إن مستقبل النظم الشمولية جميعاً مستقبل مظلم سواء استمروا في الحكم أم تركوه أم أكرهوا علي تركه. والنظام القائم في مصر نظام مبارك لا أقول النظام المصري، نظام لن يشذ عن هذه القاعدة لأسباب عديدة منها: أنه نظام مهترئ فقد كل مبررات بقائه في الحكم حتي الدعم الأمريكي رغم التنازلات العديدة التي أرغم عليها، ولا أزعم هنا أن الدعم الأمريكي يمكن أن يطيل عمر الأنظمة إذا حان أجلها أو أنه ينفخ الحياة في الموتي، ولكنه لا شك عنصر مساعد وعنصر انتهازي كذلك، فليدرك الجميع ذلك وليحذروه عند التفاهم والحوار والتعاون أو رفض التعاون. إنه نظام فاسد فقد دعم الشعب، واحترامه وليس المعارضة فقط كما تزعم أجهزة النظام، ولذلك قامت الجماهير بقيادة حركة كفاية تارة وقيادة الإخوان المسلمين تارة أخري، بالتظاهر والتعبير عن سخطهم من هذا النظام وضده. وعندما أقول الجماهير فإن ذلك يعني أن كل من يندرج في المظاهرات أو تعضيد حركات التغيير والإصلاح ليس بالضرورة أن يكون عضوا في هاتين الحركتين الكبيرتين أوفي أيهما. إن تيار المعارضة المنظم يزداد يوما بعد يوم، ويأكل مساحة جيدة من الأرض التي يقف عليها النظام ولم تعد له بأرض راسخة أو قوية بل إنها تهتز تحت أقدامه وتحت أقدام أعوانه. إن الجماهير التي خرجت إلي الشوارع وجموع الطلبة من الشباب والفتيات في الجامعات وخارجها تعبر عن سخطها لم تخرج لفساد في جانب واحد ولكتها خرجت لأن الفساد رائحته تزكم الأنوف وهو فساد متشعب سياسي واقتصادي واجتماعي يقتل.فيه القائل أحد أقربائه بسبب مبلغ تافه لا يتعدي عشرة جنيهات. بلغ الفساد حدا غير مسبوق من أيام الفراعنة. أن هذا النظام استطاع بفساده أن يكو له حسنة واحدة هي تجميع الإسلاميين مع العلمانيين والليبراليين والقوميين وغيرهم ، لقيادة الشعب للوقوف في وجه النظام دون انشغال بمن يحكم وكيف يحكم عند زوال النظام إذ أن ذلك الأمر يجب أن يكون وفق إرادة الشعب وغالبية الشعب تحب الإسلام وتفضل الإسلام دون عنف أو تدمير. إن هذا التضامن الجماهيري يفكرنا بحركة التضامن في بولندا في أوائل التسعينات عندما أدرك "ليخ فاليسا" أن السوفيت قد انحشروا في أفغانستان ولن يخرجوا سالمين، ومن ثم حكم "ليخ فاليسا" بولندا في التسعينات لهذا الإدراك والحركة الصحية نحو المستقبل، ونظام مبارك محشور بين جوانب الفساد والمعارضة. إنني أبشر المصريين والعرب بأن المستقبل المنشود الصحيح في مصر قادم قريبا بإذن الله تعالي ثم بفضل الحركة في الاتجاه الصحيح، وسيتحول رجال الأمن في مصر يوما ما إلي متظاهرين أو حماة للحق والمعارضة عندما يؤول الحكم إليها، ولا ينبغي أن ينسي الشعب المصري أحداث فندق الهرم وانتفاضة رجال الأمن المركزي والانتفاضة التي أطلق عليها السادات انتفاضة الحرامية ظلما وعدوانا. إن الانتفاضة القائمة ليست انتفاضة حرامية ولكنها انتفاضة شعبية عارمة دعمها القضاة بموقفهم العظيم وإعلانهم عدم مساندة التزوير والظلم في الانتخابات لأنه جريمة. الانتفاضة الحالية لا تقوم علي المطالبة بالخبز وإن كان ضرورة للحياة، ولكنها