في مقال الأسبوع الماضي ضربت أمثلة عن ابتكار القوي السياسية المعارضة لوسائل التواصل المستمر والمؤثر مع الجماهير، سواء في الدول الغربية أو الدول العربية أو الآسيوية.. وبدا واضحا أن تلك القوي السياسية المعارضة واجهت بطش وحصار أنظمة الحكم الفردية لشعوبها باللجوء إلي كل جديد في تكنولوجيا الاتصال لكسر الحصار الحديدي الذي تفرضه أنظمة الحكم. وفي الحالة المصرية نحتاج إلي رؤية موضوعية للواقع الذي فرضه نظام الحكم بقوة القمع والحصار الصارم الذي يمنع أي تواصل حقيقي ومؤثر بين القوي السياسية المعارضة والجماهير العريضة. 1- بدأ عهد الرئيس السادات بالسماح لبعض القوي السياسية بالتواصل مع الجماهير بقصد تمكين هذه القوي «الإخوان المسلمين»، من التصدي لقوي سياسية أخري علي الساحة «الناصريين واليساريين»، ثم لم يلبث السادات أن استشعر خطر تواصل القوي السياسية المعارضة - حتي وإن هادنته - مع الجماهير وكان الانقلاب العنيف علي مناخ الحرية النسبي الذي سمح بهذا التواصل وعادت القبضة الحديدية لنظام الحكم الفردي لتقطع هذا التواصل وتوقفه. 2- في بدايات عهد الرئيس حسني مبارك أدرك خطورة مناخ القهر القاسي فأطلق بعض الحريات النسبية وخفف من القبضة الحديدية التي تمنع القوي السياسية من التواصل مع الجماهير.. ولم تستمر هذه الانفراجة طويلا فقد بدأت قوي الضغط التي أمسكت بمفاصل السلطة في التحريض علي إعادة القبضة الحديدية من جديد. 3- مع ظهور الفضائيات بدأت بعض هذه الفضائيات في فتح طريق تتواصل من خلاله رموز قوي المعارضة السياسية مع الجماهير.. واستهان نظام الحكم أول الأمر بحركات الاحتجاج التي بدأت تظهر في الشوارع وتجذب بعض الجماهير وتقودها شخصيات من النخب الثقافية من قوي المعارضة السياسية داخل وخارج الأحزاب. 4- مع تراكم تأثير هذه الحركات الاحتجاجية وتكاثر الفضائيات التي تمنح قوي المعارضة السياسية نوافذ للتواصل مع الجماهير أدرك نظام الحكم أن استمرار هذا التواصل عبر الفضائيات يتطور بدرجة يمكن أن تؤدي إلي انتقال حركات الاحتجاج الجماهيري من حالة الاحتجاج لتحقيق مطالب فئوية ضيقة إلي حالة التحرك لتحقيق مطالب سياسية بدا أنها تتمحور حول المطالبة بتغيير حقيقي يضع مصر علي طريق ديمقراطية حقيقية. 5- هنا استشعر النظام خطرا يلوح في الأفق.. فبادر بتحرك سريع لإغلاق هذا الطريق الذي سمح لقوي المعارضة السياسية بالتواصل مع الجماهير وكلنا شاهد التحرك المحموم للنظام لتمرير «وثيقة تنظيم البث الفضائي» لتصبح وثيقة عربية، ورغم فشل هذه المحاولة فقد نجح النظام في مصر في «تخويف» الكثير من الفضائيات وتم بالفعل إغلاق الكثير من «المعابر» التي كانت تسمح لقوي المعارضة السياسية بالتواصل اليومي والمؤثر مع الجماهير. 6- يتحرك نظام الحكم في هذه الفترة بالغة الحساسية «من الآن حتي الانتخابات الرئاسية»، ليضمن الإغلاق التام لأي طريق تفتحه الفضائيات ويسمح لقوي المعارضة بالتواصل مع الجماهير.. وزاد من قلق النظام ظهور بوادر تحالف يضم عددا لا بأس به من قوي المعارضة السياسية التي قررت أن توحد جهودها في اتجاه واحد هو ضرورة تغيير الأوضاع الحالية ووضع مصر علي طريق حكم ديمقراطي حقيقي. 7- وفي ظل قبضة أمنية باطشة تمنع التواصل عبر الطرق التقليدية كعقد المهرجانات السياسية والندوات وتنظيم المسيرات السلمية ولقاءات القيادات المعارضة بالجماهير في مختلف المحافظات.. في ظل هذه الأوضاع يصبح الحل الوحيد والممكن هو امتلاك هذه القوي المعارضة لفضائية تكون وسيلتها المؤثرة لتواصل دائم ومستمر مع الجماهير. 8- أعرف أن الكثيرين يتشككون في إمكانية امتلاك هذه الوسيلة ويتحدثون عن تكاليف مالية باهظة، وعن قدرة نظام الحكم علي «منع» بث هذه الفضائية ومطاردة من يعمل بها. 9- وهنا أؤكد.. أن الدراسات ترد علي هذه الشكوك جميعها، فالتكلفة المالية لا تتجاوز تكاليف إصدار صحيفة يومية.. وأما عن منع البث فهذا وهم انتهي زمنه فلم تعد هناك قوة تستطيع أن تمنع بثاً فضائياً من الوصول إلي الجماهير في أي مكان.. ومن أي مكان تم إطلاق هذا البث.. والتطور التكنولوجي المتسارع في عالم الاتصالات حسم الموقف تماما لصالح البث الحر الذي ينطلق من أي مكان ليصل إلي كل بقعة علي الأرض.. كما أن الجماهير - حتي أكثرها فقرا - تملك الغالبية العظمي منها وسائل التقاط البث الفضائي بكل اليسر. هذا هو طريق القوي السياسية المعارضة للتواصل المستمر والمؤثر مع الجماهير فهل تفكير هذه القوي جديا في استخدام مستحدثات العصر هذه لتتمكن فعلا من التواصل مع الجماهير العريضة؟ أم أنها سوف تستسلم للحصار الذي سيزداد قسوة خلال الفترة الحساسة المقبلة؟!