للمعتمرين.. تعرف على سعر الريال السعودي اليوم    30 غارة على الضاحية الجنوبية ببيروت في أعنف ليلة منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على لبنان    مدحت شلبي يكشف مصير " زيزو" في نادي الزمالك    احتفالات كبرى بمطار البالون الطائر في الأقصر بذكرى نصر أكتوبر ال51 (بث مباشر)    ارتفاع سعر الذهب اليوم.. عيار 21 يسجل 3578 جنيهاً    والد بلعيد: الأهلي لم يجبرنا على وكيل معين.. وأمير توفيق محترم    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم الأحد 6 أكتوبر    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 6-10-2024    ارتفاع عدد قتلى إعصار «هيلين» في الولايات المتحدة إلى أكثر من 227 شخصًا    الكويت.. سحب جنسية 63 شخصا بينهم مزدوجان متهمان في قضية سرقة القرن العراقية    تبون يثني على العلاقات بين الجزائر وموسكو    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»..هل الدعم «النقدي» أفضل من «العيني»؟.. عالية المهدي تجيب.. اتحاد الدواجن يكشف سبب ارتفاع أسعار البيض    عاجل.. إسرائيل تعلن الاستعداد لضرب إيران.. و«الخارجية الأمريكية»: لا ضمانات لاستثناء المنشآت النووية.. وقائد عسكري أمريكي يزور المنطقة    شوقي غريب يكشف لأول مرة سبب فشل مفاوضاته مع الإسماعيلي    مدرب مصر السابق: كنت أتمنى ضم نجم الزمالك للمنتخب    ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم الأحد    لماذا تأخر حزب الله في كشف حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين في لبنان؟    «Take My Breathe».. أفضل فيلم عربي طويل بمهرجان الإسكندرية السينمائي    برج الميزان.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: جدد أفكارك    برج الأسد.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: لا تكن أنانيا    بعد شائعات وفاته.. جورج قرداحي يوجه رساله شديدة اللهجة    ملك إسبانيا: الحرب في غزة جلبت دمارا لا يوصف ويجب أن تنتهي    انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة اليوم وتحذيرات من الشبورة المائية على الطرق السريعة    «مفيش خروج من البيت».. محمد رمضان يفاجئ لاعبي الأهلي بقرارات جديدة نارية (تفاصيل)    أحمد السقا يمازح علاء مرسي ويبعده عن ابنته ليرقص معها (فيديو)    رسميًا.. رابط منهج العلوم رابعة ابتدائي pdf والخريطة الزمنية للشرح    من دعاء النبي | اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي    44 ألف سيارة.. الحكومة تعلن مفاجأة جديدة بشأن ذوي الهمم    في ذكرى انتصارات أكتوبر.. كيف خدع «السادات» إسرائيل؟    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المساكن بمنطقة حدائق القبة    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    لتجنب التسمم الغذائي.. الخطوات الصحيحة لتنظيف وغسل «الفراخ»    شعبة الدواء تكشف عن سبب ظهور السوق السوداء    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الأحد 6 أكتوبر    «مصر للطيران» تنقل 286 مصريًا عالقين في لبنان إلى أرض الوطن.. صور    الأمن العام يداهم بؤرة إجرامية.. ومصرع 3 عناصر شديدة الخطورة بقنا    مصرع وإصابة 3 أطفال في تصادم دراجة بخارية وسيارة ملاكي بقنا    الزمالك يقترب من ضم مدافع منتخب مصر (تفاصيل)    يقي من الخرف والألزهايمر.. 