أسعار اللحوم والأسماك اليوم 27 يونيو    الأرصاد الجوية تكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    إصابة فلسطينيين اثنين برصاص قوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم    غارة إسرائيلية تستهدف مبنى شمال مدينة النبطية في عمق الجنوب اللبناني    يورو 2024| «يلماز» رجل مباراة تركيا والتشيك    7 معلومات عن أولى صفقات الأهلي الجديدة.. من هو يوسف أيمن؟    والدة لاعب حرس الحدود تتصدر التريند.. ماذا فعلت في أرض الملعب؟    هانئ مباشر يكتب: تصحيح المسار    إعلان نتيجة الدبلومات الفنية الشهر المقبل.. الامتحانات تنتهي 28 يونيو    مسرحية «ملك والشاطر» تتصدر تريند موقع «إكس»    دعاء الاستيقاظ من النوم فجأة.. كنز نبوي منقول عن الرسول احرص عليه    جالانت: لا نريد حربا ضد حزب الله لكن بإمكاننا إعادة لبنان إلى "العصر الحجري"    إصابة محمد شبانة بوعكة صحية حادة على الهواء    موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية يهددون بإغلاق السفارات    فولكس ڤاجن تطلق Golf GTI المحدثة    فى واقعة أغرب من الخيال .. حلم الابنة قاد رجال المباحث إلى جثة الأب المقتول    بعد اجتماع اللجنة المرتقب.. هل هناك زيادة متوقعة في تسعير البنزين؟    حظك اليوم| برج الأسد 27 يونيو.. «جاذبيتك تتألق بشكل مشرق»    حظك اليوم| برج الجدي الخميس27 يونيو.. «وقت مناسب للمشاريع الطويلة»    جيهان خليل تعلن عن موعد عرض مسلسل "حرب نفسية"    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    17 شرطا للحصول على شقق الإسكان التعاوني الجديدة في السويس.. اعرفها    سموحة يهنئ حرس الحدود بالصعود للدوري الممتاز    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    أشلاء بشرية داخل القمامة تثير الذعر بأوسيم.. وفريق بحث لحل اللغز    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    منير فخري: البرادعي طالب بالإفراج عن الكتاتني مقابل تخفيض عدد المتظاهرين    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    إبراهيم عيسى: أزمة الكهرباء يترتب عليها إغلاق المصانع وتعطل الأعمال وتوقف التصدير    سيدة تقتحم صلاة جنازة بالفيوم وتمنع دفن الجثمان لهذا السبب (فيديو)    محاكمة مصرفيين في موناكو بسبب التغافل عن معاملات مالية كبرى    العمر المناسب لتلقي تطعيم التهاب الكبدي أ    نوفو نورديسك تتحمل خسارة بقيمة 820 مليون دولار بسبب فشل دواء القلب    رئيس قضايا الدولة يُكرم أعضاء الهيئة الذين اكتمل عطاؤهم    الجيش البوليفي يحاول اقتحام مقر الحكومة في انقلاب محتمل    ملخص وأهداف مباراة جورجيا ضد البرتغال 2-0 فى يورو 2024    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    الدفاع السورية: استشهاد شخصين وإصابة آخرين جراء قصف إسرائيلى للجولان    إجراء جديد من جيش الاحتلال يزيد التوتر مع لبنان    وزراء سابقون وشخصيات عامة في عزاء رجل الأعمال عنان الجلالي - صور    لإنهاء أزمة انقطاع الإنترنت.. توصيل 4000 خط تليفون جديد بالجيزة (تفاصيل)    بسبب عطل فني.. توقف تسجيل الشحنات ينذر بكارثة جديدة لقطاع السيارات    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 27 يونيو 2024 في البنوك (التحديث الأخير)    الحكومة تحذر من عودة العشوائية لجزيرة الوراق: التصدى بحسم    "ما علاقة هنيدي وعز؟"..تركي آل الشيخ يعلق على ظهور كريم عبدالعزيز مع عمالقة الملاكمة    خالد الغندور: «مانشيت» مجلة الأهلي يزيد التعصب بين جماهير الكرة    ميدو: الزمالك «بعبع» ويعرف يكسب ب«نص رجل»    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    مدير مكتبة الإسكندرية: استقبلنا 1500 طالب بالثانوية العامة للمذاكرة بالمجان    عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تحول 80 مليوناً «بحالهم» من شعب إلى - لا مؤاخذة- جمهور؟!
