عندما خطت قدماي معهد الكبد القومي بشبين الكوم كانت أول مرة أدخل فيها ذلك المكان، والسبب زيارة أحد أقربائي الذي كان علي الفور قد انتقل منذ ساعات قليلة إلي هذا المعهد، وعندما سألت عنه أكدوا لي أنه في الاستقبال، وبحثت عن الاستقبال وسط أعداد كبيرة من المرضي وذويهم، وكانت النظرة فقط إلي المرضي تشعرك بالحسرة علي هذا المرض اللعين الذي افترس المصريين وبخاصة الغلابة منهم، فلاحظت أن كبار السن كثيرون، ولكن الأغرب أنني اكتشفت أن الفئة العمرية من30 - 40 سنة أكثر، واندهشت لأن تلك الفئة العمرية تمثل مرحلة العمل والإنتاج، وبعد وصولي إلي قسم الاستقبال فوجئت بأنه أكثر من 6 سراير فقط، وكان من المدهش أن أعلم أن قسم الاستقبال يستقبل من 50 -100 حالة يومية، وازديادًا لدهشتي لاحظت أن كل المرضي الستة الموجودين داخل هذا القسم في حالة سيئة للغاية، بمن فيهم الرجل الذي ذهبت لزيارته، وشرح لي الدكتور أن كل من يدخل قسم الاستقبال في الغالب يكون في غيبوبة كبدية والتهاب بريتوني وقئ دموي، وعندما اندهشت وسألت: لماذا يدخل المرضي قسم الاستقبال وهم في حالة سيئة لهذه الدرجة؟! كانت المعلومات التي خرجت من الدكتور تؤكد أننا أمام كارثة إنسانية لا يمكن لأحد أن ينكرها، ولابد أن تنظر مصر ليست حكومة فقط ولكن حكومة وشعبًا إلي تلك المأساة لتعمل علي حلها، فماذا قال الدكتور؟ قال: إن الفيروس «س» هو المشكلة الصحية الأولي في مصر ويصيب من 25% - 35% من عدد السكان، وإن مرحلة العلاج تمتد من 6 شهور حتي سنة، ويتكلف المريض ما يقرب من 50 - 60 ألف جنيه في السنة، وأكد أن علاج الإنترفيرون يكلف ميزانية الدولة 4 مليارات جنيه والحقنة المستوردة يصل ثمنها إلي 1400 جنيه، وعندما سألته: كيف يعالج الغلابة في بلدنا؟ قال لي: بالتأمين الصحي أو علي نفقة الدولة أو لحساب شركات أو علي حساب الأغنياء، وعندما سألته: هل يخدم معهد الكبد بشبين الكوم محافظة المنوفية فقط؟، أكد الرجل لي أن معهد الكبد القومي بشبين الكوم يخدم أبناء جمهورية مصر العربية جميعًا وبه مرضي من جميع المحافظات، وأنشأه الدكتور العبقري «ياسين عبد الغفار» أستاذ الكبد العالمي سنة 86، ويقدم أبحاثًا وخدمات علاجية لعلاج أمراض الكبد بمستوي عالمي مشهود له، وازداد اندهاشي من المعلومات وتساءلت: كم عدد الأسرّة الحالية التي تخدم المرضي من جميع المحافظات؟ وأكد لي أنها تصل إلي 130 سريرًا، فصعقت، كيف لمعهد منفرد ومتفرد في ذلك المرض اللعين ويخدم الجمهورية وعدد الأسرة فيه لا يتجاوز 130 سريرًا؟!، فأكد لي الدكتور أن نسبة الإشغال 100% ويستقبل مرضي من 300 - 350 مريضًا يوميًا، ومن أجل ذلك فهو يستقبل المرضي في حالاتهم النهائية، أي علي وشك النهاية ومصابين بقيء دموي وغيبوبة كبدية، ومن الغريب والعجيب ما أكده الرجل أن العمليات تتم داخل ذلك المعهد من 50 -100 عملية في الشهر، بل إن هناك عمليات زرع كبد بين 3-4 حالات شهرية، والأغرب أن المعهد يستقبل من البلاد العربية أيضا مرضي، وعندما تساءلت في دهشة: لماذا هذا الزحام الشديد في الخارج وكيف يمكن أن يتصور أحد أن قسم الاستقبال 6 أسرة فقط؟! بأي عقل وبأي منطق مركز طبي كبير مثل معهد الكبد القومي يكون قسم الاستقبال به محدودًا للغاية؟!، أكد الرجل أن جزءًا كبيرًا من مشكلة معهد الكبد بالمنوفية هو أنه لا يسع لاستقبال مرضي بأعداد كبيرة، لذلك تجد قسم الاستقبال صغيرًا والمرضي الذين ينجحون في الحصول علي العلاج داخل المعهد قليلون، لأنه - بالعربي - لا يوجد مكان، بجانب أن مصر مشغولة عن المعهد بأشياء أخري!.. ما يحدث لمعهد الكبد بشبين الكوم يحتاج وقفة منا جميعًا، لذلك لا يمكن أن يكون هذا المقال كافيًا لشرح أبعاد ما يحدث للغلابة من أصحاب هذا المرض اللعين مع هذا المعهد، فهو بداية لمقالات أخري سنشرح فيها بالتفصيل ما يواجه هذا المعهد من مشاكل متعددة، وأدعو كل من يملك ضميرًا في هذا البلد من سياسيين وبرلمانيين وإعلاميين وفنانين أن يتحدوا معنا لنقدم شيئًا إلي هذا المعهد.. وإلي لقاء قادم نستكمل فيه قصة مأساة معهد الكبد القومي بشبين الكوم.