مع كثرة الكوارث التي تتعرَّض لها مصر هذه الأيام، بدأ سؤال سخيف يبرز بقرنَيْه: هل قامت الثورة حقا؟ وإذا كانت قد قامت بالفعل، فمَن المسئول الحقيقي عنها؟ وهل حققت إنجازات ما، أم إنه لا جديد تحت الشمس؟ لا بد أن تبرز هذه الأسئلة في وقت ما، وأعتقد أن وقتها الآن، في ظلّ ظروف معقّدة يعرفها القارئ الكريم جيدا، ولا بأس من إلقاء الضوء عليها. البعض يقول إن الثورة لم تقُم أصلاً؛ فنحن ما زلنا نعاني فساد النظام القديم؛ فالرشوة، والمحسوبية، وفساد الذوق العام -كنجاح فيلم "شارع الهرم" مثلاً- وتعامل الشرطة بغلظة ما زال موجوداً، صحيح أن الصفة الأخيرة لم تعد قوية كالسابق، لكنها ما زالت موجودة، ولم تغيّرها الثورة وتستبدلها بشيء أفضل، ناهيك عن حالة الانفلات الأمني، وشيوع البلطجة، وترويع الآمنين، وحرمات الأعراض، كل ما حدث أن الشرطة التي كان من المفترض أن تحمي الشعب في ظلّ النظام القديم كانت تقوم بهذا الدور بكفاءة تامة، ثم بعد قيام الثورة توارت الشرطة بعيداً، وبرز ضعاف النفوس يتسيدون الواقع، وصار على كل مواطن أن يحمل سلاحه الخاص دفاعاً عن نفسه وعن أسرته. والبعض الآخر يتكلّم عن المجلس العسكري، والذي ظهر بقوة مشرفة عن طموحات الشعب وآماله، لكن مع تأخير الحكم في قضية رموز النظام السابق بداية من الرئيس، إلى من تحته، بدؤوا يتساءلون إن كان هناك وراء الأكمة ما وراءها؟ بمعنى أدق: هل سيُكمل المجلس دوره القيادي المشرف حتى تُسلّم السلطة للرئيس القادم، أم ستحدث عواقب لم تكن متوقّعة في ظلّ التظاهرات التي تحدث باستمرار، ومشكلة الحدود، والسفارة الإسرائيلية، وإلقاء نظرة واحدة على تعليقات المصريين على فيس بوك ستشعرك بمدى عدم الفهم والحيرة تجاه المجلس العسكري. البعض الآخر بدأ متحمّساً لحادثة إنزال العلم الإسرائيلي، لكن مع حادثتي تحطيم الجدار الخرساني، واقتحام مبنى وحجرات السفارة، بدأت تتكشّف حقيقة الشعب المصري؛ كشعب حار الدماء، يندفع وراء كل صاحب صوت عالٍ. يكفي أن يندسّ رجل صاحب حنجرة قوية، لتجد الجماهير الغفيرة تسير وراءه دون عقل! وهو ما يقود للسؤال المخيف: مَن الذي قام بالثورة فعلاً؟ الشعب الظامئ للعدل والحرية والكرامة، أم مجموعة من الشباب يمتلكون وعياً كافياً بحالة البلد، فقرّروا أن يثوروا؟! هذا السؤال، سوف يقود لسلسلة من التداعيات الخطيرة، ستجعل البعض -وأقول البعض- يلعن الثورة وأيام الثورة، وسيتكلّم عن الأمان الذي كان في عصر النظام السابق، وأنه صحيح كان يوجد ظلم، وتعذيب في أقسام الشرطة، وكان الأمين يتحرّك في الشارع كأنه عقيد يأمر فيُطاع، لكن على الأقل كان يوجد بعض الأمان، وبالمقارنة بما يحدث الآن فلا شكّ أننا كنا نعيش في جنة مبارك دون أن نشعر. ثم بعدها سنجد من يدعو لعودة الأيام السابقة، والعفو عن مبارك -وهو ما قد حدث بالفعل متمثّلاً في أبناء مبارك- والكارثة أنني قد أجريتُ حديثاً مع بعض الأخوة الخليجيين، والذي أخبرني بأننا سنشتاق لأيام رئيسنا السابق، وأننا لن نجد مثله.... إلخ. هذه الأسئلة وغيرها، ربما تكون من أسباب انهيار الثورة من أساسها لو لم نتفادَها بالحكمة والتفكير المتأنِّي، وعدم الانسياق وراء عواطفنا دون دراسة وتمحيص، ربما ننقذ الثورة من أن تأكل نفسها بنفسها، وإلا سندخل التاريخ كالشعب الذي أتته فرصة التغيير، والحصول على مطالبه، لكنه أضاعها بسبب تسرّعه، وانسياقه وراء كل صاحب حنجرة قوية.