النظام الانتخابي الأمريكي يمكنك أن تصفه بالنظام الأكثر عجبًا من بين الأنظمة الانتخابية في دول العالم، والأكثر تعقيدًا أيضًا!! فلك أن تتخيل أن المواطن الأمريكي ليس هو الذي يختار رئيسه بصورة مباشرة!! بل إن الأعجب من ذلك أنه إذا أجمع المواطنون على انتخاب مرشح للرئاسة.. فإن منافسه هو الذي يفوز، وليس المرشح الحائز على أعلى الأصوات!! وهذا ما حدث في الانتخابات الأمريكية عام 2000 في المنافسة التي دارت بين جورج بوش وآل جور، حيث حصل آل جور على أعلى الأصوات، فتم إعلان بوش رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية! لك أن تتخيل أيضًا أن العاصمة الأمريكيةواشنطن، التي يقع بها البيت الأبيض -مقر الإدارة الأمريكية ومكتب الرئيس الأمريكي- ووزارة الدفاع (البنتاجون) والأمن القومي الأمريكي، ووزارة الخارجية، هذه الولاية الأمريكية "واشنطن" بكل هذه الأهمية ليس لها صوت في انتخابات الرئاسة ولا أي انتخابات أخرى! وسنحاول في السطور التالية أن نشرح ببساطة النظام الانتخابي الأمريكي.. الذي يواجه الآن اعتراضات من الأمريكيين أنفسهم!! تضم الولاياتالمتحدةالأمريكية 48 ولاية (التقسيم الإداري لدولة أمريكا يسمى "ولاية" وهو مثل "المحافظة" في مصر)، إضافة إلى العاصمة واشنطن، حيث لا يحتسب الدستور الأمريكي العاصمة من ضمن الولايات، بل يعدها منطقة تمركز للإدارات والوزارات في أمريكا، ولذلك ليس لها صوت في الانتخابات.. المجمع الانتخابي.. المحور الأهم في اختيار الرئيس الأمريكي هناك نظام في الانتخابات الأمريكية يسمى "المجمع الانتخابي" أو Electoral votes، وهو عبارة عن عدد من الأشخاص يتم اختيارهم ليكونوا ممثلين أو نوابا، ويطلق عليهم "المندوبون" عن كل ولاية، بحيث يمثلون هذه الولايات أو ينوبون عنها في الاختيار النهائي لرئيس الدولة.. ويختلف عدد المندوبين بكل ولاية عن الأخرى بحسب عدد سكان هذه الولايات وتمثيلها في كل من مجلسي النواب والشيوخ، فمثلاً ولاية كاليفورنيا هي أكبر الولاياتالأمريكية في عدد السكان، لذلك ينوب عنها في المجمع الانتخابي 55 عضوًا، بينما ولاية كارولينا الشمالية من أصغر الولاياتالأمريكية في عدد السكان لذلك يمثلها في المجمع الانتخابي 3 أعضاء فقط.. **** وهنا تبدأ المرحلة الأولى أو الجولة الأولى في الانتخابات الأمريكية.. تبدأ الانتخابات الأمريكية في مرحلتها الأولى بخروج المواطنين الأمريكيين بصورة عادية لاختيار رئيس للدولة من بين المرشحين المتنافسين على المنصب، وعادة ما تكون المنافسة الحقيقية بين اثنين فقط ممثلين لأكبر حزبين في أمريكا، وهما الحزب الديمقراطي، ومرشحه في انتخابات 2012 هو باراك أوباما، والحزب الجمهوري، ومرشحه في هذه الانتخابات هو ميت رومني. وتجرى الجولة الأولى في الانتخابات في أول اثنين من شهر نوفمبر، وفقًا للدستور الأمريكي.. وبعد الانتهاء من عملية التصويت، تبدأ عملية فرز الأصوات في كل ولاية على حدة، ثم تعلن النتائج أيضًا في كل ولاية على حدة.. وهنا يأتي الأمر العجيب في الانتخابات الأمريكية.. وهي أن الفائز في كل ولاية يحصل على أصوات أعضاء المجمع الانتخابي لهذه الولاية كلها.. بمعنى؟؟؟ إذا فاز مرشح مثلاً في ولاية كاليفورنيا بنسبة 51%، وحصل منافسه على 49%، فإن المرشح الفائز يحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي لهذه الولاية 55 صوتا، ويحصل مرشحه على "صفر" دون وضع أي اعتبار لحصول المنافس على ما يقترب من نصف عدد الأصوات في الولاية.. وهكذا يجرى الأمر في كل ولاية، حيث يحصل الفائز بأعلى الأصوات في ولاية معينة، على كل الأصوات الممثلة لهذه الولاية في المجمع الانتخابي.. وقبل أن نشرح كيف تجرى الجولة الثانية والنهائية في الانتخابات الأمريكية، سنشرح ببساطة كيف يتم اختيار نواب أو ممثلي كل ولاية في المجمع الانتخابي.. قبل موعد الانتخابات، يقوم كل حزب له مرشح للرئاسة -وهما عادة ما يكونا مرشحين كما سبق الذكر لأكبر حزبين الديمقراطي والجمهوري- بإجراء مؤتمر عام في كل ولاية من الولاياتالأمريكية، يشارك في هذا المؤتمر أعضاء الحزب من الولاية التي يقام فيها المؤتمر، ثم يقوم المؤتمر بإجراء انتخابات لاختيار ممثلي هذه الولاية في المجمع الانتخابي، بالعدد المخصص لكل ولاية، أي يقوم مؤتمر الحزب الجمهوري مثلاً في ولاية فلوريدا باختيار 27 عضوًا، وهو عدد الأعضاء الذي خُصّص لهذه الولاية للتمثيل في المجمع الانتخابي، وهو العدد الذي يتناسب مع عدد سكان الولاية كما سبق الذكر.. وهكذا نعود للمرحلة الأولى من الانتخابات.. فبعد إجراء فرز المرحلة الأولى من الانتخابات الأمريكية، يتم اختيار ممثلي الولايات بحسب المرشح الفائز في هذه الولاية، فإذا فاز مثلا مرشح الحزب الديمقراطي في ولاية كاليفورنيا فسيحصل كما سبق الذكر على كل الأصوات (55 صوتا)، وبالتالي يكون ممثلو هذه الولاية في المجمع الانتخابي من أعضاء حزب المرشح الفائز في هذه الولاية، والذين تم اختيارهم في المؤتمر العام للحزب في هذه الولاية، كما سبق من شرح. وهكذا ولاية وراء أخرى، يحدد الفائز بها انتماء الممثلين الذين سينضمّون للمجمع الانتخابي.. حتى يكتمل عدد الممثلين به إلى 538 مندوبا ممثلين عن 48 ولاية.. وانتماؤهم قد تحدد عن طريق مَن مِن المرشحين فاز في أي ولاية بالضبط. وهنا تأتي المرحلة النهائية من الانتخابات الأمريكية، في يوم الإثنين الذي يلي الأربعاء الثاني في شهر ديسمبر كما ينص الدستور الأمريكي، يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي، ليقوموا باختيار الرئيس الأمريكي من بين المرشحيْن الفائزين بأعلى أصوات من المجمع الانتخابي. وبالطبع يقوم كل ممثل عن حزب باختيار مرشح حزبه، ولكن لا يوجد التزام دستوري أو قانوني عليه ليفعل ذلك، فيمكنه اختيار مرشح الحزب المنافس، لكن ذلك نادرًا ما يحدث إن لم يكن مستحيلاً.. وهكذا تنتهي الانتخابات الأمريكية بكل تعقيداتها، لتعلن النتائج يوم السادس من يناير. والحقيقة أن هناك مطالب جماهيرية بتعديل هذا النظام المعقّد، خصوصا أنه غير عادل، فيمكن للمرشح الذي حصل على أعلى الأصوات في الجولة الأولى ألا يفوز؛ لأنه ببساطة حصل منافسه على كل أصوات المجمع الانتخابي في ولايات كان عدد ممثليها في المجمع الانتخابي كبير من ناحية، ولأنه إذا قلّ مرشح في ولاية عن منافسه بصوت واحد، فإنه يخسر كل أصوات المجمع الانتخابي في هذه الولاية، وهو ما يراه العديد من الأمريكيين ظلما.. وننتظر في النهاية ما تنتجه الانتخابات الأمريكية في أولى جولاتها التي ستجرى غدا (الثلاثاء)، لتعلن النتائج النهائية لهذه الانتخابات في السادس من يناير من العام القادم.