5 فوائد صحية لتناول البيض    البيع تم قبل شهور.. مصدر مقرب يكشف مصير مطعم صبحي كابر    حدث في منتصف الليل| حقيقة تعرض البلاد لشتاء قارس.. وأسباب ارتفاع أسعار الدواجن    استئصال ورم كبير من قلب مريضة بمستشفى جامعة أسيوط    رابع مُنتج للمشروبات في العالم يبحث التوسع في السوق المصرية    كنيسة الروم بلبنان لأهل الجنوب: نحن بحاجة للتمسك بأرض أجدادنا لا تتركوا أرضكم ودياركم    تعيينات وتنقلات جديدة للكهنة في مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس    عرض «فرص الاستثمار» على 350 شركة فرنسية    «المضل» في بني سويف تضم «مزامير» داود وكنوزًا زاخرة    وائل جسار: عايشين حالة رعب وخوف في لبنان.. ودعم مصر مش جديد علينا    « عز يرتفع والاستثماري يتراجع».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    نائبا رئيس الوزراء أمام «النواب» غدًا    مصرع طفلة وشقيقها سقطا من الطابق السادس أثناء اللهو ب15 مايو    جوجل والجنيه.. دعم ل«الصناعة المحلية» أم عقاب لصنّاع المحتوى؟    إعلام لبناني: صعوبات في وصول الإطفاء والدفاع المدني لأماكن الغارات الإسرائيلية    أحمد عبدالحليم: الزمالك استحق لقب السوبر الإفريقي و«الجماهير من حقها الفرحة»    نقيب الأطباء: الطبيب في مصر متهم حتى تثبت براءته عكس كل المهن    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.رفعت سيد أحمد يكتب: عبد الناصر والإسلام «3-5»
نشر في الدستور الأصلي يوم 29 - 09 - 2013

تأسيس إذاعة القرآن الكريم.. وإنشاء 1500 مسجد بعد الثورة
حرص عبد الناصر على ترجمة نظريته لوظيفة الدين إلى قراءات وقوانين وتأسيس مؤسسات جديدة بعد إلغاء القديمة
فى الذكرى الثالثة والأربعين لرحيل الزعيم القومى جمال عبد الناصر(28/9/1970) وبعد أن سقط الإخوان من على عرش مصر فى 30/6/2013 بعد هذا التاريخ دأبوا - ومعهم فريق من الوهابيين السلفيين شديدى التخلف -على اتهام عبد الناصر بكل الموبقات السياسية والأخلاقية، مثلما كان يفعل د. محمد مرسى رئيس مصر المعزول، فى التهكم من فترة حكم عبد الناصر وجميعنا نتذكر مقولته الساخرة الشهيرة (الستينيات وما أدراك ما الستينيات) والتى جاءت فى معرض اتهام تلك الفترة بالإرهاب والظلم، والاستبداد.
إن عبد الناصر لدى الإخوان وفى مجمل وثائقهم (حاكم يعادى الإسلام) لمجرد أنه يعاديهم، حيث هم الإسلام، ومن عاداهم يصبح بالتبعية خارجا عن الملة، وعبد الناصر لديهم لا يمتلك رؤية إسلامية صحيحة بل رؤية فاسدة وأحيانا (كافرة) فهل هذه الاتهامات صحيحة ؟ وهل كان عبد الناصر علمانيا، معاديا للإسلام بالفعل؟ هذا ما ستحاول هذه الدراسة الإجابة عنه من خلال بحث علمى موثق، نرفع فيه اللبس ونرد على الاتهام بالعلم. سيظل عبد الناصر، حاضرا، بفكره وتجربته، مهما طال الزمن أو بعد، ربما يعود ذلك إلى أن تجربته كانت ثرية بإنجازاتها وربما يعود ذلك إلى أنها جاءت فى لحظة تاريخية فاصلة من عمر الأمة، فخلقت واقعا جديدا مفصليا فى تاريخ مصر الحديث.. وربما لأسباب أخرى سياسية داخلية وخارجية كان لهذه التجربة الناصرية بريقها وديمومتها، رغم أخطائها بل وخطاباتها العديدة، واليوم نعيد فتح ملف هذه التجربة من زاوية جديدة، زاوية نحسبها لا تزال تطلق تأثيراتها، وتفرض معاركها علينا، وعلى العالم، زاوية (الإسلام) وموقعه فى مدركات وسلوكيات الأنظمة الحاكمة، اليوم نحاول أن نعيد قراءة رؤية عبد الناصر للإسلام وهى الرؤية التى نحتاجها اليوم، تعبيرا عن جدلية الصراع بين نظام وحركة الإخوان المسلمين لكثرة ما كتب فيه من زاوية، ولعدم جدوى تذكر المأساة من زاوية أخرى، نريد أن نفتح قوسا أوسع، من هذا القوس الإخوانى – الناصرى الضيق – رغم أهميته للباحثين وللحركيين الإسلاميين والناصريين، القوس الذى نريد أن نفتحه هو قوس الرؤية والمدركات والفلسفة التى حكمت المشروع الناصرى (1952 – 1970) تجاه الإسلام: حركات، وقيم، ومؤسسات وثقافة كيف كانت؟ وإلى أى مآل انتهت؟ وكيف نستفيد منها اليوم أو غدا فى مجال التعامل مع قضايا مصر والمنطقة والعالم التى تتفجر من حولنا، ويحتل الفهم للإسلام (خطأ أو صوابا) جزءا من عملية تفجيرها؟ هذا ما ستحاوله هذه الدراسة التى سبق ومثلت بعض فقراتها جزءا من أطروحة الماجستير التى حصل كاتب هذه الدراسة عام (1983) على الدكتوراه من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، واليوم نجددها، وتجدر قضاياها بذلك ونعيد طرح جوهر الدراسة للحوار فى أجواء ثورة 30 يونيو 2013، من أجل مصر فى ذكرى ثورة يوليو الحادية والستين.. فماذا عنها ؟.
■ كان لعبد الناصر، ولثورة يوليو، رؤية متقدمة للإسلام، طبيعة ودورا، وأثبتت الدراسات والوثائق الناصرية ذلك، ولكن كيف ترجمت (الناصرية) هذه الرؤية فى الواقع المصرى إبان الخمسينيات والستينيات؟ ذلك ما تجيب عنه السطور القادمة.
■ يحدثنا التاريخ أن النظام السياسى الناصرى، قبل وفى أثناء وبعد صدامه الأول (1954) والثانى (1965) مع الإخوان المسلمين كانت له استراتيجية دينية (إن جازت العبارة) فى التعامل مع المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر والكنيسة والطرق الصوفية، استراتيجية تقوم على الاحتواء والتطوير، وتوازى مع هذه الاستراتيجية قيام النظام بإلغاء بعض القوانين والهيئات من قبيل إصداره للقانون رقم 462 لسنة 1955 الخاص بإلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية، وقانون إعادة تنظيم الأزهر رقم 603 لسنة 1961 وأخيرا قانون إلغاء الوقف الأعلى عام 1955 الذى تم تبريره بدعوى استثمار الإمكانات والأراضى غير المستغلة، وتحويلها إلى أعمال التنمية خصوصا مشاريع الإسكان والبنوك وغيرها.
إنشاء مؤسسات جديدة:
ومع تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية ظهرت وظائف جديدة ومهام جديدة، شعر النظام السياسى أن المؤسسات الدينية القائمة غير قادرة على الوفاء بها، ومن ثم استلزم الأمر إنشاء هيئات مستحدثة للوفاء بها، من أول هذه الهيئات، «المؤتمر الإسلامى» الذى أنشئ بعد لقاء عبد الناصر الملك سعود عام 1954، واختير أنور السادات سكرتيرا عاما له، وكان من نشاطه توثيق العلاقات بين مصر والمنطقة العربية والإسلامية، وتأكيد البعد الإسلامى فى سياسة مصر الخارجية وفى مواجهة سياسة الأحلاف التى كانت قد بدأت فى الظهور بعد ذلك على شكل حلف بغداد.
