تواصل واشنطن اتصالاتها ومشاوراتها مع مسؤولين مصريين ومسؤولين فى المنطقة، من أجل اجتياز المرحلة الحرجة التى تمر بها مصر. وواشنطن ما زالت قلقة للغاية وتتابع عن كثب وباهتمام ما يجرى فى بر مصر، وهذا القلق (لمن يعنيه الأمر) ليس سببه فقط ما حدث يوم 3 يوليو، ولكن ما قد يحدث فى الأيام المقبلة سواء على مستوى أولى الأمر وأصحاب القرار أو فى المشهد المصرى بشكل عام. كما أن التذكير والتنبيه بتفادى العنف وضرورة الانخراط فى العملية السياسية و«لم الشمل» يتكرر فى مضمون الاتصالات المكثفة التى تجريها واشنطن. وبالطبع الإسراع بمساعدة مصرفى مواجهة أزماتها الاقتصادية والمالية لم يغب من حديث أصحاب القرار فى العاصمة مع المهتمين بالشأن المصرى. والصحف الأمريكية الكبرى تساءلت أمس فى تقارير إخبارية مطولة من القاهرة عن مصير قيادات الإخوان ومستقبل الجماعة فى المرحلة القادمة، و«كيف سيتحركون فى الأيام والأسابيع المقبلة؟ وكيف سيتعامل معها النظام الجديد؟». وبينما كانت أمريكا تحتفل بعيد استقلالها (4 يوليو) وهو يوم إجازة رسمية التقى الرئيس أوباما مع أعضاء من فريق الأمن القومى فى البيت الأبيض لمتابعة الأوضاع فى مصر. وشارك جون كيرى وزير الخارجية فى الاجتماع عبر الهاتف. وحسب وصف مصادر رسمية أمريكية فإن أعضاء فريق الأمن القومى على اتصال مع مسؤولين مصريين وشركاء فى المنطقة من أجل نقل رسالة تذكر وتشدد على «أهمية العودة السريعة والمسؤولة لتسليم السلطة الكاملة لحكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا فى أقرب فرصة ممكنة»، وأيضا تشمل الرسالة ومضمون الاتصالات أن تكون العملية الانتقالية «شفافة وتشمل الكل من الأحزاب والجماعات، وأن يتم تفادى أى اعتقالات تعسفية للرئيس مرسى ومؤيديه». إضافة إلى «مسؤولية كل الجماعات والأحزاب فى نبذ العنف».
وواصلت الإدارة اتصالاتها الهاتفية يوم الخميس مع مسؤولين دوليين. إذ اتصل جون كيرى، وزير الخارجية، بنظيره المصرى محمد كامل عمرو وأيضا بالدكتور محمد البرادعى. كما اتصل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزراء خارجية كل من النرويج وتركيا وقطر والإمارات. واتصل تشاك هيجل وزير الدفاع بنظيره المصرى السيسى وأيضا نظيره الإسرائيلى يعالون. وتضمن الاتصالات أيضا مكالمة تليفونية لسوزان رايس مستشار الرئيس للأمن القومى الأمريكى مع نظيرها الإسرائيلى آميدور. ومكالمة من أنتونى بلينكن، نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى، مع اللواء العصار نائب وزير الدفاع المصرى.
ولم يتوقف الجدل السياسى والإعلامى حول توصيف ما حدث فى مصر بأنه «انقلاب». وقد امتنعت الإدارة عن وصف ما حدث بأنه انقلاب. الرئيس أوباما فى بيانه تحديدا لم يستخدم هذا التعريف. وقد حاول الصحفيون فى الموجز الصحفى اليومى للخارجية الأمريكية الأربعاء أن يدفعوا بالمتحدثة باسمها جين ساكى أن تقول «ولو كزلة لسان» بأنه «انقلاب»، كما أنها قاومت وبشدة تصنيف أو تعريف ما يحدث بشكل عام. وبما أن الجدل بشكل عام مرتبط بإمكانية قطع المساعدات العسكرية لمصر، حسب التشريع الأمريكى، فإن الحديث عن هذا لن يتوقف لفترة، خصوصا أن الكونجرس عائد للانعقاد خلال أيام والأوضاع فى مصر تشغل بال الجميع. ويستبعد عديد من المراقبين أن يتعرض البيت الأبيض لضغوط من الكونجرس لقطع المعونة العسكرية لمصر.
