أ ش أ قالت المستشارة تهاني الجبالي -نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا- إن القضاء المصري لديه من الرصيد الإيجابي الكبير ما يكفى لحماية الشرعية الدستورية، مؤكدة أن التاريخ العريق للقضاء هو ما يدفع البعض إلى البحث عن سبل لتحقيق المزيد من الاستقلال. جاء ذلك خلال فعاليات المؤتمر الدولي (مصر تعود) المقام اليوم (الخميس)، والذي تنظمه الشبكة الدولية للحقوق والتنمية، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، والأكاديمية الدولية للهندسة وعلوم الإعلام بالإضافة إلى المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان، والبرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، ويناقش مستقبل مصر بعد الثورة. ونوهت الجبالى إلى أن مصر هي الدولة الأولى التي وضعت بها قواعد العدالة منذ 7 آلاف عام، ومن ثم فهي أحق الدول التي يجب أن يكون عنوانها دولة القانون واستقلال القضاء، مؤكدة أن سيادة القانون تعني حسم العلاقة بين السلطة التنفيذية والقضائية. ورفضت الجبالي فكرة دمج جميع الهيئات القضائية في هيئة واحدة قائلة: "إنني ضد دمج الهيئات في هيئة واحدة لأن ذلك من شأنه الإخلال بمبدأ استقلال القضاء ومبدأ وقوف المتهم أمام قاضيه الطبيعي سواء إداري أو جنائي". وأكدت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا أن ضمان استقلال القضاء ليس بتغيير أشخاص ولكن من خلال تفعيل الرقابة الذاتية ووضع نظام تأديبي للقضاة لأنه لا يوجد قاضٍ فوق القانون. ومن جانبه، أكد رئيس محكمة الاستئناف المستشار هشام جنينه أن القاضي يستمد من قرارة نفسه ومن ضميره الكثير من الضمانات التي تفوق أي قوانين أو ضمانات وضعية، مشيرا إلى أن القانون لا يصنع قاضيا نزيها، حيث على حد قوله "لأننا عاصرنا أشخاصا بنوا القضاء المصري بلا قوانين". وقال إن أهم معيار استقلال القضاء هو فكرة احترام القانون وسد كل ثغرة تنفذ منها السلطة التنفيذية إلى القضاء، فضلا عن تطبيق نظام انتخاب حر للقضاة، لأن نظام القضاء المصري لم يأخذ بمعيار الانتخابات في اختيار القضاة ولكن كان بتعيين من السلطة التنفيذية ومن ثم لابد من وضع ضوابط لضمان تولى أصحاب الكفاءة لهذه المناصب. واعتبر جنينة أن السلطة التنفيذية كانت تضع العراقيل أمام استقلال القضاء، قائلا: "كان يتعين على القضاة أن يتصدوا لتغوّل السلطة التنفيذية على سلطتهم"، مطالبا بتأمين منصب القاضي من الناحية المالية والإدارية ومن العزل والإقصاء لضمان النزاهة الحقيقية والاستقلال الكامل للقضاة. ولفت جنينة إلى أنه من أهم المساوئ التي يجب التصدي لها في قانون السلطة القضائية مسألة المجلس الأعلى للقضاء، والذي يرأسه رئيس الجمهورية، وهو ما يعد مدعاة للتدخل ويؤثر على قمم وشيوخ القضاة، مطالبا بإبعاد رئيس الجمهورية عن رئاسة أي مجالس قضائية لسد أي ثغرة للتدخل في القضاء. وأعرب عن أمله في أن يتحقق الاستقلال الكامل غير المنقوص للقضاء وفي التخلص من الثقوب الموجودة بالنظام القضائي والتي تنفذ منها السلطة التنفيذية، وذلك في ضوء مكتسبات ثورة يناير المجيدة. واقترح جنينة أن يكون هناك منصب وزير دولة لشئون القضاء بدلا من وزير العدل، لأنه يعد همزة الوصل بين السلطة القضائية وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية، منتقدا تدخل وزير العدل فى عمل القضاة ومراقبتهم، لأن ذلك يعد من غير المقبول داخل المنظومة القضائية. وطالب هشام جنينة -رئيس محكمة الاستئناف- بدمج الجهات القضائية من محاكم جنائية وإدارية ودستورية، لأن النظام كان يستخدم تعدد الجهات القضائية لضرب بعضها البعض وتعطيل بعض القوانين. كما أكد ضرورة تأكيد برلمان الثورة على مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء، قائلا:"هالني بشدة تعليق البرلمان على تشكيل المحكمة الدستورية، فمثل هذا التدخل أزعج جميع القضاة كثيرا". وشدد رئيس محكمة الاستئناف على ضرورة الاعتناء بتأهيل القضاة وتدريبهم نظرا لكثرة صدور التشريعات وتعددها، مشيرا إلى أن بعض القضاة أصبحوا غير ملمين بالكم الهائل من التشريعات التي تصدر من حين وآخر، مطالبا بتطبيق نظام التخصص في عمل القضاة حتى يتم البت سريعا في القضايا المعلقة. وقال جنينة إنه آن الأوان أن يحدد الدستور الجديد معايير وحدود القضاء العسكري ويضعه في إطاره الطبيعي، لأنه قضاء خاص بمحاكمة العسكريين في الجرائم العسكرية والتي تقع بين العسكريين وبعضهم البعض، مطالبا بالتصدي لما سماه بهيمنة القضاء العسكري على القضاء المدني. ومن جانبه رأى هشام رؤوف -رئيس محكمة استئناف القاهرة- أن نقطة البداية للوضع الحالي كانت في انتخابات 2005، وما حدث بها من تزوير، ومحاكمة اثنين من رجال القضاء أثارت قضية استقلال القضاء حتى أصبحت تلك القضية من أهم مطالب الشارع. وجاءت الحاجة إلى إشراف قضائي على الانتخابات إيمانا بضرورة الوصول لانتخابات حرة ونزيهة تعبر عن إرادة الشعب من خلال صندوق الاقتراع. وأضاف: "أن القضاء يتعرض دائما للهجوم"، مطالبا بضرورة وجود نص في الدستور ينص على ميزانية القضاء، وقال:"إن المهام الأساسية للقاضي هي صيانة الحقوق والحريات، وأن يكون هناك نص لتحقيق ذلك من خلال سند في الدستور الجديد".