أولا: أحب أشكر كل القائمين على هذا الباب؛ لأننا نادرا ما نجد من يخفف عنا آلام قلوبنا في هذا الزمن. ثانيا: أنا مخطوبة، وخطيبي سافر للخارج للعمل؛ ولكنني أشعر بالوحدة دونه؛ حيث إنه نادرا ما يكلمني تليفونيا، ولا نتحدث عبر النت. مشكلتي أنني بسبب ذلك البعد, تحدثت مع بعض الشباب عبر النت، ولم أقابل أحدا منهم، واستمرت المحادثات طوال فترة غيابه عني، وهو ما يشعرني أنني أخونه. وأنا فعلا أتألم لذلك الشعور؛ لدرجة إني حاسة إني مابقيتش أحس بخطيبي زي الأول، أو إن مشاعري اتلخبطت؛ مع العلم إني والله بحب خطيبي جدا، ولما بينزل إجازة مش باكلم أي شاب في وجوده؛ لأنني مش باحس بالوحدة. وحاولت كتيير أقطع علاقتي بيهم، وبالفعل قطعتها بس بارجع أكلمهم تاني. أنا خايفة خطيبي يخوني في غيابي زي ما أنا خنته في غيابه.. أرجوكم تردوا عليّ بسرعة, وتقولوا لي أعمل إيه في إحساس الوحدة ده؟ وأعمل إيه علشان أرجع أحس بخطيبي زي الأول؟ أنا متلخبطة! DODA TOTA دائما وأبدا تظل المشكلة هي عدم الاعتراف بأخطائنا واختلاق الأعذار والحجج الواهية؛ باحثين لأنفسنا عن مسببات ودوافع لارتكاب جريمة وذنب في حق أنفسنا قبل الناس. استوقفني في رسالتك عدة صدمات، كلما أفقت من واحدة اصطدمت بالأخرى؛ لذا دعيني أتحدث عن كل منها على حدة، راجية الله أن يلهمني الله الصواب في ردي عليكِ. الصدمة الأولى: "محادثات فقط ولم أقابل أحدا منهم"، كثّر الله من خيرك وشكرا جزيلا على عدم رؤية أي من هؤلاء الشباب؛ وكأن الخيانة -وأعوذ بالله من لفظ "خيانة "- لا تكون إلا بالفعل!! يكفيكِ الدخول في مناطق محظورة في الحديث مع شباب لا علاقة لكِ بهم، والتفكير في غير خطيبك، والاستمرار في ذلك.. يكفيكِ الكذب على نفسك وأسرتك وخطيبك والإصرار عليه. لا تقنعيني أن فتاة في سنك، تفتقد خطيبها وتشعر بالوحدة؛ لدرجة أنها تتحدث مع شباب آخرين عبر النت، وتكوّن صداقات لوجه الله؛ وكأن الدنيا خلت من الصديقات الفتيات! ذكرتِني بحجة الفتيات اللاتي تدخلن الجامعة، وأمامهن هدف واحد وهو كسر حاجز الصمت والتعرف على زملاء من الشباب. الصدمة الثانية: "حاسة إني مابقيتش أحس بخطيبي"!! أنتِ لم تشعري به بداية ليتغير شعورك الآن؛ لو كنتِ شعرتِ بالقبول الكامل لهذا الشاب واقتنعت به وبشخصيته، لكنتِ قدّرتِ معنى أن يضحي ويسافر من أجل تحسين مستواه المادي ليكون جديرا بكِ، وكنتِ احترمته في غيابه وأعطيته المبررات الكافية، والتزمتِ بما يأمرنا به الله ونبيه وما تحكمنا به الأخلاق الكريمة. من الواضح جدا أن ارتباطكما لم يكن مبنيا على اقتناع كامل، ولا أدري على أي أساس تمّ قبول الخطبة؛ فأنتما لا تتحدثان عبر الهاتف ولا عبر النت.. وإذا كنت أجد عذرا في الأولى من حيث الحفاظ على كل قرش للمسارعة لإتمام الزواج؛ فلا أجد عذرا في الثانية؛ فكيف ومتى ستتعرفان على بعضكما بالشكل الذي يقرّبكما ويكون عوضا لكما عن بُعد الغربة. وبذلك فأنا لا أُعفي أسرتك وخطيبك من المسئولية؛ فهذا وضع أنتم جميعا مسئولون عنه؛ لكن أبدا لا يعالج الخطأ بسلسلة أخطاء؛ فخطأ الاختيار لا يعالج بذنب لا يُغتفر في حق أنفسنا والآخرين، وفوق هذا التفريط في حقوق الله وأوامره؛ بالكذب وخيانة الأمانة. الصدمة الثالثة: "ولما بينزل إجازة مش باكلم أي شاب"!! بماذا أرد عليكِ؟ هداكِ الله وعافاكِ من هذا التضارب النفسي والعجز الخُلُقي الذي أصابك نتيجة لضعف دينك. الصدمة الرابعة: "خايفة خطيبي يخونني في غيابي"؛ حتى خوفك عبّر عن أنانيتك؛ فكل ما فكرتِ فيه هو نفسك، وربما كرامتك، ولم تفكري أبدا في كرامة هذا الشاب الذي ارتضيتِ أن يرتبط اسمك باسمه. أنانية أعمتك عن حقوق الله عليكِ، قبل حقوقك على خطيبك، إنها أسوأ أنواع الأنانية تلك التي تحجب عن أعيننا أخطاءنا إلى هذا القدر. أؤمن بشدة أنه "كما تدين تدان"؛ فإذا لم يخنك فيما بعد؛ فبالتأكيد سيتغير شعوره من ناحيتك؛ لأن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب، ولأن الله عادل ولا يظلم عبدا من عباده؛ فلن يرضى باستمرار مسلسل الحب الزائف الذي تؤدين دورك فيه ببراعة. الصدمة الخامسة: "زي ما أنا خنته في غيابه"، إذن فأنتِ معترفة بخيانتك له على أي صورة كانت هذه الخيانة؛ فالمهم أنكِ لم تتوبي ولم تحاولي بجدية، ويبدو من خلال حديثك أنكِ لم تأخذي بالأسباب، ولم.. ولم.. ولم... أما الصدمة السادسة وهي الأشد وطأة: "أعمل إيه في إحساس الوحدة ده"؛ فأنتِ مُصرّة على أن تظهري بمظهر المجني عليها، وكأن هذا الشاب أساء لكِ حينما سافر بحثا عن فرصة عمل أفضل، أو أن هذا الشعور بالوحدة لن يعالج إلا بالخيانة ومحادثة الشباب! نصيحتي لكِ أولا وقبل أي شيء أن تعودي إلى الله عز وجل بكل جوارحك، وتتذكري دائما قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، وأن تتوبي توبة نصوحة لا رجعة فيها، وتبتعدي نهائيا عن محادثة الشباب، وتصارحي نفسك بخطئك، وبأن القضاء على الوحدة لا يشترط محادثة الشباب. أين صديقاتك ووالدتك وإخوتك وأقاربك؟ أين صديقك الأول وهو الكتاب؟ أين صلاتك ودعاؤك؟ لماذا لا تشتركين في أعمال خيرية فتشغلين وقتك، وتفكيرك فيما تكفّرين به عن ذنوبك وأخطائك، أو بأخذ دورات علمية في مجالات مختلفة كالتنمية البشرية واللغات والكمبيوتر. وأن تستخيري الله دون توقف في أمر استمرار خطبتك بهذا الشاب، وما إذا كان هذا هو الخير لكما، أم أن استمرارها يعني مزيدا من عدم الراحة لكليكما. هل تعتقدين أنكِ إنسانة قوية؟ لماذا لا تصارحين خطيبك ببعده عنكِ واحتياجك له، وأن هذا يؤثر على مشاعركما تجاه بعضكما. كوني فتاة قوية بدينك، وطالبي بحقوقك في أن يعطيكِ خطيبك قدرا أكبر من الاهتمام، وتخيّري عباراتك؛ فلا تُشعريه بالتقصير فتزيد فجوة البعد بينكما؛ بل حاولي أن تُبيّني له كم أنتِ تشعرين باحتياجه في الغربة للتحدث بما في قلبه وما يزعجه قبل ما يفرحه. حاولي أن تثبتي له أنه أغلى من أموال العالم، وأن سعادته وراحته والاطمئنان عليه أهم عندك من كنوز الدنيا. لا يشترط الاطمئنان عليه والتواصل بينكما بكثرة المحادثات الهاتفية؛ فقد تكفيكما رسالة صباحا أو مساء كل يوم تطمئنان فيها على بعضكما. وانتبهي جيدا فسبل تعبير الرجال عن حبهم للخطيبة والزوجة ليست واحدة؛ فهناك رجل يُفيض عليكِ كلاما عذبا، أو يُغدق عليكِ الهدايا أو الزهور.. إلخ. لكن التعبير عن الاحترام والاحتواء والتقدير وسماع واحترام وجهة نظر الآخر واحدة ولا غنى عنها في أي علاقة ارتباط. أما إذا لم تشعري -لا سمح الله- بعد صلاة الاستخارة برغبة حقيقية في أن يكون هو شريك حياتك؛ فأرجوكِ رجاء أخت تخاف عليكِ عواقب الأمور، أن تصارحي نفسك وأسرتك، وتتركي هذا الشاب لحال سبيله، وأن تدعي الله أن يرزقك الزوج الصالح الذي يعصمك من أنانيتك، ويكون سببا في هدايتك. توبي لله وصارحيه واصدقي في القول، واقرئي القرآن لعل قلبك يلين، ولا تفكري فقط في المادة أو في المشاعر الزائفة والجمل التي تفيض حبا وعذوبة؛ فأبدا لن تكون وحدها دليلا على حب رجل بمعنى الكلمة لامرأة يحترمها قبل أن يحبها.