تطالب بالإصلاح والتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والتقني. وهذا الإصلاح المنشود يعجز النظام بعد أن هرم وحكم دام 24 سنة أن يقوم به، ففاقد الشيء لا يعطيه ومن يعجز عن الإصلاح في صدر حياته مع القوة والعزم والإصلاح لن يستطيعه مع الهرم والعجز وكثرة الطامعين والراغبين والورثة غير الشرعيين للحكم. إن مطالبة مبارك بتعديل المادة 76 من الدستور كلمة حق أريد بها باطل، ودليل قاطع علي أن البرلمان (مجلسي الشعب والشوري) لا يفكر بل ينتظر الأوامر من سيادة الرئيس ومن كان الرئيس وحده دليله بعيدا عن الشوري والإبداع والاجتهاد والاستفادة من الطاقات جميعا بما في ذلك ما لدي المعارضة كان الفساد أقرب إليه من حبل الوريد، وكان الظلم سبيله إلي الحكم وكان الكبر من أخلاقه، وكان الاستبداد هو الضوء الذي يسير فيه. لماذا لا يكون ذلك وفق الدستور؟ ولماذا يكون منة من الحاكم؟ إنني أعتقد أن مبارك قد ضاق ذرعا بالحكم القائم من فوق عرشه، وضاق ذرعا بالدمي التي تتحرك وتتكلم بما يريد، ضاق ذرعا بالبرلمان الذي غرق نوما في العسل لا يتحرك إلا بأوامر ولا يفكر في المستقبل إلا إذا كان في خدمة المصالح الشخصية. إن المستقبل في مصر سيكون بمشيئة الله تعالي للحرية وهي قيمة من قيم النظم الديمقراطية، وسيكون منطلقا لطاقات وإبداعات الشعب المصري والشعب العربي وستكون فيه الحريات وحقوق الإنسان بإذن الله تعالي مبادئ قويمة وقيماً راسخة عظيمة، وحقوقا للشعب وليست منة من الحاكم، مرة أخري. سواء جاء الإسلاميون أو جاء الليبراليون للحكم بعد التصحيح، فنحن سنكون في خدمتهم ومساعدتهم طالما احترموا إرادة الشعب وكرامته، ولن يسمح الشعب مرة أخري للحكام من الإسلاميين أو غيرهم بأن يستبعدوه أو يقيدوا حريته أو يفرضوا عليه مالا يريده. وما حدث في إيرانوأفغانستان وغيرها من البلاد ليس عنا ببعيد ناهيك عن بعض بلدان أوروبا الشرقية مثل رومانيا وغيرها،ولا نريد مصر أن تتحول إلي غابة مثل العراق. وسنري قريبا سجناء الرأي طلقاء، وقد نري بعضهم في مقاعد الحكم في خدمة هذا الشعب العظيم. إن المستقبل في تراثنا وعقيدتنا يختلف عن المستقبل في المفهوم الغربي والحضارات الغربية لأنه يقوم علي التقوي والخوف من الله تعالي ومن محارمه، فهو مستقبل أقرب إلي العدل وأبعد عن الظلم، أقرب إلي الحريات الحقيقية وأبعد ما يمكن عن الاستبداد، مستقبل يتجه إلي التنمية والتعمير والاعمار بعيدا عن التخلف وقتل الطاقات والتدمير. مستقبل يقوم في ضوء قوله تعالي "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله" فهو مستقبل ينظر إلي الغد المشرق ويتجاوز الدنيا كلها إلي الآخرة برحابتها وسعتها. مستقبل يحترم الإنسان" ولقد كرمنا بني آدم" مستقبل مفتوح أمام الناس جميعا بالعدل والمساواة. مستقبل مفتوح للتعاون علي البر والتقوي. مستقبل مغلق أمام الإثم والعدوان، والتخلف ودواعيه. مستقبل يدعو إلي التحرير والتحرر من السيطرة الأجنبية والضغوط الأجنبية لنا ولغيرنا. مستقبل يتطلع إلي الفضاء بعد أن ينتهي من تحرير الأرض.