1 الجماعة ستعتمد حرق الشارع لإسقاط السلطة «الضعيفة» والقفز على كرسى الحكم مجددا فى غياب الأحزاب المدنية «العاجزة» 2 التنظيم سيفتت أقسام الجماعة ويحولها إلى جمعيات أهلية وشركات اقتصادية ومراكز تنمية بشرية.. وعدم حل «الحرية والعدالة» أمله الأخير
3 الإخوان يراهنون على ارتباطهم بخطط واشنطن الأمنية فى المنطقة.. والإسراع فى تنفيذ خارطة الطريق يجهض مخططاتهم للاستقواء بالخارج
4 تغيير البيئة القانونية والدستورية فى مصر عبر بوابة حزب النور السلفى.. وانبطاح الحكومة و«الخمسين» يمنحهم الفرصة
5 غرور الإخوان سيحول دون إجراء مراجعات فكرية وسياسية داخل التنظيم.. والحل البوليسى معهم يمنحهم قُبلة الحياة
إلى سيرتهم الأولى، قبل صعودهم إلى سدة الحكم، يعود الإخوان المسلمون إلى رحلة البحث عن نافذة للوجود على الساحة السياسية، بما يتيح لهم رويدا رويدا، الاقتراب من السلطة مجددا، على أمل اقتناصها مرة أخرى يومًا ما.
تأييد الحكم الصادر بحظر الجماعة، والجمعية المنبثقة عنها، وجميع أنشطتها، والتحفظ على أموالها، ورفض الاستشكال المقدم من جانب أحد محاميها فى هذا الشأن، إنما هو إعلان بات ونهائى عن نهاية التنظيم الإخوانى، الذى انهار نموذج حكمه بعد عام فقط من وصول مندوبه إلى قصر الاتحادية، على خلفية حزمة من الجرائم السياسية والجنائية، ناهيك باندثار أى وجود مؤثر للإخوان فى الشارع بمجرد لجوئهم لمظاهرات واعتصامات العنف والفوضى، ناهيك بدعمهم لجماعات الإرهاب والدم.
«1»
اليوم لم يعد هناك أى بدائل أمام الإخوان سوى الاعتراف بالهزيمة. وببراجماتية معروفة عنهم سيتحركون بسرعة من خلال خمسة محاور للعودة إلى المشهد مرة أخرى. أول تلك المحاور تعظيم فقه المحنة والمظلومية، كما كان يحدث فى الماضى بعد الضربات الكبرى للجماعة، مثلما كان الحال فى عامى 1954 و1965. وفى هذا الشأن سَيَفِى بالغرض حبس الرئيس المعزول والمرشد ونوابه وغالبية أغضاء مكتب الإرشاد، وقيادات الربط والاتصال بقواعد التنظيم، فى مختلف مكاتبه الإدارية بالمحافظات. إضافة للمتاجرة بدماء ضحايا الإخوان، الذين سقطوا برغبة دنيئة من قبل القيادات، فى العديد من المواجهات مع الشرطة والجيش والأهالى، وفى أثناء الفض العنيف والوحشى لاعتصامى رابعة والنهضة. وعليه لم يكن مستغربا أبدا أن يركز رد فعل بيان الجماعة الصادر تعليقا على تأييد حكم حظرها، إلا على أنها «ليست بيانا فى دفتر يمكن أن يشطب، أو محلا تجاريا يمكن أن يسحب ترخيصه، بقرار إدارى أو حكم مسيس (وفق البيان).. وإنما عقيدة ومبادئ وأفكار تربط أعضاءها من القلوب وتوحد بينهم بنور العقول، وتؤلف بينهم من أعماق المشاعر.. هذه العقيدة والمبادئ والأفكار هى الإسلام».. وكأن البيان يقول لأعضاء الجماعة: نحن أكبر من «الاستهداف الإجرائى» من قبل السلطة. فى حين لا يوجد أكبر من الدم وسقوط ضحايا بين قتلى وجرحى لزرع المظلومية فى النفوس.
«2»
بيد أن المحور الإخوانى الثانى، سيرتبط بالرغبة فى إسقاط مؤسسات الدولة، وحرق الأرض أمام الحكومة، مما يؤدى فى النهاية، خصوصا فى ظل الأداء المتخاذل والبطىء وغير الخلاق والعاجز لوزارة الدكتور حازم الببلاوى، وما يبدو عليها من تراجع حاد فى تنفيذ أهداف الثورة، مما بدأ يشعل غضب شرائح وحركات ثورية، إلى انهيار سلطة ما بعد 30 يونيو. وساعتها سيظهر الإخوان ورغم كل الضربات الأمنية التى طالتهم البديل الوحيد للسلطة. ولم لا والتيارات والأحزاب المدنية لم تتمكن من ملء فراغ الجماعة فى الشارع حتى الآن، ولا تزال على ضعفها وتشرذمها، ولم تأخذ أى مبادرات، ولم تقدم خططا وبرامج لمصر بعد ثورتين، بينما لا يزال البعض منها مشغولا فى صراعات المناصب داخلها، أو فى مغازلة الجيش والترويج لإمكانية ترشح قائده العام، الفريق أول عبد الفتاح السياسى للرئاسة.