نشر في الدستور الأصلي يوم 11 - 06 - 2010

حدث التحول للشعب منذ أصبحت «الهواية» احترافاً و«الفوز» انتصاراً تاريخياً و«الخسارة» هزيمة مدوية و«الهدف» قاتلاً و«اللاعب» رمزاً
في الفترة من 1919 وحتى 1970 كان المصريون شعباً حقيقياً ولهذا كان من الطبيعي أن يكون نجوم هذه السنوات هم السياسيون والأدباء والفنانون
السادات
صحيح كيف؟ كيف تسلل فعل الفرجة إلي نفوس كل هؤلاء الملايين الذين يعمرون المحروسة من أسوانها إلي إسكندريتها، ليتحول هذا الفعل إلي سلوك ومدونة حياة وقاعدة وليس استثناء؟
كيف أصبح ذلك الشعب الذي تمتد جذوره إلي سبعة آلاف سنة إلي الخلف وربما أكثر، إلي مجرد متفرج، يشجع اللعبة الحلوة ولا يشارك في صنعها، يوجه لعناته وسبابه لمن يضيع هدفا أو يصنع «فاول» من لعبة عنيفة، ولا يقوم بالفعل الأهم.. تغيير هذا اللاعب أو إخراجه من أرضية الملعب أصلا؟
عن كل هذه ال«كيفات» ومحاولة البحث عن إجابات له، اجتهد زميلنا في الدستور «محمد توفيق»، وأنجز كتابا- نزعم أنه فريد ومغاير ومهم - بعنوان رئيسي جاذب «مصر بتلعب» وعنوان فرعي يزيد من شغف المعرفة «كيف تحول الشعب المصري إلي جمهور»، وهو الكتاب الصادر حديثا جدا من دار المصري للنشر.
ينطلق الكتاب وصاحبه من قناعة أصيلة مفادها أن المصريين تحولوا من شعب محترم إلي جمهور محترم أيضا، وتنساب صفحات الكتاب- المبذول فيه جهد لافت يظهر بعض منه في قائمة المراجع التي استعان بها وقد وصلت لأكثر من 30 كتاباً ودراسة معظمها لعتاولة مثل جلال أمين ويوسف القرضاوي وأحمد عكاشة والكواكبي ومحمود عوض وهيكل ونجيب محفوظ- لتأكيد تلك الحقيقة ومن أول السطور «أيوه مصر بتلعب! منذ تحولت مباريات كرة القدم إلي معارك حربية»، وأصبحت «الهواية» احترافاً.. و«الفوز» انتصاراً تاريخياً.. و«الخسارة» هزيمة مدوية.. و«الهدف» قاتلاً.. و«اللاعب» رمزاً.. و«المدرب» فيلسوفاً.. و«المحلل» مفكراً.. و«المعلق» إعلامياً.. و«حارس المرمي» السد العالي.. و«خط دفاع الفريق» الحصن المنيع.. و«خط الوسط» منطقة المناورات.. و«خط الهجوم» قوة لا تقهر.. و«اللاعبون البدلاء» الاحتياطي الاستراتيجي.. و«ضربة الجزاء» عدالة السماء.. و«هداف الفريق» بطلاً قومياً.. و«البطولة الكروية» إنجازاً حكومياً.. و«التدريبات» معسكرات لا يجوز اختراقها.. و«المنافسون» أعداء.. و«الملعب» ساحة معركة.. و«الشعب» جمهوراً.
