لأول مرة أرى التاريخ منبهراً،وهو المعروف عنه إما أن يُلقى بالبعض فى سلة مهملاته،وإما أن يُسّطر البعض الأخر بين سجلاته بأحرف من نور،أما أن ينبهر بأحد فذاك هو الجديد.حقاً لقد إستطاع أقباط مصر،أن يبهروا التاريخ قبل أن يُبهروا العالم بمواقفهم الوطنية المخلصة،والتى سُجّلت فى سجلات الشرف الوطنى بأحرف من ذهب،وإذا أراد القلم أن يُسّطر كل تلك المواقف العظيمة لأقباط مصر عبر التاريخ سواء كانت من بطولات،أوتضحيات كبيرة من أجل هذا الوطن لأصابه الوهن حتماً من كثرتها.حقيقة لقد تملكتنى الحيرة طويلاً،فلم أستطع أن أحدد من أين يمكننى البدء فى الحديث عن هذا التاريخ المشّرف،فسألت الله أن يُعيننى على ذلك حتى أنال شرف الحديث،عن أقباط مصر،وحتى لا يفوتنى شرف التدوين عن ذلك،بين صفحات التاريخ الوطنى. لقد ألهمنى الله سبحانه،وتعالى أن أبدأ بمقولة الغائب الحاضر الأنبا شنوده حينما قال،مصر وطن يعيش فينا،لا وطن نعيش فيه.لقد وضع البابا عنواناً جامعاً موجزاً لأرفع المعانى الوطنية،وقد سجل التاريخ لهذا الرجل العظيم،أنه لم يستخدم مكانته الدولية الرفيعة،لتحقيق أى مكاسب للإقباط على حساب الوطن،كما إنه قد تحمل الكثير من الضغوط من أجل ذلك،لكن الرجل تحمّل،وآبى إلا أن يحقق مصلحة الوطن حتى،ولو كانت على رقاب المسيحيين.
ثم جاء من بعده قداسة البابا تاوضروس الثانى،والذى لا يقل وطنية وإخلاصاً عن الراحل العظيم،لُيكمل مسيرته،وليضيف لمعانى الوفاء،والوحدة الوطنية معانٍ أرفع،وأقيم،والتى ظهرت جلية عندما صرح قداسته حينما بدأت جماعة إخوان صهيون بإحراق الكنائس،والأديرة قائلاً:إذا تم حرق الكنائس،فصنصلى فى المساجد،وإذاماتم حرق المساجد فصيصلى المسلمون فى الكنائس،وإذا ما تم حرق الكنائس،والمساجد فصنصلى مسلمين،ومسيحيين فى شوارع مصر،وحينما كان المسلمون يقفون بصدورهم دروعاً بشرية لحماية الكناس طالبهم بالإنصراف خشية عليهم،وقال إن حرق الكنائس أهون من جرح مسلم.فحقاً ما أعظم هذا الرجل،لقد أغلق قداسته الباب فى وجه كل خائن غادر،يحاول أن يثير الفتنة بين قطبى الوطن،وصفع كل من يسعى لشق وحدة الصف فى ربوع البلاد.لذا فكل كلمات التحية،والتقدير لا تفى بحق ذلك الرجل الوطنى المخلص الذى سكن قلوب المصريين من أول وهلة.قداسة البابا أنت فخر لكل مصرى،متّعك الله بالصحة،والعافية،وأبقاك لمصر،وشعبها.
وتتوالى عظمة قبط مصر فى العديد من المشاهد يأتى على رأسها إنطلاق أجراس الكنائس مع آذان المغرب فى شهر رمضان الماضى،فكان ذلك أبلغ دليل على وحدة المصريين التى لا يوجد مثيل لها فى العالم،وعندما بدأ إخوان صهيون بحرق الكنائس،والأديرة توقع حلفاء الشر،أن يخرج المسيحيون بمظاهرات غضب عارمة فيستغل المتربصون ذلك لإثارة المزيد من القلائل،وتنقسم مصر على نفسها فينفرط عِقد الأمة،وتحقق أهدافهم الدنيئة،لكن بفضل الله لم يحدث شيء من ذلك،وكانت فطنة المسيحيين،هى الصفعة الموجعة لحلفاء الشر،وكانت الصفعة الكبرى حينما رفض الأقباط فى مؤتمر أقباط مصر،أى تدخل فى الشأن المصرى بزعم حماية الأقباط.هذا قليل،من كثير قدمه الأقباط لوطنهم.