"وراء كل امرأة عظيمة رجل يقف بجانبها ليساعدها ويدفعها للأمام"، كانت تلك الكلمات من أكثر الكلمات التي علِقَت بذهني، بعدما أنهيت حواري مع نهى عبد الرحمن، التي تعتبر أول امرأة تحصل على لقب كابتن طيار محترف في الشرق الأوسط ومصر، والتي سألتها عن مشوارها العملي وحياتها الشخصية، وكيف يمكن لأي امرأة عادية أن تحتذي وتقتدي بها لتنجح. حلم الطيران في البداية، ما الدافع الذي أدخلكِ مجال قيادة الطائرات؛ وخاصة أنه مجال غير مطروق من المرأة بصورة كبيرة؟ منذ طفولتي أحلم بأن أصبح طيارة؛ حتى إنني -على حسب قول والدتي رحمها الله- كنت أردد هذا منذ كان عمري ثلاث سنوات؛ ولكني في البداية التحقت بكلية الهندسة بقسم ميكانيكا؛ مثولاً لرغبة أسرتي، وبعد أن أنهيت دراستي بالكلية التحقت بمعهد الطيران بالقاهرة، ودرست بداخله كل شيء له علاقة بالطائرة، وكنت الفتاة الوحيدة في المعهد في ذلك الوقت. كيف كانت الدراسة في ذلك المعهد؛ خاصة أنكِ كنتِ الفتاة الوحيدة؟ كانت الدراسة صعبة ومرهقة إلى أبعد درجة, وقد علمت عند دخولي المعهد أنه تقدّم للالتحاق به عدد كبير من الفتيات؛ لكنهن لم يستطعن استكمال مدة الدراسة في المعهد؛ نظراً لصعوبتها وحاجتها إلى مجهود ذهني وبدني جبار؛ لكن الوضع بالنسبة لي كان مختلفاً تماماً؛ فأنا اخترت هذا الأمر، وحبي دفعني لتجاهل كل شيء.. كان تركيزي منصباً فقط على النجاح والتفوّق. هل عملتِ فور انتهائكِ من الدراسة؟ لا، لم تكن هناك أماكن شاغرة في شركات الطيران المصرية، وهو الأمر الذي دفعني إلى المكوث لمدة ثلاثة أعوام، إلى أن تمّ الإعلان عن طلب طيارين, وأتذكر أنه كان خبراً صغيراً في جريدة الأهرام, أخذْته وتوجّهت للشركة، واجتزتُ الاختبارات، وكان هذا في عام 1995. نسمع دائماً أن هناك مواصفات صارمة لاختيار الطيارين؛ فما هي هذه الموصفات؟ نعم، فالطيار لكي يتم اختياره يخضع لعدد كبير جداً من الاختبارات في كل مجالات الحياة، ويخضع أيضاً لكشف طبي صارم من أول أصبع قدمه حتى رأسه، يجب أن يكون كل شيء فيه جيداً, ضغط قلبه، وتنفسه، ونظره يجب أن يكون ستة على ستة. وبعد اختياره, يخضع لكشف طبي كل ستة أشهر، للتأكّد من سلامة كل هذه الأشياء، كما أن الجانب النفسي مهمّ جداً عند اختياره. كيف كانت أول رحلة لكِ.. وهل تتذكرين إلى أين كانت؟ بالطبع! كانت لمدينة الأقصر، وحدث موقف طريف جداً: عندما ذكرنا لركاب الطائرة أن قائد الطائرة هي نهى عبد الرحمن، ثارت ثورتهم بحكم أنهم صعايدة، وقالوا لطاقم الضيافة: كيف نسّلم أرواحنا لأنثى؛ فطلبتُ من المضيفة أن تُبلغهم أنني من الصعيد مثلهم، وأن جدّي وعمي هما عمدتا بلد مشهور هناك؛ الأمر الذي هدّأ الأجواء، وعند هبوطي وقفت على الباب لمصافحتهم وسؤالهم عن رأيهم في الرحلة. كم بلداً زُرتِه حتى الآن؟ كثير جداً جداً، من كثرتهم لا أتذكر عددهم؛ ولكني أكاد أجزم أنني زُرت غالبية دُوَل العالم. من كثرة تدريباتنا أصبحنا ندرك الخطر قبل وقوعه حياة الجو أفضل من الأرض ما نوع الطائرة التي تقودينها الآن؟ إيرباص 321. هل كل مرحلة في حياة الطيار لها طراز معين من الطائرات؟ بالطبع، كل فترة تزيد الخبرة مع الطيارين فنقوم بتغيير نوع الطائرة التي نقودها؛ ولكن هذا الأمر يكون بعمل تمارين شاقة وتدريبات لمدة 6 أشهر على النوع الجديد الذي سنستعدّ لقيادته. ما أصعب موقف حدث لكِ أثناء رحلتك داخل الطائرة؟ لم أصادف -والحمد الله- حتى الآن موقفاً صعباً؛ فمن كثرة تدريباتنا أصبحنا ندرك الخطر قبل وقوعه؛ فنحن نعمل في نسبة خطأ تكاد تكون معدومة؛ أي خطأ يعني بالنسبة لنا الخسارة بالكامل، ولا سبيل لإعادة المحاولة مرة أخرى. هل هناك فرق بين قائد الطائرة الذكر والأنثى من وجه نظرك؟ لا يوجد فرق بينهم على المستوى المهني, هما كطياريْن متساويان بدرجة كبيرة في نفس التدريبات، ونفس منظومة العمل، والطريق الذي قطعته الأنثى لكي تجلس داخل كابينة، هو نفس الطريق الذي قطعه الرجل؛ الأمر هنا لا يقيّم هكذا؛ ولكن يُقيّم بمدى قدرتهم على قيادة الطائرة والتحكّم بفريق العمل داخلها. نسمع أن مرحلة الهبوط من أصعب مراحل الطيران، هل هذا الأمر صحيح؟ أصعب مرحلتين في حياه الرحلة: مرحلة الإقلاع؛ حيث يكون خزان الوقود ممتلئاً والحمولة ثقيلة جداً، وأي خطأ في الإقلاع سيعرّض الطائرة لكارثة محققة، وتكمن صعوبة الهبوط في الجاذبية الأرضية؛ حيث تعمل الجاذبية على سحب الطائرة للأرض؛ الأمر الذي يجعل الطائرة ترتطم بالأرض بشدة، وتكمن مهارة الطيار في تخطّي كل هذا. هل حياة الجو تختلف عن حياة الأرض؟ تضحك.. بالطبع؛ فحياة الجو لا يوجد بها إلا وجوه سحاب وسماء فقط، والحياة في الأعلى تجعل المرء يعي جيداً قدرة الله عزّ وجل على الخلق؛ فأنت تشهد لحظات تكوّن السحب، وتشاهد السحب وهي تُسقط الأمطار. منزل من جميع البلدان منزلك أشبه بالمتحف، به عدد كبير من المشغولات اليدوية والصور والتحف، تحمل غالبيتها طبائع دول عديدة، هل هذا حب لتلك البلاد أم هَوَس شراء؟ أنا عاشقة لشراء الأشياء من كل بلد أزوره، الفكرة لديّ ليست فكرة هَوَس شراء؛ بل رغبة حقيقية في تخليد ذكرى مكان مكثتُ به لفترة.