لكن الكتاب قبل أن يدخل في عمق الحالة أو الظاهرة يفرق أولا بين الشعب والجمهور «الشعب مجموعة من الأفراد أو الأقوام يعيشون في إطار واحد من الثقافة والعادات ضمن مجتمع واحد وعلي أرض واحدة، ومن الأمور المميزة لأفراد كل شعب هي طريقة تعاملهم وشكل العلاقات الاجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب وتستمد أي حكومة شرعيتها من رضا شعبها وقبوله لها، فإذا انتفي هذا الرضا كانت الحكومة غير شرعية مهما فرضت نفوذها علي المحكومين.. هذا هو تعريف الشعب كما نصت الدساتير، أما تعريف الجمهور فهو حشد من الناس مجتمع لمشاهدة حدث ما بطريقة مباشرة وغالبا ما يكون هذا الحدث رياضياً أو فنياً ومن ثم خطابيا ويتراوح عدد الجمهور عادة من بضع عشرات كما في برامج التليفزيون ويصل إلي عشرات الألوف في مباريات كرة القدم».
حسنا، التعريف السابق يوضح بدون حاجة إلي شرح كيف أصبح شعب بحاله يتجاوز تعداده الثمانين مليوناً إلي جمهور محترف، لكن الكتاب يهتم بالتفاصيل أكثر، والبداية تكون بالعودة إلي ثورة 1919، التي ثار فيها الجميع.. الفلاح الذي كانت حياته قد وصلت إلي ما دون الصفر، والموظف الذي اكتشف أنه يعمل لدي الإنجليز وليس لدي بلاده، إضافة إلي الأغنياء أنفسهم الذين راحوا يبحثون عن امتيازات أكبر، لافتاً إلي أن كل طبقة وفئة من هؤلاء أفرزت زعماءها، ورموزها مثل المثال محمود مختار والكبير د.طه حسين ورواد المسرح محمد تيمور ويوسف وهبي، وهؤلاء بدورهم ساهموا في صناعة وظهور رموز سياسية مثل سعد زغلول ومصطفي النحاس ومحمد فريد، وبعد ذلك بسنوات برز جمال عبد الناصر كزعيم من طراز فريد، ونمت في سنوات حكمه «1954- 1970»، الطبقة الوسطي التي أفرزت رموزها بدورها.. القصد أن في هذه السنوات الممتدة من 1919 وحتي 1970 كان المصريون-رغم عوامل ضاغطة كثيرة وقاسية- شعباً حقيقياً له طموحات وأحلام يسعي لتحقيقها، ثار وانقلب وتغيرت في عهده حكومات وحكام، ولهذا كان من الطبيعي أن يكون نجوم هذه السنوات هم السياسيين والأدباء والفنانين علي شاكلة عبد الناصر وسعد زغلول وصلاح جاهين ونعمان عاشور وألفريد فرج ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور وكمال الطويل وبليغ حمدي ويوسف شاهين وصلاح أبوسيف لكن الأمر اختلف تماما بعد ذلك يقول الكتاب».. وفي يوم 30 سبتمبر 1970 كتبت شهادة وفاة تلك المرحلة بوفاة جمال عبد الناصر لأن الناس بدأت تبحث عن رمز جديد تتعلق به لكن الرئيس أنور السادات كان هو الآخر يبحث عن ذاته!».
