عاد بسلامة الله منذ أيام الطبيبان المصريان اللذان كانا قيد الحبس بالمملكة العربية السعودية واللذان اشتعلت بسببهما الصحافة المصرية أوائل العام الماضي منددة بالوحشية التي تم التعامل بها مع الرجلين والحكم بجلدهما 1500 جلدة. و كانت الصحافة قد طالبت الرئيس مبارك وقتها عند زيارته للمملكة بأن يثير موضوعهما مع الملك عبد الله حتي يتم الإفراج عنهما ومن ثم يصطحبهما ويعود بهما معه، لكن الرئيس الذي لا يسمح لأحد أن يحدد له أجندته لم يتحدث في الموضوع بدليل عودته وحده في تلك الرحلة دون الأسيرين. في ذلك الوقت أعلن القاضي الذي أدانهما بالسجن لخمسة عشر عاماً مع ألف وخمسمائة جلدة بالكرباج أن هذا الحكم معقول جداً ولو أن الجانيين كانا سعوديي الجنسية لضاعف لهما العقوبة! الأمر الذي جعلنا نتشكك في عدالة الحكم وجديته لأن العدالة العمياء لا تغير الأحكام تبعاً لجنسية المتهمين!. مرت شهور طويلة ونسينا الموضوع واستسلم الطبيبان وأهلهما لمصيرهما، ثم إذا بالأخبار تحمل لنا البشري بالإفراج عنهما وعودتهما في توقيت مقارب لعودة طائرة الرئيس من المملكة، وهو ما جعل الناس تتكهن بأن الإفراج عنهما تم بتدخل من الرئيس. الغريب في الموضوع أن الطبيبين اللذين تسابقت الصحف لمعرفة تفاصيل الأهوال التي مرا بها والليالي السوداء التي قاسياها وتأثير ضربات السياط التي ألهبت ظهريهما تحدثا عن الموضوع بروح طيبة تحمل قدراً كبيراً من الود نحو جلاديهما وكأنهما كانا في رحلة ترفيهية في جبال الألب حظيا فيها بكرم الضيافة السويسري أثناء الإقامة بأجمل المنتجعات!. ولقد تحدث أحد الطبيبين قائلاً إنه لقي أحسن معاملة في السجن ولم يتلق سوي عشر جلدات فقط بخرزانة صغيرة..و كان ينقص أن يتغزل في الخرزانة ويقول إنها منحته متعة وكانت بمثابة مساج نشّط دورته الدموية وأنه يشكر الإخوة في المملكة علي الأيام الحلوة وكرم الضيافة. والحقيقة أنني قد خشيت أن يدفع هذا الكلام قطاع من المصريين الذين يمرون بظروف عمل صعبة في المملكة إلي ارتكاب ما يودي بهم إلي السجن من أجل تجربة الحنان السعودي الأخوي الذي مر به الرجلان. ما يثير دهشتي هو أنني كنت واحداً من الذين استجابوا لصرخات الرجلين وكتبوا منددين بالوحشية التي تقتصر علي بعض الجنسيات، وتحديت إذا كانوا يقدرون أن يجلدوا أمريكياً أو حتي بريطانياً.. واليوم أجدني مضطراً للتراجع بعد أن أقر الرجلان بحلاوة أيامهما في الكلوب السعودي فجعلاني أخجل من نفسي، بل وأنضم إلي الدعوة التي أطلقها شخص كنت أظنه مغفلاً دعا إلي منح المسئولين بالمملكة جائزة في حقوق الإنسان لأنهم لا يجلدون الناس بالكرباج كما يشاع..فقط يضربونهم بخرزانة رفيعة..لذيذة!.