أسأل المتدربين دائماً في أي دورة تدريبية عن توقعاتهم من التدريب؛ فيجيب معظهم: اكتساب طاقة حماسية تقودنا للنجاح. وأتفق معهم؛ فالحماس هو وقود النجاح الحقيقي، وأتحفظ: حضور الدورات فقط لن يصنع الحماس الكافي لرحلة النجاح. ولنتذكر جميعاً وفي كل الأعمار أن الحماس هو الصديق الدائم لكل ما يسعدنا في الحياة؛ بدءاً من النجاح في الدراسة أو العمل أو النزهة..
فمن منا خطّط لرحلة طويلة دون حماس لها، ومن منا تنفّس السعادة وهو غير متحمس لما يفعله..
الشمعة والموت الحماس مثل النور، قد يكون لدى البعض شمعة يسهل إطفاؤها من أي ريح عابرة أو أي طفل صغير، أي يمكن لأي مشكلة أو أزمة القضاء على الحماس وتحويله لرماد وإحباط مزمن يقود صاحبه للتعاسة والموت، وإن ظل على قيد الحياة..
وهناك حماس مثل كشاف الإضاءة الذي ينتهي بعد بضعة ساعات؛ فتجد من يكتفي بقدرٍ ما من النجاح ويقنع نفسه أن هذا أفضل ما يمكن، ويسمح للنور بالتلاشي بداخله تدريجياً؛ فلا يحسّ بالظلام؛ لأنه حدث ببطء فاعتادت عيناه عليه، وقَبِل عقله وقلبه بالقدر القليل من النجاح وحرم نفسه من الاستمتاع بمضاعفة النجاح، وقبل بالفتات..
مفيد ولكن وقد يكون الحماس مثل مولّد الكهرباء الخارجي الذي نلجأ إليه عند انقطاع التيار الكهربائي، وهو مفيد بالطبع؛ إلا أننا لا نستطيع الاعتماد عليه دائماً، ولابد من تذكّر ذلك..
وقد يكون في صورة حضور دورة تدريبية، أو قراءة ما يجدد رغبتنا في النجاح، أو كما أخبرني شاب أنه كلما شعر بالنقص في حماسه في العمل سارع بالجلوس مع مديره الناجح ليقتبس من نوره.
أو كما أفعل أنا بقراءة أهدافي في الحياة لأطرد ما تعلق في عقلي وقلبي -أولاً بأول- من غبارات وغباوات الحياة التي تحاصرنا جميعاً..
متعة إعجاب الآخرين ويحصل البعض على الحماس من تشجيع الآخرين له؛ فيشعر بالفرح بإعجابهم، ويسعى ليفوز بالمزيد منه ولا أحد يمكنه إنكار متعة إعجاب الناس بنجاحه.
ولكن هناك خطورة من التركيز على الحصول على الإعجاب حتى لا يشعر بالإحباط؛ فعادة ما يعتاد من يشاركوننا الحياة على نجاحاتنا؛ فنتعرض للإحباط؛ بل وللألم النفسي عند تناقص إعجابهم بإنجازاتنا؛ مما يسمح لإبليس اللعين بإفساد علاقتنا بهم وقد نتهمهم بالغيرة.
فلنكن قوى عظمى ونتناسى أن الآخرين لديهم ما يشغلهم، وأننا لن نكون محوراً لحياتهم أو لأحاديثهم مهما نجحنا، وأن نجاحنا أمر يخصنا أولاً، ومن الذكاء أن نسعى لنكون مثل القوى العظمى؛ حيث تمتلك ما يكفيها ويغنيها عن الاحتياج للآخرين، وهذا لا يمنعها بالطبع من مضاعفة ما تملك بالطبع.
وأتذكر شاباً حقق المركز الأول في دراسته، وأسرع لوالده ليزف إليه الخبر، وهو يتوقع احتفالات رائعة؛ فإذا بوالده يرد (بلامبالاة) وهل كنت تتوقع ألا تحصل عليه؟ وسألته: وكيف تصرفت؟ رد: تضايقت لبعض الوقت، ثم قررت الاحتفال بتفوقي لأنني المستفيد منه.
شطّور وأمور وأتألم؛ فالكثيرون يتراجع حماسهم لصنع نجاحهم لتناقص المشجعين، وأتذكر ما قالته مدرّسة في رياض الأطفال أن طفلاً صغيراً كلما كتب كلمة سارع بالذهاب إليها قائلاً: أنا شطور وأمور ويطالبها بالتصفيق.
بينما باقي الأطفال يصبرون ليحصلوا على التقدير عند انتهائها من التصحيح وإعلان النتائج النهائية.
وعلينا الاختيار بين الطفل المتعطش للتصفيق، والأذكياء الذين يركّزون في تحقيق أهدافهم ليصفقوا لأنفسهم، وليحتضنوها بكل الحب بعد كل إنجاز ليتبخر التعب وليتجدد الحماس.
إشباع كاذب ولنتنبه لخطورة الاعتماد على الحماس الخارجي؛ فهو مثل قرص الفوار؛ طعمه لذيذ ولونه جميل؛ ولكنه ينتهي سريعاً، وقد يعطي إشباعاً كاذباً أننا رائعون بما يكفي؛ فكما قال لي شاب أنه أفضل من أصدقائه لأنه يحضر دورات تدريبية كثيرة؛ بينما يرفضون، ولما سألته عن استفادته الحقيقية بما يحضره؛ سارع بالحديث في موضوع آخر، وهو ما أعطاني الإجابة المؤكدة..
ويعطي الاعتماد على الحماس الخارجي آمالاً غير واقعية تصطدم بالواقع؛ فتترك وراءها إحباطاً بشعاً، وربما مرارات تسرق من صاحبها حقه المشروع في رؤية الواقع كما هو، وليس كما يتمناه ليحقق أفضل النتائج الممكنة، وليحتفل بها بكل الحب والاحترام لنفسه وللحياة ولمحاولاته في النجاح ليتضاعف حماسه الواعي..
أهلاً بالحسابات الأدق وكما قيل -عن حق- فإن الأوضاع التي تفرض علينا يجب ألا تشل إرادتنا؛ بل يجب أن تدفعنا لحسابات أدق..
ولنتأمل تجربة كوبا (البلد الصغير الذي فرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية الحصار عليه منذ أكثر من خمسين عاماً)؛ فاستجمعت حماسها ورفضت الانحناء للواقع المرير، واهتمت بالاكتفاء الذاتي، وشجعت قيام المصانع الوطنية، وقامت بمحو الأمية تماماً، وبسبب سياسات الفقر الشديد اتّبعت سياسات صحية لمقاومة الأمراض؛ لأنها أرخص من العلاج، ونجحت في ذلك بصورة دفعت أمريكا للاستفادة من تجاربها الصحية وفي محو الأمية التي تعاني منها أمريكا رغم ثرائها بالطبع..
وكما يمكن للدول مواجهة الواقع الصعب؛ فالأشخاص أيضاً يستطيعون، بعد الاستعانة بالخالق عز وجل بالطبع..
الحرق هو الحل والحماس الذكي هو نور لطيف يتزايد بوعي، وليس ناراً تتوهج لفترة وتترك الرماد..
ولنتذكر طارق بن زياد -فاتح الأندلس- عندما قام بإحراق السفن ليغلق الأبواب أمام الهزائم؛ فكان النصر حليفه وصديقه المخلص..
فلنحرق سوياً كل أعداء الحماس مثل الاستسلام للإحباط أو تعجّل تحقيق أحلامنا المشروعة وتقبّل وجود معوقات، والاستمتاع بالسعي لتفتيتها بوعي وبمثابرة، وتذكّر أن الجبل يمكن اختراقه ولو بعد حين.
أعداء الحماس ومن أعداء الحماس؛ توهّم أن الآخرين أسعد منا حظاً وحياتهم أسهل، والحقيقة أنه لا يوجد نجاح حقيقي دون جهد متواصل، والمقارنة مع الغير مطلوبة فقط للاستفادة من خبراتهم لأخذ دروس النصر وطرد كل أسباب الهزائم، ومنها الابتعاد دائماً عن كل من يريد سرقة حماسنا بدعوى أنه لا جدوى من السعي للنجاح؛ فالفساد يحاصرنا، والحياة صعبة، والنجاح غير مضمون، ولا أنكر أن جزءاً كبيراً من هذه المقولات صحيح.
ولكن المؤكد أن الاستسلام لها يعني الانتحار المؤكد، ولنردد سوياً الأغنية الشعبية: اللي يكسّر مجاديفي يحرم عليه صباحي..
أي أننا سنحرم من يحاول إعاقتنا من إلقاء تحية الصباح عليه..
لنشحن أنفسنا دائماً بالحماس الداخلي، نتذكر أنها رحلة ستنتهي فجأة ولا بديل للنجاح الدينيّ والدنيوي؛ فالتجربة لن تتكرر..
وإما أن نكون طارق بن زياد أو رماداً يعذب نفسه ومن يحبونه.