يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، فمهما احتاطوا، وتحصنوا، وتجبروا، وطغوا، واستعانوا بأوليائهم، الذين ينحنون أمامهم، وليس رب الكون العظيم، فهم في النهاية يخسرون... ولأنه ساعة القدر يعمي البصر، فهم دوماً يسخرون ممن يقول هذا، أو يحاول أن ينبههم إلي أنهم مجرًَّد بشر، فلو أنهم يدركون حقاً أنهم بشر، لما تجبرًَّوا، وزيفوا، وزوروا وكذبوا ولفقوا... إنهم يتصورون أنهم حتي في الآخرة سيظلون جبابرة، وسيدخلونها في مواكب كبيرة، وحراسات مشددًَّة، ونظم قمعية مستفزة... يتصورون أنهم سيحاسبون باعتبارهم الملوك والكبار والسادة... لأنها ساعة القدر، عندما يعمي البصر. وعبر التاريخ كله، تكرر هذا المشهد أكثر من ألف مرة... نظام يتكبًَّر، ويتجبًَّر، ويلجأ إلي كل وسائل القمع والإرهاب والترويع الممكنة، ويسعي إلي تأمين جبروته وطغيانه، علي حساب شعبه كله، ثم تتطوًَّر به الأمور، إلي حد التعامل مع الشعب بوقاحة، وممارسة الفساد أو التستر عليه بعين واسعة وجبروت مفضوح. ثم يثور الشعب، ويغضب، ويري النظام المتجبر أن غضبة الشعب قلة أدب، تحتاج إلي درس قاس، فيطلق علي الشعب كلابه المسعورة، ويلجأ إلي مزيد من القمع والتكبر والتجبر، فيزداد غضب الشعب وتتضاعف ثورته، ويغضب النظام من قلة أدب الشعب، فيضاعف من جبروته وقوته، وهكذا، حتي تأتي لحظة، يفاجأ فيها نظام الطغاة بأنه، مهما كانت أقليته، أقلية، وأن الشعب هو الأغلبية، وأنه عندما يحدث الطوفان تنهار أمامه كل الحصون، مهما كانت قوتها، وتشتعل الدنيا، وتبلغ الثورة ذروتها، ويلجأ النظام في لحظات يائسة إلي نظم قمعية، ولكن أمام الطوفان الجارف، يضع نظام الأمن سادته تحت قدميه، ويلوذ بالفرار لإنقاذ حياته، أو يقف علي الحياد. ويسقط النظام. هذا ليس تصوراً خيالياً، ولا أملاً يُنقل إلي الورق، وإنما حقيقة سجلها التاريخ، وسيسجلها.. و.. للأسف، مازالت هناك بقية.