علي عكس المتوقع لا يوجه الكتاب السهام القاتلة نحو الرئيس السادات محملا إياه المسئولية الكاملة لتحويل الشعب كاملا و«لُطّ» واحد إلي جمهور، بل إن سطور الجزء الثاني من الفصل الأول المعنون ب«البحث عن ملهم» يظهر فيه إعجاب بشخص السادات وذكائه، لكن ذلك لا يمنع بكل تأكيد وجود اختلاف كبير علي سياسته وتطبيقاته لها، وخاصة سياسة الانفتاح التي غيرت من موازين «الرموز» و«النجوم» في مصر ووضعت الشعب علي أول طريق الجمهور.. «مع سياسة الانفتاح التي أقرها الرئيس الراحل في كل شيء بدأت تتسلل إلي الشعب المصري مبادئ جديدة لم يكن يعرفها، فالمصري المشهود له في الستينيات بالإخلاص في العمل سيطرت عليه ثقافة الاستهلاك التي جلبت معها منطق «الفهلوة» وانتشرت مقولات أصبحت مأثورة مثل " الجنيه غلب الكارنيه" أي أن صاحب المال أهم من صاحب السلطة، وانتشرت أيضاً الشخصية التي يسميها علماء النفس الاستهوائية وتتميز تلك الشخصية بالتفخيم في الذات والأداء المسرحي والتعبير المبالغ فيه عن المشاعر والتأثر السهل بالآخرين وعدم وضع الآخرين موضع الاعتبار، هنا نضع أيدينا علي الحلقة الأهم في تحول الشعب المصري إلي جمهور لأن تلك الصفات انتشرت نتيجة وجود قدوة ومثل أعلي، فالرئيس السادات كان مهتما بذاته ونشر هذه الثقافة بين الناس بل إنه كان رجل المتناقضات دون منازع تلك الصفة التي انتشرت بين المصريين كالنار في الهشيم فالرجل الذي كان صاحب قرار العبور العظيم هو نفسه الذي ذهب لإسرائيل لذلك علي الرغم من كل ماكتب مازال شخصية مثيرة، ومحيرة، فالبعض أحبه ووصفه بالرئيس المؤمن، والبعض الآخر كرهه واتهمه بالخيانة ربما لأن أفعاله وقراراته المفاجئة تسببت في صدمات للجميع : مؤيديه ومعارضيه.. فتشتتت الجماهير لأنها تبحث دائما عن زعيم ملهم .
لم يكن في هذه الظروف أمام الشعب المصري سوي التصفيق لكل ما يحدث أمامه علي المسرح السياسي فأصبحنا نصفق لكل شيء وفي كل المناسبات ( دون اقتناع) نصفق للرئيس.. للوزير ..في مجلس الشعب.. في المدارس.. في الجامعات.. في ملاعب كرة القدم.. في السينمات.. في المسارح.. في الندوات.. في الشوارع.. علي المقاهي».
هكذا الأمر إذن، في البدء كان التصفيق، الذي أصبح مهنة يمارسها البعض- وربما كثيرون- الآن في أهم مجالين وأخطرهما وأكثرهما تأثيرا واستحواذا علي الجماهير، السياسة والرياضة، لذا فإن الكتاب لا يجد فارقاً كبيراً بين «الشيخ حسن» الذي يذهب ليشجع الأهلي أو أي فريق آخر يطلبه بالجبة والقفطان والعود، وبين الهتيفة الذين يقوم مرشحو الانتخابات بتأجيرهم للهتاف بأسمائهم علي طريقة حرافيش نجيب محفوظ وقد اكتست سوقية وابتذالا «اسم الله عليه.. اسم الله عليه»!
يربط الكتاب بين نزول الجماهير- وليس الشعب كما اتفقنا- إلي الشوارع ابتهاجا وسعادة بعد فوز منتخب كرة القدم بمباراة مهمة أو بطولة كبري، وبين تحول لاعب كرة القدم إلي «رمز» يسير خلفه الناس معتبرين أن كرة القدم ذاتها قد تكون وسيلة للإنقاذ من الفقر ذلك لأن «راتب ناشئ في النادي الأهلي لم يصل عمره إلي 20 سنة يتجاوز ما يحصل عليه 100 طبيب في السنة"، معتبرا أن الاحتفال في الشارع لا يكلف الفقراء شيئا، بل إنه التجمع الجماهيري الوحيد الذي يتم برضا وربما بتنسيق أجهزة الأمن.
