انبهر الإعلام الغربي بالثورة المصرية البيضاء وصفق لها واحتفي بها كثيراً للوهلة الأولي.. ووصفها بالثورة العصرية النموذجية والتي لابد أن تدرس لطلاب المدارس والجامعات للاستفادة من ابداعات الشباب المصري في توظيفه الرائد لتقنيات الوسائط الالكترونية. وقال المحللون الغربيون وكتاب الأعمدة ان الثورة المصرية أصبحت ثورة ملهمة وفاعلة ومؤهلة لقيادة حركات التحرر والتغيير والتحول الديمقراطي والانتقال السلمي ووأد عهود الديكتاتورية والسلطوية في الشرق الأوسط. ولكن تلك النغمة بدأت في الاختفاء تدريجياً. وأصبح إعلام الغرب يزن الثورة المصرية ويقيم تطوراتها ونتائجها بميزان مصالح الدول التي ينطق باسمها والتي تتشدق بالديمقراطية وحقوق الانسان ليلاً ونهاراً. وفي هذا الشأن نجد أن عدداً من الصحف البريطانية وعلي رأسها الايكونومست البريطانية قد أعربت مؤخراً عن تخوفها من صعود الاسلاميين وتوجسها من تراجع المد الليبرالي وبدأت في رشق سهامها المسمومة في ضمير كل المصريين وكل التواقين لربيع الحرية في مزايدة مكشوفة علي اختيار وترشيح المصريين لفصيل دون آخر. أما الاعلام الامريكي فقد بدا مؤيداً ومناصراً للثورة في الظاهر وهو يلعنها ويسبها في باطن الأمر وانتهج الآن حملة خفية للتشكيك في نتائج الثورة وامكانية تحقيقها لنجاحات عملية والتقليل من امكانية احداثها لتغيير حقيقي ينتقل بمصر من عصر الجمود والركود إلي عصر الحرية والديمقراطية. وقد يكون هذا مقبولاً ومنطقياً ومتوقعاً من إعلام دول العالم الأول التي تدعم "العولمة" والتوجهات الليبرالية التي تخدم مصالحها ومصالح رعاياها.. ولكن الأدهي والأمر وما يدعو للاسف هو تورط بعض النخب في الاعلام المصري المقروء والمسموع في الانبهار بتلك التوجهات وترديدها بوعي أو بدون والعزف علي ألحان تلك الابواق الاعلامية وارتداء هذا القناع المزيف الذي يجلب لصاحبه العار. النخب الاعلامية التي صنع الوطن وثورته البيضاء نجوميتهم.. في اختبار حقيقي ومفترق طرق.. فالمسئولية الوطنية الثورية تحتم الشفافية والموضوعية وعرض كافة الحقائق دون تهويل أو تهوين ودون انحياز لفصيل أو طيف سياسي والاعلاء من شأنه والتقليل من الآخر. والاعلاميون هم قادة رأي ومنارة للفكر والتوجيه.. وهم الآن أمام مسئولية تاريخية حتي تخرج مصر من أزمتها الانتقالية الراهنة.