رجل عجوز تخطى السبعين يأتي إلى دارنا ليأخذ حسنة قال لي: "النظام الحالي ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما حُرم عليه منا" انتبهت؟!!.. فأعادها عليّ مرة أخرى "لقد ظلمنا النظام الذي وثقنا به بكل رموزه وقطع أرحامنا واستحل ما حرم عليه منا".. رددت قائله كيف وهو يحمل بين رجالة حافظا للقرآن وعارفين للشرع؟ قاطعني قائلا: "الم يكن كل المسلمين الذين اشتركوا في الفتنة الكبرى من حافظي القرآن؟ ألم يكن بعضهم على صواب وأخريين على خطأ" صمت فأكمل:" لقد ظلمنا الرئيس حين أتخذ كافة القرارات بدون أن يستشير حتى مستشاريه وديننا يقول "أمرهم شورى بينهم".. رسول الله ذاته كان يستشير أصحابة. واسترسل في حديثه: "لقد قطعت أرحامنا عندما أدخلت الفتنة إلى بيوتنا، فقد رأيت يعنف أخاه، والصديق يخسر صديق، والأخت تقاطع أختها، والأخوة في الوطن يقتلون بعضهم البعض، وديننا يقول"كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"... ثم هم خارجا وهو يردد: "لقد أصاب رجال هذا النظام الكّبر .. الكّبر.. هذا ما جناه الكّبر علينا فلن يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة كّبر".. القصة حقيقية تماماً والرجل المسن الذي لا يستطيع أن يصلب ظهره ترقرقت ادموع في عينه وهو يغادرني فعلياً دون أن يأخذ شيء وحتى عندما صحت به ليعود أشار لي بغضب وتركني وهو يكرر كلماته.. تركتني شاردة فيما قال فأنا أعرف الرجل منذ سنوات، وهو رجل بسيط لا حول له ولا قوة، ولم أره يوم يناقش أمر سياسي أو يتدخل في موقف عام، لم يؤيد حزب أو جماعة أو يدخل لجنة انتخابات وهو لا يريد شيء من هذه الدنيا سوى لقمة تقيم أوده بعد أن بلغ من الكبر عتياً ولم يعد في استطاعته أن يعول ذاته، وهو يعرف ربه جيدا، يصلي فرضه، ويصوم شهره، وينتظر يومه الذي ستنتهي فيه حياته، كما انه حافظا للقرآن في كُتاب قريته، قارئ له يومياً.. كيف وصلت الأمور في البلاد أن تجعل الصامتين يتكلمون، ومن يقول أن كافة القرارات المتخبطة التي اتخذت في الأيام الماضية تدعو أي استقرار هذا؟ هل هذا الإعلان الدستوري جلب الاستقرار؟ هل إلغاءه بعد فوات الأوان جلب استقرار؟ هل وضع الضرائب جلب استقرار هل رفعها جلب استقرار، هل دعوى القوات المسلحة للتشاور جلب استقرار وهل إلغاء اللقاء أوصلنا له؟ هل نقل المستشار سليمان خاطر دفع بالبلاد للاستقرار وهل عودته جعلت الهدوء يسود؟!! أم كل هذا التخبط وعدم دراسة القرارات قبل إصدارها وقبل إلغائها قد جلب الفوضى والدمار وغلاء الأسعار وانخفاض البورصة بصورة لا يتخيلها أحد وفقد للسياحة والاستثمار، والفرقة التي لا يعلم مداها إلا الله؟.. الضمان الأساسي لأي أمة كي لا تتفكك ألا ينفرد فصيل واحد بالحكم معتقداً أنه الأكثر علماً بمصلحة البلاد والعباد. فحتى العقل يؤكد أن أراء وأفكار متعددة قادرة على الإبداع بشكل أكبر من فكر واحد، وأن البلاد تحتاج لكل يد وكل معول وكل رأي وعقل لتبنى بعد 30 عاماً من التجريف. حتى في حمل مسئولية الأخطاء فعندما ينفرد فصيل واحد بالقرار فإنه يتحمل وحده الأخطاء، وعلى العكس عندما يكون القرار متفق عليه بين الشركاء في الوطن الواحد فإن مسئولية الخطأ تتوزع على الجميع، ويحرص الكل على إيجاد الحلول بدلاً من حرصه على إمساك الأخطاء على خصومة. إن مصر الآن تمر بمرحلة تاريخية حقاً فإما انتبه حكامها إلى معنى الشورى ومعنى أن "يد الله مع الجماعة" إن كانوا ينادون حقاً بشرع الله، فينقذون البلاد قبل أن تنغرس أعمق في الدوامة التي دخلتها. فيجري نقاش حقيقي محدد سلفاً مع المعارضة، نقاش ليس الهدف منه التصوير أمام الكاميرات وتصدير أخباره للإعلام، بل هدفه إنقاذ مصر. وتعرض المعارضة أرائها ويتم التوصل لحلول حقيقية على الأرض، وليس حلول تعجيزية الهدف منها أيضاً هو الإعلام. وإما فلينقذ الله البلاد مما ينتظرها في الأيام القادمة.. لم يضع الوقت بعد فالإنفاذ ممكن وتنازل كل فريق عن كبرياءه من اجل الوطن ما زال حلاً مطروحاً.. فقط لو أسلم الجميع نيته لله والوطن فقط.