ثم أنشئ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فى عام 1960 وامتد نشاطه إلى جميع أرجاء العالم الإسلامى والوطن العربى، بهدف التعريف بالإسلام وإحياء التراث الإسلامى، وقد نشر المجلس موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامى، وأصدر سلسلتين شهريا الأولى «دراسات فى الإسلام»، والثانية «كتب إسلامية»، كما أصدر أيضا مجلة شهرية باسم «منبر الإسلام» باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، ولقد جمع المجلس القرآن جمعا صوفيا، وأوفد بعثات الوعظ والإرشاد وتعليم اللغة العربية وأسهم فى إنشاء المراكز الإسلامية فى أماكن عدة من العالم.
وابتداء من يونيو عام 1960 وحتى يوليو 1960 فقط تم توزيع 4 ملايين نسخة من المطبوعات على العالم الإسلامى و8 آلاف نسخة من القرآن المرتل و700 ألف أسطوانة صلاة، فضلا عما تم توزيعه داخل البلاد، وتم تقسيم المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إلى عدة لجان هى: لجنة التعريف بالإسلام، ولجنة إحياء التراث الإسلامى، ولجنة الخبراء، ثم لجنة إحياء مصادر وكتب السنة، فاللجنة العلمية للقرآن والسنة وأخيرا لجنة تجديد مبادئ الشريعة الإسلامية.
من الناحية السياسية استخدمت الدولة المجلس لأداء دورين: أولهما: أن يكون بمنزلة اللسان الإسلامى باسم الثورة فى الخارج والقيام بوظيفة اتصالية وإعلامية بين الثورة والبلاد الأخرى، وثانيهما: إضفاء التبرير الإسلامى على أنشطة الدولة داخليا، لذلك كان المجلس يخضع بشكل مباشر لرئاسة الجمهورية، ولم يكن انتماؤه إلى وزارة الأوقاف إلا اسما، ولعل فى تولى أحد الضباط الأحرار وأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة لرئاسة المجلس ما يشير إلى دلالته السياسية الرسمية، كما تتبدى الأهمية السياسية لهذا المجلس فى الكتب والمؤلفات الإسلامية والسياسية التى أصدرها، والتى عبرت عن الطبيعة الفكرية التى سيطرت على المجلس فى هذه الفترة من فترات المد الثورى، وهذا يدلل على كيفية استخدام النظام السياسى للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كأداة سياسية تخدم أهدافه التحديثية والثورية.
■ التوجيه السياسى للمؤسسات القائمة، فقامت الدولة بهذا الدور مع الطرق الصوفية -التى سيرد الحديث عنها فى المبحث الثالث- ومع البرامج الدينية فى ميادين الثقافة وأجهزة الإعلام وأيضا إعادة التوجيه الفكرى لأئمة المساجد خصوصا فى خطب الجمعة من خلال وزارة الأوقاف، فبالنسبة إلى البرامج الدينية فى ميادين الثقافة وأجهزة الإعلام، فقد تمت على مستوى الإذاعة الدينية ومستوى المجلات والجرائد والنشرات، ثم على مستوى المحاضرات والاجتماعات الدينية الرسمية، فقامت الدولة بإنشاء محطة خاصة بالقرآن الكريم بدأت إرسالها فى 31/3/1964، واستمر معدل إرسالها من 64/1965 حتى 66/1967 بمعدل 14 ساعة يوميا، كما أذيعت برامج دينية خاصة، وشارك المسؤولون فى الأعياد وصلوات الجمعة فى المناسبات الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوى الكريم وفى الاحتفالات والمواكب الرسمية.
■ ■ ■ ■
وفى رأى البعض كان الهدف من وراء هذا السلوك هو إضفاء الشرعية الدينية على القيادة السياسية بمشاركتها للجماهير فى شعائرها الدينية، ويدللون أيضا على هذا بنماذج عديدة مثل إنشاء دور القرآن، وعلى مستوى الدوريات والنشرات أسهم النظام السياسى فى خلق ما يمكن تسميته بالقطاع العام الثقافى، حيث أنشأ عديدا من دور النشر التى تولت نشر التراث الإسلامى كالدار القومية للطباعة والنشر، كما خصصت الصحف اليومية صفحات خاصة للدين من كل أسبوع، وهو التقليد الذى استمر بعد ذلك.
