لن أتكلم عن الفتاة التي أزيحت عنها ملابسها وضُربت وسُحلت في ميدان التحرير، ولن أتكلم عن الشيخ الجليل الذي قُتل برصاصة غادرة أيا كان من صوّبها، وطالب السنة الخامسة في كلية الطب، أو المهندس، أو... أو... أو أي شخص ممن قُتلوا في التحرير.. وحتى عمن قُتلوا قبلهم في ماسبيرو أو العباسية أو إمبابة أو محمد محمود، وجميعهم نحسبهم بإذن الله شهداء عند ربهم يُرزقون، لن أتكلم عنهم ليس لأنهم لا يستحقون الكلام، بل على العكس فإنهم يستحقون أكثر من الكلام بكثير، ولكنني لن أتكلم لأن الكثيرين كتبوا عنهم، وربما يكونون قد أحسنوا التعبير أكثر مني بكثير. ولكنني سأتكلم عن تصريح لمصدر مسئول رفيع المستوى عن رصد جهات أمنية سيادية لتحركات واتصالات لعناصر داخلية مع جهات أجنبية خارجية؛ لتنفيذ مخطط يوم 25 يناير المقبل. لو أردنا أن ننظر لذلك الخبر فنحن في نهاية شهر ديسمبر، أي لم يتبقّ على اليوم الموعود إلا ما يقارب الشهر، إلا أن هذا المخطط قد بدأت التحركات والاتصالات به بين هذه الجهات الداخلية والأجنبية الخارجية بالفعل، وبما أن هذا المصدر المسئول قد قام برصد تحركات المخطط وعلم أنه بين جهات داخلية وأجنبية خارجية، إذن فهو خبر حقيقي وثابت ما فيه من تلك الاتصالات؛ حتى إن المصدر المسئول قد أكّد وحدّد أن هذا المخطط سوف يكون في يوم 25 يناير المقبل بالتحديد، أي أن المصدر علم بكل شيء عن هذا المخطط حتى موعد تنفيذه.. والسؤال عندما يعلم شخص ما أن بيته سوف يقوم مجموعة من المجرمين بالسطو عليه قبل السطو بشهر كامل وربما أكثر، ماذا يفعل صاحب المنزل؟ هل يقف مكتوف اليدين وينتظر حتى يمر الشهر ويجد المجرمين قد قاموا بالسطو على منزله وهو واقف يتفرج عليهم؟ أم إنه من وقت أن علم يبلغ الشرطة والمسئولين ليتربصوا وهو معهم بهذا المجرم، ومن الطبيعي أن يتم ذلك دون أن يعلم أحد، بل في صمت تام؛ حتى لا تتسرب خططهم التي خططوها لهؤلاء المجرمين، للمجرمين أنفسهم فيأخذوا حذرهم، وحتى يتسنى للأمن القبض عليهم.. إذن لماذا يصر المصدر المسئول على أن يُعلم العالم أجمع بأن هناك مخططا قد اكتشفه، وبأن التحركات والاتصالات فيه بين هذه الجهات الداخلية والأجنبية الخارجية باتت واضحة لديه، ويهلل ويقول ويعيد ويزيد؟؟ ويا ليت هذا الإعلان كان كي يبشرنا المصدر بأن الأمن قد قبض على أصحاب المخطط، ثم يزفّ لنا أسماء المجرمين والمخططين، ويبدأ في استجوابهم ومحاكمتهم.. أما أن يعلن الخبر هكذا وكفى، فهل هذا أمر عادي أن يعرف الشعب، بل والعالم أجمع أن هناك مخططا اكتشفه المصدر المسئول قبل أن يتم القبض عليه؟ وحتى يقوم أصحاب هذا المخطط بتغيير خططهم وتحركاتهم التي علمها المصدر المسئول؟ هذا ما يخرج تماما عن قدرتنا على التفسير أو الإدراك، فكلنا نعلم أنه في المخابرات عندما يقومون باكتشاف شبكة للتجسس لا يذاع عنها أي شيء إلا عندما يتم القبض عليها، حتى لا تنتبه لكشف مخططها وتهرب، ولكننا هنا نُعلم الجهة التي سوف تقوم بالمخطط بأننا نعلم مخططها كأننا نقول لها: "لا بد لكم أن تنتبهوا وتأخذوا حذركم"! بكل أسف نحن نعيش في حالة عامة من التخبط لا يفهمه أحد، فما هذا الذي نراه؟ لا نعلم! فلم نرَ في حياتنا مصدرا مسئولا يقوم بإصدار نشرة عن المخططات التي تستهدف الدولة إلا المصادر المسئولة المصرية.. وماذا بعد أن علم الشعب والعالم أجمع، هل سنوزّع أنفسنا إلى فئات كل يقف في جهة حتى يحرس موقعه، ويتربص لمخطط قد علم مرتكبوه بأننا نعلم أنهم سوف يقومون به.. بكل بساطة هذا التخبط لم يعد مقبولا، فإذا كان هناك مخطط حقاً وإذا كانت الحاجة أن يعلن عنه، فعلى المسئولين أن يتعاملوا بحرفية، فيعرضوا علينا الحقائق، حتى نستطيع أن نفهم ونحدد مواقفنا، وأن نعرف ما يحدث حقاً، وأن نتوقف عن الشك في مسئولينا وفي إعلاناتهم. فكثرة استخدام الكلمات غير المحددة مثل: "مخطط خارجي"، و"طرف ثالث" و"قلة مندسة" و"مؤامرات خارجية"... أصبح أمرا غير مقبول، ويثير السخرية لدى طائفة كبيرة من الشعب، بل أصبحت هذه التعبيرات سيئة السمعة لا تثير في ذهن المواطن سوى تلاعب من الحكومة ومحاولة التغطية على أمر ما أو توريط الثوار في كارثة جديدة هم منها براء. رغم أنهم في حالة وجود مخطط حقيقي وجب أن يقف الشعب بأكمله ضده ولو حتى بقلبه، ولو حتى بالصمت وانتظار ما سيقوم الأمن المصري بفعله والتوقف عن انتقاده، ولكن كل ذلك يحتاج أيضاً لصراحة لأن تعلن الحقائق على المصريين؛ لأنهم أثبتوا أنهم شعب متحضر يستحق الديمقراطية، ويستحق أن يقرر مصيره، وأن يعرف كافة المعطيات ليصل للنتائج الصحيحة. وفي النهاية فنحن نطالب مسئولينا بأن يتوقفوا عن هذه الضبابية التي يعيشها الوطن، وليتمتعوا بالشفافية حتى يعود الشعب ليقف خلف حكومته وهو واثق بها غير متشكك فيها.. أما إن استمر ذلك فإننا -كشعب- يجب أن نسأل المصدر المسئول عندما يأتي 25 يناير؛ فسواء تم المخطط، فسنتساءل لماذا أيها المصدر لم تتخذ إجراءاتك للحفاظ على البلاد من المخطط الذي أراد بمصر سوء وأنت تعرف به من قبل التنفيذ بشهر كامل؟!! وإن لم يتم فسنقول لماذا كان المصدر المسئول يرهبنا؟ وممّ كان يخوف شعبه، ويفسد عليه احتفاله بالذكرى الأولى لثورته؟ هذا بالطبع إن كان المصدر ما زال يؤمن بأن هناك ثورة قامت يوماً في هذا البلد!