحدث" مضيفاً: " هذا نتيجة طبيعية لازدياد النزعات الأصولية أو ما أسميه دوماً نزعة التديّن المغالية" وأكّد عصفور علي "ضرورة تدريس الثقافة الجنسية حتي لا يترتّب علي انعدامها كوارث" وختم حديثه مشيراً إلي أنّ الأمر يحتاج إلي"عقول مفتوحة وشجاعة من جانب المسئولين، وهو ما يتراجع". اتفق مع الدكتور عصفور الدكتور عبد الحليم محمود السيد أستاذ علم النفس بكلية آداب القاهرة وهو أحد مؤلفي كتاب علم النفس المقرر علي الثانوية العامة: "المجتمع لا يخاف من الثقافة الجنسية، بل إن الهواجس تصدر عمن بيدهم الأمر. الجنس يُدرّس بالأزهر، والثقافة الجنسية مرتبطة في الأساس بالثقافة الدينية، ومعرفة الحلال والحرام من خلال الطرق الشرعية".. وأضاف: "غياب الثقافة الجنسية يؤدي لعواقب وخيمة علي الصحة النفسية للفرد ويؤدي به إلي طرق مجهولة، والمشكلة تكمن في أن الآباء يرون أن المدرسة عليها أن تقوم بهذا الدور، وفي المدرسة نجد مدرسين خجولين ليس باستطاعتهم الخوض في هذا الأمر، أو أنهم لا يجيدون شرحه بأسلوب علمي" وقال : "الحياة الجنسية عند الإنسان معني وكرامة ولا يصح تجاهلها ويجب أن يتم تقديمها في سياقها السليم، فالجنس عند الإنسان يختلف تماماً عنه عند الحيوان، ووسائل الإشباع والقبول كذلك". وانتقد عبد الحليم بشدة سياسة وزارة زكي بدر القائمة علي التبسيط والاختصار بما يضر التعليم: "الأذي لم يلحق بمادة العلوم والأحياء والتاريخ فقط، بل امتد لمادة علم النفس، فالكتاب الذي ألفته عام 1992 والمقرر الآن علي الثانوية العامة تم حذف أكثر من نصفه لأسباب غير مبررة، فأصبح مشوهاً بلا معني".
وبعيداً عن آراء الخبراء.. هل قامت الوزارة بحذف الدروس الجنسية من المقررات استجابة لضغوط الإخوان؟! النائب الإخواني فريد إسماعيل تقدّم بطلب إحاطة في يناير الماضي إلي مجلس الشعب يتضمن رفضه لكتاب يعده مركز تطوير المناهج التعليمية في وزارة التعليم. عنوان الكتاب كان "الصحة الإنجابية" وكان ذلك تمهيداً لإدراجه ضمن مقررات المدارس الإعدادية في العام الدراسي الجديد. وأوضح النائب الإخواني في طلبه أن الكتاب المذكور لتدريس الثقافة الجنسية. وأضاف: "هذه المادة سيتم تدريسها وفق النمط الغربي الذي يبيح العلاقة الجنسية الكاملة مع استخدام موانع الحمل" مشيراً إلي أن: "الكتاب يضم صوراً واقعية للعلاقة الجنسية" وأكد النائب الإخواني أن تدريس هذه المادة يخالف الشريعة الإسلامية ويتنافي مع الدستور وقيم المجتمع. أيده في ذلك النائب الوفدي صلاح الصايغ، الذي أشار أيضاً للتحدي الذي يواجه أحمد زكي بدر بشأن هذا الموضوع. الخبراء رفضوا ما يطالب به الإخوان..فالدكتور أحمد يحيي أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس أيّد تدريس الثقافة الجنسية تحت مسمي "المشكلة السكانية والصحة الإنجابية" ، مؤكداً أن "جهل الشباب بهذه الثقافة سيؤدي لوقوعهم تحت طائلة معلومات خاطئة وملتبسة"، ورفض أحمد يحيي عبارات من قبيل"حرام" لأن العلم لا حدود له، مضيفاً أن "تدريس الثقافة الجنسية سيكون خطئاً لو تم تدريسها بشكل مثير". ولكن بعد تسعة اشهر من هذا السجال اختفي كتاب "الثقافة الجنسية" تماماً بعد أن عملوا به لمدي 18 شهراً، حيث بدأ مركز تطوير المناهج في اختيار دروسه وكتابته وجمعه في فترة وزير التعليم السابق يسري الجمل، واستجابت وزارة أحمد زكي بدر للتيار الظلامي، ولم تكتف بإخفاء الكتاب، بل حذفتْ حتي الدروس القليلة التي كانت تعطي للطالب معلومات أساسية وعلمية لا غني عنها في الثقافة الجنسية.