وعلى مستوى الاجتماعات الدينية الرسمية قام مكتب الشؤون الدينية بالاتحاد الاشتراكى العربى بمهمة مماثلة، وتمثلت فى إعداد البحوث المختلفة عن العلاقة بين الدين والاشتراكية من النواحى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حتى يقتنع كل فرد بأن الاشتراكية لا تتنافى مع تعاليم الإسلام، وكذلك التصدى لمن يستخدمون الدين فى نقد التطورات الثورية التى أحدثها النظام الناصرى.
وفى مجال التوظيف السياسى -أيضا- كان المكتب يعقد اجتماعات أسبوعية مع علماء الإسلام من مفتشى المساجد وأئمتها ورجال الوعظ والإرشاد ومشاريع أروقة البحوث الإسلامية والمهتمين بالمسائل الدينية من أساتذة الجامعات وغيرهم من العلماء والمثقفين ورجال الدين المسيحى، وذلك لشرح المفاهيم الاشتراكية والتنموية والرد على معارضيها، كما كان المكتب يعقد اجتماعات عامة بأكبر عدد ممكن من علماء المسلمين ورجال الدين المسيحى، بالإضافة إلى عدة اتصالات فردية عن طريق زيارات لكبار رجال الأزهر والأوقاف والبطريركية القبطية وبعض الجمعيات الإسلامية، واتجه المكتب إلى تنظيم المحاضرات وتوزيع النشرات التى تربط بين الدين وقضايا المجتمع بوجه عام، وكان يركز على المناسبات الدينية الهامة لتنظيم هذه المحاضرات.
أما بالنسبة إلى التوجيه الفكرى لأئمة المساجد فيلاحظ فى الفترة الناصرية زيادة اهتمام الدولة بإنشاء المساجد التى وصل عدد ما أنشئ منها بعد قيام الثورة من خلال وزارة الأوقاف إلى 1500 مسجد جديد، وفى مجال التوجيه السياسى للأئمة قامت الوزارة بإرسال نماذج من الخطب الدينية إلى أئمة المساجد بهدف الإشراف الفكرى على دور العبادة بحكم تأثيرها المباشر على قطاعات عريضة من المواطنين، وكان يغلب على هذه الخطب نوعان من الموضوعات: الموضوعات التقليدية مثل الطهارة، والصلاة والإيمان، والموضوعات السياسية ذات الصلة بالمعارك السياسية وقضايا التنمية التى يواجهها المجتمع.
واتجهت الإدارة العامة للدعوة بوزارة الأوقاف أيضا إلى إصدار سلسلة دينية باسم مكتبة الإمام، تتضمن نماذج من خطب الجمعة المذاعة ونشرات الدعوة الدينية، كما أصدرت الوزارة عدة نشرات عن العدالة والمساواة فى الإسلام وتعبئة جميع القوى لإحراز النصر، وقداسة العمل فى الإسلام وتأمين حقوق العاملين والإسلام والعلم، كما قامت الوزارة بإصدار نشرات خاصة أخرى عن الثورة فى الإسلام وعن الشورى، ومن الملاحظ زيادة الموضوعات ذات الطبيعة الثورية فى الفترة من 1958 حتى 1967، وامتلأت نشرات وزارة الأوقاف ونشرة الاشتراكى التى كانت تصدر عن أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكى بهذا النمط من الموضوعات الدينية، ولكن بعد عام 1967 غلبت على الخطب والتوجيهات الخاصة بها سمة الروحانية والاعتدال ووجود نوع من النقد الذاتى للمرحلة السابقة، وغيرها من المفاهيم العامة التى تأثرت بأحداث الهزيمة.
