لماذا فشلت سياسة التعليم في مصر، عبر خمسة عقود أو أكثر ؟!... ولماذا انحدر حال الوطن، عبر تلك الفترة ؟!... الواقع أن إجابة السؤال الثاني تحتاج حتماً إلي إجابة السؤال الأوًَّل، فحال الوطن - أي وطن - ينحدر، عندما ينحدر مستوي التعليم فيه، وعندما لا يوضع التعليم علي رأس قائمة اهتمامات الدولة، ومن أهم وأخطر أسباب انهيار التعليم في مصر، أن كل وزير تعليم ينكبنا الله سبحانه وتعالي به، يتصوًَّر، وتتصور معه الأنظمة الفاشلة، أن مهمته هي وضع سياسة تعليمية، وهذا أكبر خطأ وقعنا فيه، منذ بدأ التفكير بمنطق السيادة والقوة والجبروت، ضد أي فكر ديمقراطي أو متحرِّر، ولقد نجم عن هذا الخطأ فساد، وتخبط في إدارة السياسة التعليمية، وصار أولادنا فئران تجارب لكل مغرور، أو متكبر أو طاغية، يري في نفسه حكمة الآلهة، وفي طبيعته عبقرية الطغاة، ويدير عملية التعليم، التي هي أخطر ألف مرة من السياسة والحروب، بفكر منفرد، ونظام لا يميزه سوي الطغيان والجبروت والعصبية، والسعي وراء تحقيق أحلام سلطوية قديمة ... التعليم أيها السادة هو سياسة طويلة الأمد.... سياسة يضعها نظام كامل، ويبذل فيها كل الجهد والوقت، ويستعين من أجلها بخبراء وعلماء، ودراسات وإحصائيات، ثم يأتي دور الوزير لتنفيذ سياسة الدولة والنظام، لا ليضعها، ويغيرها، ويبدلها وفق هواه ورغباته ورؤيته الشخصية القاصرة، ونزعاته التي تحتاج إلي طبيب نفسي لتحليلها. التعليم هو اللبنة الأولي لتطوير البلاد، ونقلها من فجوة التخلُّف إلي طريق الحضارة والتقدُّم .... التعليم هو الذي يقضي علي التطرُّف، علي الإرهاب، علي الفكر العصبي والتعصب ....التعليم هو الذي يصنع مجتمعاً مفكراً، يستطيع رؤية الحقائق، وفهم الأمور ... التعليم ينير العقول، ويفتح البصائر، ويرسم طريق أمة كاملة .... ولهذا، لا ينبغي أن تكون سياسة التعليم في قبضة هوس وزير - أي وزير - لأنه مما رأيناه ونراه، لم ولن يتطوًَّر التعليم، بل ولن يضع قدميه حتي علي بداية التطور، لأننا حتي لا نعلم .... سيادته عايز إيه بالظبط ؟!..