وعلى الرغم مما قاله السناتور الديمقراطى باتريك ليهى رئيس اللجنة الفرعية للمساعدات الخارجية بأنه ينوى مراجعة الملف، إلا أن قيادات بالكونجرس من الحزبين (كما نقل عنهم) ليست لديهم «شهية» أو «رغبة» فى فعل ذلك، خصوصا أن الإخوان لم تكن وليست «المفضلة لديهم فى واشنطن». وقد نقل عن السناتور الجمهورى بوب كورجر القيادى فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ «إن تعاوننا الممتد مع مصر والذى يعد ضروريا لاستقرار المنطقة يجب أن يظل أولوية». أما «واشنطن بوست» وفى ثالث افتتاحية لها تتعرض لمصر خلال أسبوع واحد طالبت بتعليق المساعدات لمصر. وقالت الصحيفة إن إدارة أوباما يجب أن توضح للنظام الجديد فى مصر الذى يدعمه الجيش بأن المساعدات سوف يتم إعادتها فقط إذا تم تحقيق انتقال ديمقراطى حقيقى فى الشهور المقبلة. وهذا يعنى (حسب افتتاحية الصحيفة) «التسامح وقبول وجود كل القوى السياسية السلمية ومنها (الإخوان المسلمون) وقادتها ومنهم مرسى يجب الإفراج عنهم فورا. كما يعنى قبول حرية التجمع وحرية الصحافة ومنها الفضائيات الإسلامية التى تم إغلاقها. وأن أى تغيير فى الدستور يجب أن يكون نتيجة توافق ما بين كل القوى السياسية دون إملاءات من الجيش. ويجب أن يكون هناك جدول زمنى محدد وقصير المدى لانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة». وبعد أن حذرت «واشنطن بوست» أن هذا الانقلاب (حسب وصفها) «قد يضمن أن القوى الإسلامية ومنها الأكثر راديكالية تزداد قوة» تقول: «إن الولاياتالمتحدة يجب أن تركز على منع أسوأ التبعات فى شريك عربى حيوى ومنها حرب أهلية أو ديكتاتورية جديدة. وهذا يعنى التخلى عن السلبية واستخدام المساعدات كأداة ضغط للإصرار على الانتقال الديمقراطى». وكانت الصحيفة كانت قد تعرضت قبل أيام لموقف الإدارة من الأزمة فى مصر، مطالبة «أوباما فى حاجة لدعم الديمقراطية ومعارضة انقلاب فى مصر» (2 يوليو) وأيضا «بحثا عن التوافق وليس الفوضى فى مصر» (27 يونيو). فى المقابل نجد مارتن إنديك الدبلوماسى البارز ومن قيادات معهد بروكينجز يذكر أهل واشنطن أن «الوقت عصيب» و«الوضع مضطرب» فى مصر، وأن «الجيش أفضل صديق للولايات المتحدة»، كما أن الإدارة الأمريكية عليها أن تتواصل وتعمل وتتعاون مع جنرالات مصر و«بهدوء»، من أجل اجتياز المرحلة الحالية. وأشار إنديك فى مقال له ب«فورين بوليسى» إلى أن الإدارة فشلت فى الوقوف ضد مرسى عندما استبد مما أقنع المعارضة المدنية بأننا نقف معه فى ركنه... «لقد بدا أننا ننقل دعمنا من فرعون مستبد للفرعون التالى». حديث واشنطن عن مصر كالعادة يأخذ أبعادا عديدة وعميقة ومنها «عزل مرسى وما له من تأثير لدى الإسلاميين من فقد الثقة تجاه الديمقراطية والانتخابات واللجوء من جديد إلى العنف والإرهاب»، و«التحذير مما حدث فى مصر وإمكانية تكرار ما حدث فى الجزائر مع بداية التسعينيات»، و«تداعيات ما يجرى فى مصر على المنطقة وسيناريوهات تفادى الصدمات». كلها ملفات يتم طرحها ومناقشاتها الآن، أملا فى عدم تكرار ما حدث أو لم يحدث مع قدوم «الربيع العربى»!!