يبدو أن مفهوم «الرقابة العسكرية» الذي تحاول تل أبيب دائما فرضه علي مؤسساتها الصحفية والإعلامية من صحف وقنوات وإذاعات ومواقع إلكترونية وغيرها انتهي إلي الأبد في ظل الكشف المستمر عن أسرار عسكرية وحربية في وسائل الإعلام العبرية، ووسط موجات التسريبات التي تتم من خلال ضباط ولواءات وجنود الجيش لإعلاميي تل أبيب. وكان آخر تلك الموجات الكشف عن وثيقة خطيرة تؤكد وجود حرب شرسة بين جنرالات الجيش علي منصب رئيس هيئة الأركان، الذي يعد شاغله الرجل الثاني في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بعد وزير الدفاع إيهود باراك. القصة كلها بدأها الصحفي أمنون إبراموفيتش -المعلق بالقناة الثانية للتليفزيون الإسرائيلي- كاشفاً عن زيادة حدة التنافس بين كبار قيادات القوات الإسرائيلية لخلافة جابي إشكنازي -رئيس هيئة الأركان الحالي- والذي تنتهي فترة ولايته أوائل العام المقبل، وتركزت المنافسة بين اثنين من قدامي العسكريين الإسرائيليين هما يوأف جالانت -قائد الجبهة الجنوبية لإسرائيل -الذي قاد حرب غزة في يناير قبل الماضي وبنيامين جانتس -قائد القوات البرية -في الحرب مع حزب الله في لبنان عام 2006، لكن ما أثار المفاجأة هو كشف الصحفي الإسرائيلي عن وثيقة تثبت تورط جالانت في شن حملة دعائية لتلويث سمعة منافسه، وتأجير بعض وكلاء الدعاية للقيام بهذه المهمة والفوز بمنصب رئاسة الأركان. وتعرض الوثيقة استراتيجية لحملة دعائية تحاول إظهار جالانت كمرشح قوي وإيجابي في مقابل إظهار صورة سلبية لمنافسه جانتس، والسعي لإشغال الأخير منصب رئاسة جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك» بدلا من يوفال ديسكين الرئيس الحالي وتدعو الوثيقة إلي العمل علي زيادة التوتر والخلافات بين جالانت وأشكنازي حول الحرب علي غزة، فيما يقضي البند الرابع منها بأن يتم تشويه سمعة نائب رئيس أركان الجيش الحالي. ولأن الوثيقة صادقة وتكشف معلومات حساسة خاصة بمنظومة تل أبيب الأمنية قامت الدنيا ولم تقعد وأصدر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي تعليمات للنيابة العامة الإسرائيلية بالتحقيق فيما أسماه «تسريبات محرجة» للصحافة الإسرائيلية بشأن نزاع بين جنرالات يتنافسون علي منصب قائد الجيش وقال المتحدث باسمه إن نتنياهو أبلغ وزراء حكومته أن النائب العام يهودا فاينشتاين سيفحص معلومات من تقارير إعلامية بخصوص تعيين رئيس الأركان المقبل، مما دفع فاينشتاين علي الفور إلي تجميد عملية تعيين رئيس الأركان، حيث اعتبر أنه لن يكون بالإمكان في هذه المرحلة اتخاذ قرار بشأن اختيار رئيس لأركان الجيش وذلك إلي حين استنفاذ الاستيضاح في الشكوي، والذي سيتم في أسرع وقت ممكن، كما دفع الخوف من حمي التسريبات إيهود باراك -وزير الدفاع الإسرائيلي- أيضاً إلي عقد سلسلة لقاءات مع المرشحين لمنصب رئاسة هيئة الأركان. وأخذت قضية التسريبات الصحفية منحي جديداً أخذ لوناً قضائياً حينما رفضت إحدي المحاكم الإسرائيلية اعتراضاً قدمته شركة الأخبار التابعة للقناة الثانية علي إصدار الأمر بتسليم الشرطة «وثيقة جالانت» ورفضت محكمة الصلح الإسرائيلية ببلدة «بيتاح تكفا» الاعتراض الذي قدمته شركة الأخبار التابعة للقناة التليفزيونية الثانية علي إصدار الأمر الذي يوعز إليها بتسليم الشرطة الوثيقة المعروفة بوثيقة جالانت»، وأكد القاضي الذي يتولي فحص القضية إن مبدأ حماية المصادر الصحفية يعني حجب هوية مصدر المعلومات فقط ولا يسري علي المعلومات نفسها، وهو ما عقب عليه إبراموفيتش بتأكيده أن المصدر الذي سرب له الوثيقة «موثوق جدا» وليس لديه مصلحة في مسألة تعيين رئيس لأركان الجيش. وانعكاساً لما كشفه الصحفي الإسرائيلي في وثيقته بدأت بعض الأوساط العسكرية في إبداء استنكارها لما فعله قائد المنطقة الجنوبية ومسئول حرب غزة، ونقلت وسائل الإعلام العبرية عن بعض لواءات وضباط وجنود الجيش الإسرائيلي «إحساسهم بالخجل» لما آلت إليه المؤسسة من فضائح بل الفعل مطالب بوضع حد لحرب الجنرالات تجنبا لقيام الصحف والقنوات والإذاعات الإسرائيلية بالكشف عن فضائح جديدة في القريب العاجل، بل إن أحد الضباط الإسرائيليين تسائل في حديث لصحيفة معاريف العبرية عن استغلال حركة المقاومة الإسلامية «حماس» أو منظمة «حزب الله» اللبنانية أو إيران لما يحدث من صراع قذر بين قيادات تل أبيب وشن هجوم علي تل أبيب في ظل هذا التدهور والانحلال العسكري.