الإخوان ينتظرون لحظة انفجار الشارع للركوب عليه. والسلطة والقوى السياسية العجوز، تمنح التنظيم، الذى لا يزال يحتفظ ببعض من تماسكه، الفرصة مجانا لذلك.
«3»
بينما يتجه المحور الثالث نحو السيناريوهات القانونية لوجود التنظيم بعد حل الجماعة. فى هذا الشأن تم تداول ثلاث سيناريوهات فى أروقة مكتب الإرشاد، مع تصاعد الدعاوى القضائية لحل الإخوان فى عهد مرسى نفسه. الأول، وهو الأقرب لرغبة التنظيم، أن يتم احتواء الجماعة من جانب ذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، فى حال عدم حظره هو الآخر، على خلفية تأسيسه على أساس دينى أو ثبوت استخدام مقراته فى تخزين أسلحة وذخائر، مثلما هو الحال فى مقره الرئيسى بالقاهرة، والمتاخم لوزارة الداخلية بوسط المدينة. ولا مانع ساعتها من أن تتعدد أدوات الحزب من صحف وفضائيات ونوافذ إعلامية، على أن يكتفى جسم الجماعة على نهج العقود الماضية بالوجود الواقعى، دونما النظر إلى وضعها القانونى، وتوجيه الرأى العام إلى أن حل الجماعة فى الأساس سياسى.
السيناريو الثانى، يتبنى خطة لتقنين كل قسم من أقسام الجماعة، وفقا لأحكام القانون الخاصة به، سواء كان قانون الجمعيات الأهلية أو قانون الشركات، أو ما شابه. فمثلا يتم تحويل قسم البر إلى جمعية أهلية متعددة الفروع فى مختلف المحافظات، فى مجال الخدمات الاجتماعية، بينما ينقل القسم السياسى، لحزب الحرية والعدالة، إضافة إلى تأسيس مجموعة من الشركات الاقتصادية لاستيعاب أنشطة الإخوان المالية والاستثمارية، فضلا عن نقل النشاط الدعوى لأبواق الجماعة الإعلامية، فى حين سيتحول قسم التربية لجمعيات تنمية بشرية وهكذا.
فى حين جنح السيناريو الثالث، الذى ربما يتم دمجه مع الأول، إلى الاكتفاء بحزب الحرية والعدالة مؤقتا، فى حال عدم حله أيضا. وفى المقابل تقوم الجماعة برفع دعاوى قضائية لاسترداد شركاتها وأموالها المصادرة، على اعتبار أن استرداد أى منها بحكم قضائى نهائى، يعنى بالضرورة اعترافا بشرعية الجماعة وأنشطتها، ويكفى أن يعود للجماعة مبنى واحد أو مشروع تجارى واحد، أو حتى شبر من أراضيها، للاعتراف بمشروعيتها والرد على كل الاتهامات التى تلاحقها.
الجماعة ستعتمد فى تنفيذ أى من تلك السيناريوهات، على دعم مادى وسياسى كبيرين من قوى إسلامية وإقليمية من مصلحتها وجود شوكة فى ظهر الدولة المصرية على طول الخط. ولن تجد تلك القوى أفضل من تنظيم لا يعترف لا بحدود، ولا ثوابت وطنية، ولا يتردد أبدا فى الاستقواء بالخارج، لأجل عيون السلطة.
«4»
وعلى ذكر الدعم الخارجى للإخوان، يظهر المحور الرابع لإعادة تقديمهم مجددا كلاعب مؤثر فى المشهد السياسى المصرى. التنظيم لا يزال يعول على ضغط واشنطن على السلطة، من أجل الولوج إلى الحياة العامة مرة أخرى. الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإن أبدت تغييرا إيجابيا صوب 30 يونيو وما بعدها، ومن ثم تخلت كثيرا (لكن ليس بدرجة كبيرة مثل الاتحاد الأوروبى) عن فرضية وجود الإخوان كما كان وضعهم قبل الإطاحة بمرسى، لكنها لا تزال فى حاجة إليهم فى عدد من الترتيبات الأمنية بالمنطقة، تتعلق بإخوان سوريا والعراق، وإسلاميى أفغانستان من أصحاب العلاقات الوطيدة بمكتب إرشاد القاهرة، وقبلهم جميعا بحماس وكذا بالتيارات الجهادية والمسلحة، التى تولى التنظيم فى عهد المعزول جذبهم إلى مصر، من مختلف بقاع العالم، كخدمة للغرب الرامى للتخلص من هاجس الإرهاب المتأسلم.