زوجي هو سَنَدي في هذه الحياة ما أكثر البلاد التي أثارت إعجابك؟ أكثر بلد تأثّرت به هو اليابان؛ فهذا البلد رائع بشكل غير طبيعي، منظم في كل شيء.. أذكر أنني كنت في أحد الفنادق الكبيرة هناك، وعند استعدادي للمغادرة، وجدتُ من يطرق بابي ليأخذ الحقائب لكي يُنزلها إلى السيارة؛ الأمر هنا عادي، ولا يوجد به شيء؛ الغريب أن من فَعَل هذا الأمر كان مدير الفندق. من المؤكد أنكِ تعرضتِ لمواقف ما في رحلتك؛ ولكن على الأرض ما الموقف الذي تتذكرينه دائماً؟ كنت في اليابان أيضاً ونسيت حقيبتي داخل أحد المحلات، وتذكرت هذا الأمر وأنا في السيارة؛ كل تفكيري وقتها كان في الأوراق التي تحتويها الحقيبة وصعوبة استخراج غيرها، والكثير من الأفكار.. عند دخولي المحل وجدتُ الحقيبة في مكانها الذي نسيتها فيه، وبجانبها حارس أمن، وعندما هممتُ بأخذها وجّه لي العاملون في المحل اعتذاراً على فتحهم الحقيبة دون إذني؛ ولكنهم تشكّكوا من وجود شيء بها؛ فقاموا بفتحها، وعندما تأكدوا من سلامتها أوقفوا حارسًا إلى جوارها. زوج رائع وأسرة سعيدة أنت زوجه وأم لطفلين، لاحظت أنهم يعتمدون عليكِ بشكل كبير؛ فخلال ساعة جاؤوا لكِ أكثر من مرة؛ أليس هذا الأمر غريباً بالنسبة لطبيعة عملك التي تحتّم عليكِ الابتعاد عن تفاصيلهم؟ أنا أقوم بفعل كل شيء خاص بهم بنفسي, وأرعى كل ما له علاقة بدروسهم وتدريباتهم في النادي؛ حتى وأنا غير موجودة أحرص على متابعة كل صغيرة وكبيرة خاصة بهم؛ فأنا أعمل حوالي 4 أو 5 أيام في الأسبوع؛ الأمر الذي يجعلني أرتّب وقتي ليكون المتبقي لهم بقدر المستطاع، وأحاول تعويضهم أيضاً عن أيام غيابي. ماذا عن زوجك؟ زوجي هو سَنَدي في هذه الحياة، وإذا كانوا يقولون إنه "وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة"؛ فيجب أن أقول إن "كل امرأة عظيمة بجانبها رجل أعظم", زوجي هو مفتاح نجاحي؛ فدون تشجيعه لي وتفهّمه لطبيعة عملي لم أكن لأستطيع أن أحقق شيئاً, إنه من أكثر الشخصيات إيماناً بي بعد أمي، رحمها الله. وأتذكّر أنني كنت أستعدّ للذهاب إلى رحلة، وارتفعت درجة حرارة أولادي بشكل كبير، وبعد ساعة ارتفعت حرارة زوجي هو الآخر، وكنت في حالة قلق عليهم؛ الأمر الذي جعلني في حيرة من أمري؛ لا أقدر على النزول، ولا يوجد وقت للاعتذار عن الرحلة؛ فقال لي زوجي: اذهبي فنحن على الأرض ونستطيع تصريف شؤوننا، وجاءت والدتي وقتها لمراعاتهم، وذهبت أنا إلى الرحلة وتابعتهم عند وصولي. ما سرّ نجاح المرأة من وجهة نظرك؟ سرّ النجاح يكمن في التنظيم، تنظيم كل الشيء: الوقت, الأفكار, حياة الأشخاص في محيطها, يجب أن تعي جيداً ما تفعله، وما تستعد لتقديمه؛ فأنا مثلاً لديّ أجندة أعمال لليوم، وللشهر، وللسنة، ولخمس سنوات قادمة, كل ما أفعله مكتوب، وكل ما أستعدّ لعمله مدوّن. ما الذي دوّنتِه في صفحة أحلامك لهذا العام؟ تبتسم وتقول: أحلم بإذن الله أن أقود طائرة إيرباص 330, كما أحلم بعمل جروب لحثّ الناس على النظافة والنظام والاهتمام بالشارع؛ فنحن في مصر لا يوجد لدينا مثل هذه الثقافة.
أول كابتن طيار * تنمية ذاتية اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: