سؤال مهم لابد أن نتذكره الآن ونحن علي مشارف نهاية فيلم قافلة شريان الحياة، ذلك الفيلم الذي نشاهده منذ أيام طويلة علي الحدود المصرية مع غزة مرورا بالأردن وسوريا وميناء العريش: ماذا كسبت مصر من ذلك الفيلم الذي امتلأت مشاهده بصور مأساوية ستظل محفورة في وجدان العالم الإنساني لسنوات طويلة؟!. أنا أقصد هنا في مصر، وزارة الخارجية المصرية التي أري أنها قدمت نموذجاً سيئاً للعمل الدبلوماسي في مصر، ولا أري مبرراً بالمرة لتلك الوزارة في خطواتها التي اتخذتها في السير في تلك الأزمة، فوزارة الخارجية تعاملت مع هذه القافلة بكبرياء لا يمكن أن أجد له تبريراً حتي مع تلك الكلمات التي سمعناها من مسئولي وزارة الخارجية عن الأمن القومي وعن احترام السيادة، تلك الكلمات التي تؤكد أنها مفرغة من مضمونها مع تلك القافلة.. فالقافلة أعلنت أنها قادمة إلي الأراضي الفلسطينية منذ فترة طويلة والعالم أجمع علي علم بذلك، ومن الغريب أن وزارة الخارجية المصرية لم تفتح أي قنوات مع القافلة لتشرح لها الشروط الواجب توافرها في القافلة لعبور الحدود المصرية إلي غزة ونحن لسنا ضد هذه الشروط ولكننا ضد الأسلوب الذي تعاملت به وزارة الخارجية في تلك القضية، ولا نعلم لماذا هذا الصلف والكبرياء المزعوم من تلك الوزارة في تلك القضية مع أننا لم نسمع صوتها الجهوري هذا في قضايا كثيرة سابقة، فهناك الآلاف من المصريين المغتربين الذين يعاملون معاملة سيئة في كثير من البلدان العربية والأوروبية وأمريكا ومع ذلك لم نجد من تلك الوزارة هذا الصوت العالي والكبرياء المفقود في تلك القضايا.. ما يحدث علي الحدود المصرية الفلسطينية هو إهانة لنا قبل أن يكون إهانة لأي أحد آخر.. إهانة جاءت من عدم التكيف الصحيح مع الأزمة وعدم المعالجة الذكية التي جعلتنا في النهاية دولة أمام العالم ترفض المساعدات إلي أهلنا في فلسطين، ونهين جماعة من العالم المتقدم تريد أن تمد يدها بالمساعدة إلي الفلسطينيين المحاصرين من العدو الإسرائيلي منذ فترة طويلة... لا يمكن لأحد أن يجادل في أن الصورة المصرية في الخارج الآن وبعد أحداث قافلة شريان الحياة قد شابها الكثير من التشوه فالمظاهرات التي خرجت إلي الشوارع في أماكن كثيرة من العالم لتقف أمام السفارات المصرية محتجة علي ما حدث للقافلة دليل كامل ودامغ علي فشلنا في إدارة تلك الأزمة..وهنا نسأل أنفسنا سؤالاً: ماذا لو تم التعامل منذ بداية الأزمة بقليل من التروي والمرونة والمفاوضات مع الطرف الآخر للمشكلة ونسأل أنفسنا لو أن السيد وزير الخارجية المصري أو من ينوب عنه قد عقد مؤتمراً صحفياً في بداية الأزمة يشرح فيه طلبات مصر الرسمية من تلك القافلة حتي يمكنها دخول الأراضي الفلسطينية عن طريق الحدود المصرية، وكان هذا المؤتمر سيكشف للعالم طلبات مصر التي لا يمكن أن يجادلها أحد فيها لأنها طلبات خارجة من سلطتها التي لايمكن لأحد أن يجادلها فيها ويكشف القافلة للرأي العام العالمي إذا كانت تريد شيئا خفيا آخر غير معلن غير مساعدة الشعب الفلسطيني؟!.. وعلينا الآن أن نسأل أنفسنا أيضا: مَنْ المسئول عن إهدار دماء الجندي المصري الشهيد علي الحدود المصرية الفلسطينية هل المسئول عنها فقط ذلك الغبي الأحمق الذي أطلق عليه تلك الرصاصات من الجانب الفلسطيني والذي من البدهي ان يكون من حماس أم المسئول عن ذلك هؤلاء الذين أداروا تلك الأزمة بتلك الطريقة السيئة من الجانب المصري؟! علينا أن نكون محددين وصادقين مع أنفسنا ومع الآخرين في البحث عن المسئول عن تلك المعركة التي تمت علي الحدود بين مئات من المتطوعين العالميين وبين جنود الأمن المركزي المصري والتي كانت نهايتها تلك المأساة التي رأيناها علي الحدود والجنود المصريون يحملون جثة الجندي الشهيد نازلين بها من علي برج المراقبة منظر يثير الحسرة علي تلك الدماء التي سالت في غير موضعها، ومكان هذه الدماء ليس هذا المكان ولا يمكن أن نتصور أن تلك الطلقات الغبية التي نالت هذا الشهيد كانت تمثل الفلسطينيين، فلا يمكن لأي فلسطيني أن يتصور نفسه وهو يصوب بندقيته نحو جندي مصري وكنت أود من المعالجة الإعلامية تحديدا لموضوع ذلك الشهيد أن تكون أقل هدوءا وموضوعية، وأنا أقصد هنا علي سبيل المثال ما قاله الأستاذ أحمد موسي في برنامج «القاهرة اليوم» وهو ينعي الشهيد إلي الشعب المصري وهذا شيء نحن ليس ضده لكننا كنا نود أن نري الأستاذ أحمد موسي وهو ينعي شهداء مصر علي الحدود المصرية الإسرائيلية بمثل هذا القدر من الحزن والكآبة التي رأيناها علي وجهه وهو ينعي هذا الشهيد الأخير والحقيقة الأستاذ أحمد موسي يمثل لي لغزا محيرا في برنامج «القاهرة اليوم».