توقفت أمام سؤال' لماذ نتعلم ؟' وهو سؤال تحدد الإجابة عنه صورة المستقبل, سواء علي المستوي الفردي أو المستوي العام, من الفرد إلي الدولة, وكنا نقرأ أن الاحتلال الإنجليزي لمصر(1882 1954). و كان يستهدف من التعليم تخريج طبقة من الموظفين بقدر ما يحتاجه انتظام العمل في الدواوين الحكومية, وعندما انطلقت صيحة الدكتور طه حسين بأن التعليم كالماء والهواء, والذي ترجمه في مجانية التعليم الأساسي ثم عممته ثورة يوليو علي كل مراحل التعليم, اتسعت مظلة التعليم لتشمل ربوع الوطن وجموع الناس من كل الطبقات, لكن الهدف ظل كما هو بغير اختلاف يذكر, وفي الوقت الذي قفزت فيه منظومة التعليم في دول كثيرة ليس في العالم الأول فقط بل وفي دول من العالم الثالث, كوبا وبوليفيا وفنزويلا, استطاعت ان تقضي نهائيا علي الأمية الأبجدية, وصارت معركة التعليم في دول جنوب شرق اسيا مع الأمية الإلكترونية والمعلوماتية والكمبيوتر ومنتجات ثورة الاتصالات, فيما بقي اكثر من ربع سكان مصر تحت أسر الأمية. والتلعثم في محاولة الإجابة عن هذا السؤال في واقعنا المعاش مرده غياب الرؤية الإستراتيجية لدور التعليم والتمسك بنسق التعليم التلقيني الذي يعتمد علي النقل والحفظ والاسترجاع الآلي للمعلومات الجامدة والفاقد بالضرورة للقدرة علي الإبداع, الذي هو اساس التطور ومن ثم التنمية, بل وتمتد اصابعه الي تكريس فكر التطرف, وقد رصدت الدكتورة شيماء الشريف أداب الإسكندرية هذا في ورقة بحثية مقدمة للمؤتمر الوطني الثاني لمناهضة التمييز الديني( ابريل2009) تحت عنوان' التعليم من أجل الإبداع' ماذا نقول في نظام تعليمي يحفز أولا وأخيرا علي الحفظ والتلقين ويعتبر أن درجة الحفظ هي عنوان التفوق, ويحفز الطالب علي عدم استعمال عقله, لا نقدا ولا ابداعا, ويشجعه علي منطق الفكرة الواحدة التي لا سبيل لغيرها, ويجعل صحة الإجابة في الامتحان مرتبطة بنص نموذج الإجابة في يد المصحح !! وليس علي ما قد يبدعه الطالب؟. وتستطرد الباحثة فتقول' إن نظام التعليم في بلادنا ينتج عقولا تتشبث تشبثا جنونيا بحرفية النصوص, أو ما نحب أن نسميه الهوس بالنصوص, فنصوص الكتاب المدرسي مقدسة نحفظها عن ظهر قلب حتي ننجح في الامتحان, وما يقوله المدرس مقدس علينا تنفيذه حرفيا دون تفكير, وما يقوله الأستاذ الجامعي مقدس علينا تقبله دون نقد أو مناقشة, وهكذا تنسحب القداسة علي كل النصوص المقروءة والمسموعة, ثم تنسحب بعد ذلك علي كل حكم لنا في أمر من أمور الحياة, فيمحي العقل تماما ويتحول الي جهاز رصد وتسجيل وليس إلي وسيلة ابداع ونقد وتفكير' وفي ذات المؤتمر والذي نظمته مجموعة مصريون ضد التمييز الديني تأتي دراسة الدكتور عماد صيام بوصفه باحثا متخصصا في التعليم وخبيرا تربويا, والذي رصد الاختراق الطائفي المتطرف للمجتمع' علي امتداد عقود متتالية منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام1928 وحتي الأن' يؤكد أن' المؤسسة التعليمية هي الأخطر بين مؤسسات التنشئة والتكوين الفكري, لما يرتبط بالدور الوظيفي لهذه المؤسسة في أي مجتمع, فهي تؤثر في وتكون نحو17 مليون طالب وطالبة يقضون في المتوسط16 18 سنة في مقاعد الدراسة, ويشير الباحث إلي' مسئولية المؤسسة التعليمية عن تحديد ملامح الثقافة السياسية للمجتمع, عبر ما ترسبه من قيم يحددها نمط التنشئة الإجتماعية من خلال البرنامج التعليمي والتربوي الذي تقدمه, والذي يحدد في النهاية نمط وذهنية التفكير, ومستوي ونوعية المعارف والثقافة السياسية التي تقدم لجماهير الطلاب, وتحدد اتجاهاتهم القيمية وبالتالي ممارساتهم السلوكية, والتي قد تيسر لهم الانخراط والمشاركة في العمل العام, وتنمي لديهم الإحساس بالمسئولية الاجتماعية وقيم المساواة والعدل والحرية وتنشئهم علي قيم ثقافة المواطنة والممارسة الديمقراطية, أو بحسب الباحث, قد تنشئهم علي انماط تفكير وقيم وممارسات معاكسة لكل هذا. وفي ذات السياق يؤكد الباحث أن تنشئة الطلاب تتم من خلال مضمون المادة التعليمية, ونمط العلاقات الاجتماعية السائد داخل المؤسسة التعليمية والعلاقة المباشرة بينها وبين المجتمع المحيط, ويصل الدكتور صيام إلي نتيجة مؤداها' أنه عند انتشار ممارسات التمييز في المجتمع وفق أي معيار أو علي أي خلفية بما فيها الخلفية الدينية يجب أن نشير بأصابع الاتهام أولا وبشكل مباشر الي النظام التعليمي, نظرا لدوره الحاسم في تشكيل وعي وثقافة الطلاب. ومازال السؤال قائما' لماذا نتعلم' ومازالت الإجابات تتوالي, فقط تحتاج إلي من يترجمها إلي فعل في المنظومة التعليمية بمحاورها الثلاثة' محو الأمية, التعليم الأساسي وما قبل الجامعة, التعليم الجامعي' يجيب عن سؤال مرادف هو كيف نتعلم ؟ وهو ما سنعرج اليه في مقال تال, ثم نتطرق الي اركان العملية التعليمية: المدرسة المكان والمناخ, المدرس الإعداد والمتابعة وتنمية القدرات, الأنشطة التعليمية المكملة والمفعلة: الفنية والرياضية والثقافية. تستطرد الباحثة فتقول' إن نظام التعليم في بلادنا ينتج عقولا تتشبث تشبثا جنونيا بحرفية النصوص, أو ما نحب أن نسميه الهوس بالنصوصذات السياق يؤكد الباحث أن تنشئة الطلاب تتم من خلال مضمون المادة التعليمية, ونمط العلاقات الاجتماعية السائد داخل المؤسسة التعليمية [email protected]