لكن السلطة بيدها إجهاض المحور السابق، بالإسراع فى تنفيذ بنود خارطة الطريق، ومن ثم الانتهاء من بناء المؤسسات المنتخبة، كالبرلمان والحكومة، وكذا انتخاب رئيس يحظى بتوافق، والاستقرار على دستور ديمقراطى، يليق بدولة كبرى بالمنطقة كمصر. لكن ما دون ذلك، وفى ظل إصرار أصوات رسمية على إمكانية المصالحة مع تنظيم تلوثت يداه بدماء المصريين، لن تتحكم فى مصائر الشعب سوى الكيانات الانتهازية، أو تلك التى تستغل الدين لدغدغة المشاعر.
«5»
فى الأخير، لم يعد أمام الجماعة أيضا سوى اللجوء لاستراتيجيتها التاريخية، للوصول إلى كرسى الحكم، والتى يمكن الإشارة إليها باعتبارها المحور الخامس المتاح أمامها لإنقاذها من السقوط فى بئر النسيان. التنظيم الإخوانى كان قد انتهج منذ عودته للحياة السياسية المصرية، فى السبعينيات من القرن الماضى، بمباركة مؤقتة من الرئيس الراحل أنور السادات، خطة تغيير ناعم طويلة الأمد، لتغيير البنية القانونية والتشريعية المصرية، ناهيك بتديين المجتمع وتطييفه لصالح الإسلاميين، بحيث يكون وصول الإخوان للسلطة بعد عقود طويلة، بدهيًّا ومنطقيا ولا خيار غيره.
الإخوان صعدوا من تلك الخطة، وحققوا فيها نجاحات كبيرة، طيلة حكم مبارك. استنادا لتكلس الوضع السياسى، وقمع الحريات، واللجوء إلى الحل البوليسى فى مواجهة الإسلاميين. كذلك نجحوا فى صبغ المجتمع، أو شرائح عدة منه، بإسلام البادية، إسلام النفط والخيمة، وذلك على وقع ردة سلفية أيديولوجية مفارقة للواقع والمجتمع سيطرت على الجماعة، مع سيطرة صقور القطبيين المحافظين على مفاصل الحكم فيها، حسب رؤية الباحث الراحل فى شؤون الجماعات الإسلامية، حسام تمام.
لكن الإخوان، وأمام رغبتهم المحمومة فى السلطة بدعم أمريكى وإقليمى مفضوح. تخلوا فجأة عن تلك الخطة، وقرروا الجلوس على عرش مصر، وتنفيذ مخططات الأخونة والتمكين وإقصاء الآخر، من دون أن يكونوا مهيئين لذلك، فكان سقوطهم مدويا وبارقا. السؤال إذن.. هل لدى الإخوان حاليا، بعد حظرهم شعبيا وقضائيا، أى أمل فى إعادة استحضار خطة التغيير الناعم تلك؟.. الإجابة تبقى دوما لدى الحكومة المرتعشة والمنبطحة، والأهم لدى حزب النور. الصراع الدائر حاليا فى لجنة الخمسين لوضع الدستور، حول مواد الهوية والشريعة الإسلامية، وما يبدو من انبطاح اللجنة أمام ابتزاز الحزب السلفى، لتمرير تفسير المادة الثانية (الذى ورد فى المادة 219 بدستور الإخوان المعطل) فى ديباجة مسودة الدستور الجديد، لا يصب إلا فى مصلحة الإخوان، ومصلحة سعيهم القديم لتبديل تركيبة القوانين والتشريعات المصرية، بحيث تمهد الطريق لهم للحكم. وهنا تكفى الإشارة إلى أن المادة 219 وضعها السلفيون، فى دستور 2012، ولكن بمباركة إخوانية مستترة، أبت الجماعة أن تظهرها، وتركت المهمة لغيرها، لتحافظ على وجهها الليبرالى المزيف. فى حين أن أدبيات الجماعة تنضح بعشرات الرؤى للشريعة الإسلامية والحدود، لا تختلف عن جماعات التكفير المتشددة. بل إن صراع الإخوان مع المحكمة الدستورية العليا، حول تفسير الأخيرة لمعنى مبادئ الشريعة، ومدى دستورية استخدام شعار «الإسلام هو الحل» الشهير، قبل 25 يناير، لا يزال حاضرا فى الأذهان.
إن الجماعة تتحرك بسرعة، وعلى كل الأصعدة لإنقاذ نفسها. لكنها لن تلجأ أبدا إلى الحل المنطقى لإعادتها للملعب السياسى والمجتمع بصورة طبيعية، والمتمثل فى ضرورة إجراء مراجعات فكرية وسياسية حقيقية داخلها. إذ الكبر الإخوانى سيحول دون ذلك حتمًا. بينما الارتكان إلى إزاحتها من الحكم، ومحاكمة قادتها، وكذا حظرها شعبيا وقضائيا، وعدم تحرك السلطة لتبنى حلول ديمقراطية وقانونية راسخة، بعيدا عن الحلول البوليسية فقط، بحيث تجيز لجميع المصريين العمل العام بشفافية وفى النور، بعيدا عن السرية وخلط الدينى بالسياسى، لن يؤدى إلا إلى إحياء الإخوان بعد موتهم بيد الدولة، بلا أدنى شك.