أبدأ باعتذار إلى القارئ الكريم لأننى استخدمت كلمة «كائنات» فى العنوان، وعذرى أن التربية والتهذيب وأشياء أخرى منعتنى من استعمال تعبير «كلاب الجزيرة» مع أن الأشياء التى أقصدها وسوف أُلوِّث (بعد إذنك) سطور اليوم بسيرتها، تشارك كلاب السكك خاصيّة النباح و«الهوهوة»، وان كانت الأمانة تقتضى الإقرار بأن كائنات «فضائحية الجزيرة» يليق بها أن تحسد تلك الحيوانات المسكينة على إخلاصها ووفائها وأخلاقها العالية التى تحول بينها وبين الكذب وخيانة الوطن وناسه وعضّ اليد التى لا تدفع لها دولارات أكثر. ولعلك لاحظت يا عزيزى أن فى السطرين السابقين شيئا واضحا من «الأشياء الأخرى» التى أشرت إليها حالا، فقد خشيت أن أضطرّ إلى تقديم اعتذار وترضية للكلاب الغلابة لو ظلمتها وأقحمتها فى عنوان موضوع بهذه القذارة، كما أننى خفت من أن بعض الكلاب التى تقرأ (دَعْكَ من الكلاب الأميين) غبية وجاهلة وسعرانة وحمارة جدا وربما تفهم مصطلح «كلاب الجزيرة» على أنه شتيمة وآية من آيات مسح الأرض بالكلاب و«بالفضائحية» التليفزيونية الشهيرة التى تستأجرهم، رغم أن هذا التعبير الاصطلاحى تاريخى و«سياسى» بامتياز ويعود استعماله إلى بدايات الثورة الفرنسية عندما أطلق فريق من الثوار وصف «كلاب الملك» على فريق آخر شارك فى الثورة لكنه احتفظ فى الوقت نفسه بولاء سرّى للملك لويس السادس عشر.
طالت المقدمة قليلا، وأعود إلى موضوع القطعان والكائنات المستوطنة والمعششة حاليا فى الفضيحة التليفزيونية القطرية المدوّية، وأقول إن القطعان تلك تنتمى إلى نوع شاذّ ونادر لم يكن معروفا عندما أبدع تشارلز دارون بحثه الشهير فى «أصل الأنواع والأجناس» قبل قرن ونصف القرن. هذا النوع من خصائصه البيولوجية أن قطعانه تشترك فى النَّهم والسُّعار والجوع الدائم، فضلا عن ميل ونزوع غريزىّ نحو بيع الذمم والجثث لمن يدفع أكثر.
غير أن الخبراء الذين عكفوا على ملاحظة وتأمُّل سلوك القطعان المذكورة أعلاه وهى تعربد على شاشة الفضائحية القطرية، توصلوا إلى أنها تتوزع من الناحية الوظيفية على جنسين اثنين، أولهما وظيفته التى يُستأجر لها وهى إنتاج سخائم من أدنى وأحطّ أصناف البذاءة والسفالة وقلة الأدب ضد مصر واللى جابوا مصر وأهلها وشعبها وجيشها ودولتها وخلافه، بينما الصنف الثانى، لأن من خصائصه ومواصفاته الجنسية التناحة وثقل الروح وخفة العقل وسماكة الجلد، فهو يُجتلب إلى شاشة الفضائحية بالأجرة لكى تستعمله هذه الأخيرة فى استكمال وظيفة الصنف الأول، أى لكى يلعب علنًا دور الوعاء أو «الجردل» الذى يضع فيه زميله (تقدر تقول «جوزه») كل هذا الفيض من البذاءة والسخام والوسخ بينما هو سعيد وراضٍِ جدًّا وتسرح على صفحة وجهه علامات البلاهة وأمَارَات الفرح والحبور والسرور!
وأول من أمس التقيت صديقا عزيزا ورأيته فى حال يُرثَى لها وبدا لى كأنه على وشك الجنون، فلما سألته عن السبب قال هاتفا: فلان.. هل تعرفه؟
قلت: أيوه.. ماله؟! فقال: رأيته بالصدفة قبل قليل على شاشة «الجزيرة»، وما أغاظنى ليس أنه رضى لنفسه عار الذهاب بالأجرة إلى هذه الفضيحة، وإنما ما أفزعنى وطيَّر عقلى حقًّا، صورته المزرية وهو جالس أمام نطع من عصابة الخونة يتلقى منه أقذع الشتائم وأكثرها فحشا بينما هو صاغر صامت سارح وزائغ العينين لا يعترض ولا ينتفض لكرامته المهدرة.. من أى شىء قُدّ وصُنع أمثال هؤلاء؟!
هكذا سأل صديقى بنبرة تقطر حزنًا ولوعة.. فقلت له: لست أعرف يا أخى الخامة التى استُخدمت فى صناعة الشىء ذاك وأمثاله، لكنى متأكد أنه كان وهو يتلقى سيول الشتم والإهانة سرحانا مشغولا بحساب مبلغ الأجرة الدولارية المغموسة فى العار ودم شهداء الوطن.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.