ورغم أن الكتاب يعتبر أن الشعب تحول إلي جمهور في بداية السبعينيات، فإنه يلفت إلي أن الكرة كانت سياسية جدا في عصر عبد الناصر، مستعينا بكتاب نادر بعنوان «الثورة والرياضة» صادر عام 1966 يرصد ما أسماه ب"الزحف الثوري الرياضي"- تخيل زحفاً ثورياً أولا ثم رياضياً بعد ذلك!- ويسجل الكتاب قائمة بأسماء المسئولين عن الاتحادات الرياضية في ذلك الوقت وستكون المفارقة المدهشة جدا أن جميعهم بلا استثناء «رتب عسكرية» من أول المشير عامر الذي كان رئيسا لاتحاد كرة القدم وصولا إلي السيد زكريا محيي الدين رئيس الاتحاد العربي للتجديف مرورا بالفريق مرتجي رئيس الأهلي والسيد حسن عامر رئيس الزمالك، وهو أمر يفسره الكتاب نقلا عن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بقوله :«عبد الناصر كان مهتما بالأندية أو بالرياضة من وجهة نظر السياسة ورأي أن هذا جزء مكمل وضروري لبلد يتصارع سياسيا مع قوي كثيرة في عدة مجالات بما فيها الرياضة».
إلا أن الأمر اختلف كثيرا مع الرئيس السادات الذي كان منشغلا بمعارك في الداخل والخارج لا تقل ضراوة عما كان ينغمس فيها عبد الناصر، لكن اختلاف الشخصيات وطرق التفكير هنا الذي جعل عبد الناصر يهتم بالرياضة من منظور سياسي، فيما لا يعطيها الرئيس السادات أي اهتمام مماثل، حتي لما أقنعته السيدة جيهان السادات بإقامة مباراة كرة قدم تجمع بين فريقي الأهلي والزمالك ويخصص إيرادها لصالح جمعية الوفاء والأمل- وقد أمر عبد الناصر بإجراء مباراة مشابهة عام 1955 لكن إيرادها الذي بلغ 1200 جنيه تم تخصيصه لدعم الجيش-، وافق الرئيس السادات قبل أن ينتبه الفريق مرتجي رئيس النادي الأهلي إلي أن فريقه يفتقد جهود 6 من لاعبيه الأساسيين، وهو ما يعني ارتفاع احتمالية خسارة الأهلي للمباراة، فطلب تأجيلها أو إلغاءها، وقد كان له ما طلب، وهو أمر يحمل دلالة واحدة لكنها في غاية الأهمية: الرئيس السادات غير مهتم بالرياضة أو بكرة القدم من الأساس.
المفارقة أن الرئيس الذي لم يهتم مطلقا بكرة القدم، عين نائبا له مغرماً بها، حتي عندما يصبح محمد حسني مبارك رئيسا لمصر علي خلفية لحظة اغتيال درامية للسادات، يدرك الرجل مبكرا بريق وسطوة كرة القدم علي الشعب أو الجمهور للدقة، فيبدأ في الاستفادة من ذلك جيدا جداً، خاصة أنه -الرئيس مبارك- عرف عنه أنه يمارس لعبة نخبوية وهي الاسكواش فقرر أن تكون لعبته الثانية شعبية مكتفيا بمشاهدتها علي أن يمارسها أبناؤها ويشاركون في صناعة شئونها لاحقا.
