أحمد مهاب عقب حدوث ثورة يناير بدأ الإعلام المصري مرحلة جديدة من إزالة الحواجز وحرية الرأي والتعبير وتناول الموضوعات، وكان لهذا الأمر تأثيره الإيجابي، حيث شعر المواطن المصري لأول مرة بالحرية ومعنى أن ينقل الإعلام ما يحدث دون قيود أو تزييف، ولكن ما لبث الأمر يتغير، فقد استغلت تلك الحرية بشكل سلبي، فبدلا من أن تسعى النخبة من الإعلاميين والمثقفين والمفكرين والسياسيين لتشكيل وعي وإدراك المواطن المصري ومساعدته في المشاركة السياسية وتقرير مصير بلاده، كانوا سببا في عزوفه عن المشاركة ونبذه للثورة، خاصة أن تلك النخبة أصبحت متضاربة الآراء لا تعبر عن المواطن وميوله وآرائه، ورغم أن الوطن يمر بأزمة الآن لكن النخبة الحقيقية غائبة وأصبحت تحل محلها نخبة مزيفة، فما تأثير ذلك على المواطن؟ وأين النخبة الحقيقة الآن ودورها؟
في البداية يؤكد الدكتور جهاد عودة -الباحث السياسي- أن النخبة الموجودة الآن على الساحة الإعلامية هي نخبة مزيفة ومضللة ولا تعبر عن ميول المواطن المصري واحتياجاته، ولا تساعده على اتخاذ القرار أو فهم أبعاد ما يدور حوله، ومع الأسف أغلب النخب الآن منحازة إلى أفكار واتجاهات، وتسعى إلى فرضها على المواطن البسيط دون إدراك لمدى الضرر، وبالطبع يتصارعون من أجل ذلك فيما بينهم ليضيع المواطن في النهاية ويصاب بالحيرة والتضارب في الرأي وفقد القدرة على اتخاذ القرار.
ويتابع: "أين النخبة؟ هي أبرز العناصر بكل المجالات سواء كانوا بمناصب قيادية ولديهم القدرة على وضع الخطط وتنفيذ القرارات ومن كل المجالات الأخرى كالمفكرين والمثقفين والكتاب والسياسيين وكل التيارات من يسار ويمين واشتراكيين ووسط وإسلاميين وشيوعيين، لقد حل أشخاص بعينهم وفرضوا على المواطن وينتقلون من قناة إلى أخرى وربما تتغير أقوالهم واتجاهاتهم حسب مصالحهم الشخصية أو مصالح من يتبعوهم، وأصبحت النخبة محددة رغم أن مصر مليئة بالنخب في كل المجالات السياسية والفنية والفكرية والاجتماعية وقادرة على العمل وتوجيه المواطنين نحو الصواب، ولكن سعى البعض ممن لديهم مصالح إلى التركيز على تلك النخبة المزيفة التي كانت سببا في عزوف المواطن عن الثورة وعدم إيمانه بها وشعوره بالإحباط، وزاد الخلط لدى المواطن الذي ظن أن النخبة هي الإعلاميون".
وتفسر الدكتورة ليلى عبد المجيد -أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة- أن الأمر بعد الثورة أصبح في غاية السوء، خاصة بعد بث العديد من القنوات الفضائية التي استأثرت بنخب إعلامية خاصة بها، وأصبح الأمر مجرد "شللية" تخص كل قناة، سواء من الإعلاميين أو السياسيين، وأيضا نخب سياسية وثقافية وفكرية، ومع الأسف تلك النخب لم تعد ترضي لا المواطن العادي ولا شباب الثورة؛ لهذا أصبح للشباب نخبتهم عن طريق مواقع التواصل، ومع الأسف ظل المواطن العادي أسير تلك النخب المزيفة في محاولة منه لفهم ما يدور حوله وتشكيل رؤية وحل لما يحيطه من مشكلات، ولكن لأن تلك النخب منعزلة عن المواطن وأغلبها تتربح من وراء تحريكها لاتجاهات المواطنين وتوجيهها نحو غايات معينة ولم يعد المواطن ساذجا، فقد أصبح واعيا ولم تعد تلك النخبة ترضيه أو تؤثر فيه.
وتؤكد ليلى عليهم أن يعوا أن المواطن أصبح لديه مخزون سياسي وثقافي بعد الثورة يمكّنه من اتخاذ القرار، والدليل على هذا هو الانتخابات الرئاسية وصعود حمدين رغم غياب التمويل، ولكن النخبة مع الأسف كان لها سقطات رهيبة في الفترة الماضية، فقد خذلت المواطن ولم تقف بجواره، وشأنها شأن القوى السياسية تصارعت من أجل مصالحها، واختفت النخبة الحقيقية من على الساحة والتزموا الصمت، في حين سقطت النخبة في خلق حالة من البلبلة والفوضى والإشاعات من خلال المناقشات والمهاترات والانطباعات والأوهام والتقييمات الخاطئة وطرح السيناريوهات لذعر المواطن، وتغيير المواقف والاتجاهات حسب المصالح الشخصية، وتقاضيهم أجور فلكية على ذلك لتصبح نخبة تجارية، ويصبح المواطن هو الضحية في وقت كان لا بد من إعلاء مصلحة البلاد فوق كل شيء.