أن تلجأ الحكومة للاستدانة المحلية أو العالمية فهذه ليست مشكلة.. لأن كل دول العالم مديونة لكن السؤال هو.. هل استنفدت الحكومة كل وسائلها لتغطية عجز الموازنة.. وبعد أن أعيتها الحيل لجأت إلي الدين الخارجي؟.. لا أظن ذلك نعرف أن الحكومة لديها عجز كبير في موازنتها القادمة مقداره 110مليارات جنيه، كما أنه في تزايد مستمر.. واعتادت الحكومة لسداد هذا العجز علي طريقة واحدة وهي الاقتراض الداخلي أو الخارجي.. وفي السنوات الأخيرة اتجهت إلي الاقتراض الداخلي والذي بلغ 550 مليار جنيه.. ولم تجتهد في البحث عن بدائل أخري لتغطية عجز الموازنة الدائم بعيدًا عن الاقتراض. ومع تعاظم الدين المحلي والرغبة في الحفاظ علي معدلات سيولة مرتفعة في البنوك والأسواق.. لجأت الحكومة إلي الاقتراض الخارجي.. عندما طرحت مؤخرًا سندات دولية قيمتها مليار ونصف المليار دولار.. وعندما تمت تغطيتها أكثر من مرة.. أي كان هناك أكثر من مؤسسة دولية ترغب في إقراض مصر.. مما يعني قوة الاقتصاد المصري.. خرج وزير المالية فخورًا بذلك.. رغم معرفته أن الدين الخارجي ضد مصالح الأجيال القادمة لأنه سيحرمهم من فرص النمو.. عندما يتم اقتطاع جزء من الميزانية لسداد أقساط الديون والفوائد بدلاً من توجيه هذه الأموال لإقامة مدارس أو مستشفيات أو زيادة الرواتب.. وعندما يري وزير المالية أن هذه السندات سيتم سدادها علي ثلاثين عاما.. فهذا ليس مثارًا للفخر بل يعني ترحيل المشكلة مدة أطول تتحملها الأجيال القادمة. والسندات الدولارية التي طرحتها الحكومة مؤخرًا تبلغ قيمتها ثمانية مليار جنيه وهو مبلغ بسيط مقارنة بالناتج القومي وكذلك بعجز الموازنة الكبير.. فكيف عجزت الحكومة عن تدبير هذا المبلغ (التافه) من الداخل بدلا من التورط في الاقتراض الخارجي؟ كان أمام الحكومة أكثر من بديل داخلي لتدبير مبلغ الثمانية مليار جنيه .. منها مثلا خفض النفقات العامة داخل الموازنة كإلغاء بند شراء السيارات الفاخرة وتجديد مكاتب المسئولين.. وكذلك رفع أسعار الغاز الذي نصدره إلي إسبانيا وإسرائيل.. بدلا من بيعه بسعر التكلفة كما هو الحال الآن.. فلماذا لا ترفع أسعار الغاز لتسد جزءًا من عجز الموازنة وتبتعد عن الاستدانة الخارجية.. ولماذا لا ترفع الحد الأقصي للضريبة علي الأرباح إلي 30% مثلا بدلا من ال 20% الحالية.. أو كما تفعل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة.. حيث تزيد الضريبة هناك كلما زادت الأرباح. وإذا وجدت الحكومة صعوبة في الأخذ بأي من البدائل السابقة.. فإن الصناديق الخاصة هي الحل.. وهي موجودة في المحليات وبعض الوزارات والهيئات الحكومية، خاصة أنها بعيدة عن الموازنة العامة ولا تخضع لرقابة مجلس الشعب أو المركزي للمحاسبات.. وقد بلغت أرصدتها العام الماضي 1272مليار جنيه أي ما يوازي أربعة أضعاف الموازنة العامة للدولة.. لكنه مال بلا صاحب أو مراقبة ومتروك للوزير أو المحافظ أو رئيس الهيئة أن يتصرف فيه كيفما يشاء.. فهل يعقل أن تترك الحكومة 1272 مليار جنيه للفساد والإفساد ثم تقترض من الخارج 8 مليارات جنيه.. وتُعَّرض مستقبل الأجيال القادمة للخطر.. لماذا لا تضع الحكومة يدها علي هذه الصناديق لتسد عجز الموازنة والدين المحلي؟ من يوقف هذا التفكير السفيه؟!