بحسب الكتاب فإن أول ظهور للرئيس مبارك «الكروي» كان في ديسمبر 1982-أي بعد 15 شهرا فقط من توليه منصبه الرفيع- في مباراة نهائي بطولة أفريقيا للأندية أبطال الكئوس بين المقاولون العرب وباور دينامز الزامبي، بعدها توالي ظهور مبارك في العديد من المناسبات الكروية والرياضية، مثل نهائي بطولة كأس الأمم عام 1986 التي حصد كأسها المنتخب بعد تغلبه علي منتخب الكاميرون، لكن الأمر لم يقف عند حدود الحضور في المدرجات، بل تطور إلي الذهاب إلي الأندية الشعبية نفسها، والبداية كانت بنادي الزمالك عام 1984 عندما فاز ببطولة كأس أفريقيا، وأتبعها بزيارة مماثلة للنادي الأهلي عام 1987، وفي الزيارتين بدا واضحا أن مبارك أدرك أن كرة القدم مدخل مهم - وربما سهل - لقلوب الجماهير- حقا- وليس الشعب، وإن كانت فكرة استمرار الرئيس في قلوب الشعب منذ تاريخ هذه الزيارات الكروية وحتي الآن مثارا للشك!
لكن الكتاب يقف عند زيارة مبارك للأهلي عام 1987 وتحديدا عند تصريحه للاعبي الفريق بأنه «عندما يلعب الأهلي والزمالك أو ناد آخر مباراة دولية فهو يلعب باسم مصر والفوز هنا لمصر أولا» ويعتبر محمد توفيق مؤلف كتاب «مصر بتلعب» أن هذا المصطلح «الفوز لمصر» كانت نقطة التحول في المفاهيم، وقد عرفت الجماهير منذ هذه اللحظة عبارة «مصر فازت» وليس «الفريق المصري فاز»..واختلاف المعني واضح بكل تأكيد. وكزملكاوي متعصب لا يترك المؤلف مقولة مثل «الأهلي فوق الجميع»، تمر هكذا دون أن يرصدها ويقف أمامها محاولاً تحليلها وتحليل نفسية مردديها، مسجلا أن صاحبها وأول من رددها هو الكابتن مختار التتش قاصدا من ورائها أن مصلحة الأهلي فوق أي اعتبار، قبل أن يستخدم المصطلح ذاته النجم الشهير «صالح سليم» كشعار لقائمته في انتخابات النادي عام 1992، لكن المصطلح بمرور السنوات، ومع تزايد صفات الجماهير وغلبتها علي صفات الشعوب تحول من دليل من شعار انتخابي براق إلي عبارة استعلائية يستخدمها المتعصبون- ومن هم أقل منهم- للتدليل علي أن ناديهم الذي يشجعونه الأعلي من أي قيمة في هذا البلد.وبذكاء شديد يربط الكتاب بين العالمين الأكثر وهوجا وأضواء.. الفن وكرة القدم، راصدا بألمعية «اللعب» الذي يمارسه فنان بحجم وشعبية عادل إمام علي جمهوره، إذ إنه حينما سأله الناقد الرياضي الكبير «نجيب المستكاوي» في منتصف السبعينيات ومع بداية انطلاقته عقب النجاح المدوي لمسرحية «مدرسة المشاغبين» عن النادي الذي يشجعه أجاب عادل إمام: «أنا زملكاوي بشدة، لم أفكر في أسباب حبي للزمالك ، فقد وجدت نفسي من ثانوي أحب الزمالك، ربما لأنه أقوي الأندية في الستينيات، ولأنني أكره «العنطزة» وقد أعجبتني في الزمالك البساطة»، إلا أن الكتاب يتصيد الزعيم عبرالسطور التالية: «لكن عندما تم توجيه إليه السؤال نفسه بعد أن أصبح الزعيم في أواخر التسعينيات، أجاب «من شروط حصولك علي الجنسية المصرية ثلاثة أشياء الأول: أن تحب جمال عبد الناصر والثاني: أن تشاهد أفلام عادل إمام والثالث: أن تشجع النادي الأهلي»! هذا هو عادل إمام عبقري التمثيل الذي يجيد أداء كل الأدوار، فتجده في مشهد يعشق جمال عبد الناصر، وفي مشهد آخر يساند جمال مبارك ويتمني وصوله للحكم.. تجده زملكاوياً عندما يكون الزمالك علي القمة، وعندما يسقط تجده أكبر مشجعي الأهلي في الوطن العربي ! لكن الحقيقة أن عادل إمام لا يشجع سوي عادل إمام ولا يشاهد إلا أفلامه وهذا سر نجاحه واستمراره في كل العصور».