ويتضح من هذا العرض للخصائص العامة التى ميزت سياسة الدولة تجاه المؤسسات الدينية الرسمية أن هذه السياسة تراوحت بين إلغاء بعض هذه المؤسسات وتطوير البعض الآخر، ثم إنشاء مؤسسات جديدة، وأخيرا توجيه أدوات الإعلام المختلفة بما يتمشى مع التوجهات الداخلية والخارجية للنظام، وهى الصورة التى تتضح أكثر بتفصيل كل ما سبق فى المحاور التالية:
الأول: قانون إلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية.
الثانى: قانون تطوير الأزهر رقم 603 لسنة 1961.
الثالث: علاقة النظام السياسى بالطرق الصوفية.
■ ■ ■ ■
إلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية:
ترتب على الرغبة فى التجديد لدى النظام السياسى فى مصر خلال السنوات الأولى من الفترة موضوع البحث مجموعة من التحولات السياسية والاجتماعية الهامة، والتى كان منها إلغاء المحاكم الشرعية والمالية بالقانون رقم 462 لسنة 1955 وإحالة الدعاوى التى تكون منظورة أمامها إلى المجالس الوطنية، وذلك تأكيدا لمفهوم التكامل القومى، ولتذويب عدد من المؤسسات التقليدية التى كانت تعوق عملية التوحد القومى، بين الطائفتين الرئيسيتين فى المجتمع المصرى: المسلمين والأقباط، ولقد صدر القانون فى سبتمبر عام 1955 عن مجلس قيادة الثورة، وسوف يتم تناوله فى بندين، أولهما يتصل بتحليل لمضمون القانون، وثانيهما بالتبرير الرسمى له:
1- تحليل القانون: يمكن تحليل القانون من خلال ثلاث زوايا، الزاوية الأولى: وتتعلق بعملية الإحالة للقضايا القديمة التى كانت منظورة أمام هذه المحاكم والتى تنتهى فاعليتها فى نهاية ديسمبر 1955، فلقد رتب نص الإلغاء للمحاكم الشرعية والمجالس المالية فى المادة 1 من القانون ضرورة أن تحال الدعاوى التى تكون منظورة أمام محكمة الاستئناف الوطنية التى تقع فى دائرتها المحكمة الابتدائية التى أصدرت الحكم المستأنف إلى محكمة وطنية، وتؤكد هذا أيضا مادة 2 منه.
كذلك تحال -وفقا للمادة 3- القضايا التى تكون منظورة أمام المحاكم الكلية إلى المحكمة الابتدائية الوطنية المختصة، وتحال الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الجزئية الشرعية أو الملية إلى المحاكم الجزئية أو الابتدائية الوطنية المختصة، أى أن الاختصاص الذى ترفع إليه هذه الدعاوى يصير إلى المحاكم الوطنية ابتداء من أول يونيو 1956 (مادة 3).
أما الزاوية الثانية: فتتصل بأحكام نظام المرافعات واختصاصات المحاكم الوطنية، فبالنسبة إلى أ
حكام قانون المرافعات نص القانون على ضرورة اتباع ذات الإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية والوقف التى كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو المجالس الملية عدا الأحوال التى وردت بشأنها قواعد خاصة فى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو للقوانين الأخرى المكملة لها (مادة 5).
وبالنسبة إلى أحكام المنازعات فينص القانون (مادة 6) على أن تصدر الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف التى كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية، طبقا لما هو مقرر فى المادة 280 من ترتيب المحاكم المذكورة، وبالنسبة إلى المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدى الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون، فتصدر الأحكام فى نطاق النظام العام طبقا لشريعتهم، ويفصل القانون هذا الجانب من فض المنازعات والمتعلق بغير المسلمين بقوله: «لا يؤثر فى تطبيق الفقرة الثانية من المادة المتقدمة تغيير الطائفة أو الملة بما يخرج أحد الخصوم عن وحدة طائفية إلى أخرى فى أثناء سير الدعوى، إلا إذا كان التغيير إلى الإسلام، فتطبق الفقرة الأولى من المادة السادسة من هذا القانون (مادة 7).
