بعلامة الجمجمة والعظمتين، كان يجب أن أفتتح هذه الهلوسة، ذلك أن كل المؤشرات تؤكد أن النظام في مصر ضاق ذرعاً بهامش الحرية المتواضع الذي تتحرك داخله الفضائيات الخاصة أو المستقلة، وأن حاخامات الإعلام الرسمي يتدارسون الآن مع ترزية القوانين كيفية استئناس هذه القطط المشاكسة اليوم لا غداً، قبل أن تتعلم الخربشة علي أصولها من المجتمعات الديمقراطية. الوثيقة التي يعكفون علي طبخها في جنح الظلام تعتبر أن من بين الجرائم الشنيعة التي تعطي الحق في وقف بث القناة أو إغلاق مكاتبها ما أطلقوا عليه: الإساءة إلي الرموز، من يقصدون يا هل تري أقطاب الفكر أو الإبداع أو البحث العلمي؟ لا أظن، فهؤلاء جميعاً لا يعنون شيئاً بالنسبة لحاخامات الإعلام الرسمي أو ترزية القوانين، فضلا عن أن ثقافة معظمهم لا تسمح بإدراك الدور الرائد الذي لعبوه في تحرير الوطن أو تحديثه أو الكفاح من أجل مجتمع أقل ظلماً أو شقاء، ولا أقول أكثر عدلاً أو سعادة، هل يقصدون القضاة التاريخيين العظام الذين دافعوا عن العدالة حتي النفس الأخير؟ قطعا لا، ما الحكمة إذن من كل هذا اللف والدوران؟ لماذا لا يعلنونها هكذا علي بلاطة؟ المفهوم الوحيد الذي يمكن أن يستوعبه حاخامات الإعلام الرسمي أو ترزية القوانين لهذه الكلمة هو الحكام، «الرموز» هو الاسم المستعار الجديد الذي تفتق عنه ذهنهم لوصف أصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء، فهل لنا أن نعرف لأي شيء بالضبط يرمزون؟ ثم، ألم يكن الخديو توفيق والسلطان حسين والملك فاروق يوما هم الرموز؟ بالطبع يظل خارج اللعبة أشخاص من عينة الطهطاوي أو النديم أو الكواكبي أو لطفي السيد أو طه حسين أو علي عبد الرازق أو بيرم التونسي أو جمال حمدان، فهؤلاء جميعا متهمون، كل في عصره، بالإساءة إلي الرموز. وعلي ذكر «الرموز» فأنا أدعوها لأن تعقد - بربطة المعلم - اجتماع قمة عاجلاً، ليته يكون الأخير، لتتخذ قراراً تاريخياً بإلغاء وزارات الإعلام التي لا عمل لها في الحقيقة سوي قمع الحريات، إلي درجة أنها صارت مجرد إدارة ملحقة بمباحث أمن الدولة، خاصة بعدما اختفت مثيلاتها تماما من علي خريطة الدول حتي نصف الديمقراطية، وحبذا لو اتخذ السادة الرموز - بربطة المعلم - قراراً تاريخياً آخر بالرحيل.