ويمر «مصر بتلعب» علي زاوية قليلا ما اهتم بها أحد وهي العلاقة بين الأدباء والكتاب من جهة والرياضة وكرة القدم تحديدا من جهة أخري، لافتا إلي أنه في الوقت الذي كاد فيه الكبير توفيق الحكيم يموت من الحسرة عندما عرف أن أحد اللاعبين دون العشرين دفع له ثلاثة ملايين جنيه، فإن أنيس منصور يري كرة القدم «لعبة نبيلة» فيما كف الساخر العظيم «أحمد رجب «عن» التزملك» بعد أن مني الأخير بهزائم مشينة علي أيدي أندية صغيرة مثل «فابريكة المكرونة» وشركة «النداغة» الأمر الذي كاد يصيبه بكل أمراض الأعصاب والضغط، ولعب الكاتب العالمي نجيب محفوظ في خط الهجوم بفريق المدرسة الثانوية، وتمسك شيخ الساخرين «محمود السعدني» بإسمعلاويته حتي آخر يوم في عمره، فيما ظل فذ القصة القصيرة العربية يوسف إدريس يري كرة القدم- مستنكرا ومستاء من الاهتمام بها- «المولد الحياني».
ومن الأدب إلي الدين الذي لم تقف كرة القدم علي محرابه تأدبا وتهذبا، وإنما اخترقته اختراقا، حتي إن أحدهم- كما يرصد الكتاب- اتصل ببرنامج الفتاوي علي قناة الناس الفضائية وسأل الشيخ: «هل يعتبر بيع لاعبي كرة القدم مثل بيع العبيد قبل الإسلام»؟! وكأن السائل اعتبر أبي لهب رئيسا لنادي قريش للألعاب الرياضية، لكنها مفارقة تكشف بوضوح عن كيف أن كرة القدم لم تترك مجالا إلا وتسللت إليه حتي الدين بكل جلاله ووقاره، ويعتبر المؤلف أن العيب هنا ليس في الجمهور فحسب وإنما في بعض الشيوخ أيضا الذين حولوا علمهم- إن تواجد- إلي سلعة مثلها مثل الإعلانات التي يتم بثها أثناء لعب كرة القدم.
ويختتم الكتاب المهم- الذي يجمع بين السياسة والاجتماع والدين والرياضة في موازييك وتناغم لافت- فصوله بالتركيز علي ظاهرة الرياضي الإعلامي، وكيف أن حوتاً إعلامياً مثل شوبير- قبل أن يحدث له ما حدث.. والذي قد يعود منه فجأة مثلما دخله فجأة- بدأ حياته الإعلامية بعد اعتزاله لكرة القدم مذيعا علي مباريات كرة القدم في التليفزيون المصري في مقابل 75 جنيهاً للمباراة الواحدة، وأن أول أجر تقاضاه عن أول برنامج رياضي قدمه علي شاشة القناة السادسة الإقليمية- وهي الآن قناة تسكن في متحف التليفزيون- كان 50 جنيهاً فقط، ثم تطور الأمر إلي ألف جنيه في الحلقة الواحدة علي شاشة دريم، قبل أن تدخل الإعلانات والعلاقات في الموضوع- ومعها دأب من الرجل- ليصل أجره إلي الملايين، ويدخل معه في القائمة آخرون، لتزيد الهوة بين ناس يجمعون الملايين وناس لا يملكون غير الفرجة... جماهير لا أكثر وقد تم شطب لفظ «الشعب» من بطاقتهم الشخصية الرقمية التي تتعامل معهم باعتبارهم أرقاماً فحسب.. يعني جماهير برضه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.