ويفصل القانون اختصاص المحاكم الجزئية الوطنية بنصه فى (مادة 8) على أن هذه المحاكم تختص بالمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية طبقا لما هو مبين فى لائحة ترتيب المحاكم، عدا دعوى النسب فى غير الوقف والطلاق والخلع والمبادأة والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها المشار إليها فى المادة السادسة من اللائحة، فإنها تكون من اختصاص المحاكم الابتدائية، وتختص المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف وفقا لما هو مبين فى المواد 8، 9، 10 من اللائحة.
الزاوية الثالثة: وتتعلق بأوضاع القضاة والمحامين داخل هذه المحاكم، حيث ينص القانون على أنه ابتداء من يناير 1656 يلحق قضاة المحاكم الشرعية على اختلاف درجاتهم بالمحاكم الوطنية أو نيابات الأحوال الشخصية أو الإدارات الفنية بالوزارة، وذلك بقرار يصدر من وزير العدل، ويصدر قانون خاص بتنظيم شؤون رجال القضاء الشرعى المنقولين إلى المحاكم الوطنية (مادة 9).
أما بالنسبة إلى المحامين فنص على أنه: استثناء من أحكام القانون رقم 98 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية يجوز للمحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الشرعية الحضور فى الدعاوى التى كانت تدخل فى اختصاص تلك المحاكم – أمام المحاكم الوطنية على أن يقتصر حضور كل منهم على الدرجة التى هو مقبول للمرافعة أمامها فى المحاكم الشرعية، وللمحامين المقبولين أمام المحكمة العليا الشرعية المرافعة أمام محكمة النقض أيضا فى الدعاوى المشار إليها، ويصدر قانون خاص بتنظيم قيدهم فى الجدول وحقوقهم وتأديبهم وما إلى ذلك (مادة 10).
ونص القانون على وجود تنفيذ الأحكام الصادرة فى مسائل الأحوال الشخصية، وفقا لما هو مقرر فى لائحة الإجراءات الواجبة اتباعها فى تنفيذ أحكام المحاكم الشرعية فى أبريل 1907 (مادة 12)، كما نص على إلغاء كل التشريعات التى سبقته بخصوص هذا الموضوع (مادة 13) وتنفيذ الوزراء كل فى ما يختصه من هذا القانون (مادة 14).
التبرير الرسمى للقانون: إن تحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية التى عاشتها مصر إبان إصدار هذا القانون، يشير إلى أن صراعا على السلطة كان قد حسم إلى أحد فريقى الثورة بعد ثلاث سنوات من قيامها، وهو الفريق الذى يتزعمه عبد الناصر، وأن صراعا آخر مع قوة سياسية مناوئة هى الإخوان المسلمين قد حسم لصالح نفس الفريق، وأن عملية الجلاء للقوات البريطانية كانت على وشك الانتهاء وإرهاصات المواجهة مع الغرب من خلال الحديث عن صفقة تشيكية للأسلحة وعن احتمالات تأميم شركة قناة السويس، كانت قد بدأت فى الظهور.
وفى ضوء هذه التطورات والأوضاع المتصاعدة أتى القانون السابق ليقدم نفسه كتطور سياسى هام فى سياق الأوضاع المحيطة، حيث عبر عن ثلاثة توجهات وأهداف وطنية تضمنها التفسير الرسمى للقانون فى شكل مذكرة إيضاحية سيقت كمبرر لقانون الإلغاء، وهذه الأهداف هى تأكيد سيادة الدولة الوطنية، ووحدة النظام القانونى الكاملة، وإصلاح الأخطاء والعيوب التى لحقت بنظام القضاء.
(وللحديث بقية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.