انهمك ذلك المسئول السياسي في مراجعة عدة ملفات شديدة الأهمية، تتعلَّق بترشيحات فترة الانتخابات القادمة، وراح يؤشر بقلمه تأشيرات سريعة، على تلك الورقة، أو ذلك الملف، عندما دخل رئيس طاقم أمنه الخاص مكتبه، وهو يقول: - سيّدي، هل تسمح لي بمقاطعتك قليلاً. رفع المسئول عينيه إليه في عصبية، وهو يقول: - ألم أخبرك أنني منشغل للغاية.. بدا رئيس الأمن شديد التوتر، وهو يقول: - ولكن الأمر مهم للغاية. تطلّع إليه المسئول في دهشة قلقة، قبل أن يسأله: - إلى أي درجة من الأهمية؟! رفع رئيس طاقم الأمن يده، إلى أقصى ارتفاع يمكنها بلوغه، قبل أن يخفض صوته، مجيباً: - إنه أمر يتعلّق بحادث القطار. تفجّر توتّر عنيف مباغت، في وجه المسئول، قبل أن يقول في عصبية:
- لقد صدر بيان رسمي، في هذا الشأن. قال رئيس الطاقم بنفس التوتر: - إنه مجرد بيان رسمي. وضع المسئول قلمه على الأوراق في توتر، وهو يسأله: - هل من جديد؟! تقدّم منه رئيس طاقم الأمن، وهو يحمل ورقة صغيرة، مجيباً: - تطوّر لم يكن في الحسبان. وضع الورقة أمامه، وتراجع عدة خطوات؛ فجذبها المسئول إليه، وطالعها في سرعة متوترة، قبل أن يغمغم في صوت مختنق، من فرط التوتر والانفعال: - متى حدث هذا؟! أجابه رجل الأمن، وهو ينافسه توتراً: - منذ ساعتين تقريباً، وهو يجلس مع (رشدي) الآن. انعقد حاجبا المسئول، وهو يردّد متسائلاً في توتر: - (رشدي)؟! أجابه رجل الأمن في سرعة: - (رشدي عبد الهادي).. المقدّم (رشدي)، ضابط أمن الدولة، في قسم شرطة ال.. قاطعه المسئول في عصبية: - ولماذا انتظر (رشدي) هذا ساعتين كاملتين، قبل أن يخبرنا بالأمر؟! أجابه رجل الأمن: - إنه لم يخبرنا حتى الآن.. تراجع المسئول في مقعده بحركة حادة، هاتفاً في غضب مستنكر: - لم يخبرنا؟! أسرع رجل الأمن يفسّر الموقف، قائلاً: - ضابط القسم هو من أبلغ الأمر؛ فالرجل ذهب ليتقدّم ببلاغ رسمي، وبدا أشبه بالمجنون، ثم تدّخل (رشدي)، واصطحبه إلى مكتبه في الطابق الثاني، ولما طال بهما الوقت، أبلغ الضابط الأمر، ليخلي مسئوليته. انعقد حاجبا المسئول في شدة، وراح يحّدق في الورقة أمامه في دهشة بالغة، قبل أن يرفع عينيه إلى رجل الأمن ثانية، قائلاً: - ومن أين أتى ذلك الرجل بما لديه؟! هزّ رجل الأمن رأسه، قائلاً: - لم نعلم بعد.. لقد قال للضابط إنه يعلم فحسب. عقد المسئول حاجبيه أكثر، وهو يقول في حدة: - هراء.. ثم التقط نفساً عميقاً، في محاولة فاشلة لتهدئة أعصابه، قبل أن يتابع في صرامة: - أجْرِ اتصالك بضابط أمن الدولة هذا، واطلب منه أن يغلق ذلك الملف لديه، ويحيل الأمر كله إلى.. لم يكمل عبارته، وبدا شديد الاستغراق في التفكير والحيرة؛ فتساءل رجل الأمن في حذر: - إلى مَن؟! تطلّع إليه المسئول في شيء من الحيرة، وتراجع يحكّ ذقنه بأصابعه في عصبية شديدة، قبل أن يسأل: -مَن مِن أمن الدولة يتعاون معنا في هذا الأمر؟ تلفّت رجل الأمن حوله، وكأنه يخشى أن يسمعه أحد، قبل أن يميل نحو المسئول، مجيباً في صوت، أقرب إلى الهمس: - العقيد (هشام). تساءل المسئول، في اهتمام متوتر: - (هشام حمزة)؟! أومأ رجل الأمن برأسه إيجاباً، وغمغم: - بالضبط. التقط المسئول نَفَساً آخر أشد عمقاً، ثم قال في حزم، أراد عبثاً أن يُخفي به توتره: - اتصل برقمه الخاص.. فوراً وتحرك رجل الأمن في سرعة.. وتوتر.. وقلق.. الكثير من القلق..
* * * "رشدي": هل سنعاود ذلك الحديث السخيف عن الرؤى؟! (رسوم فواز) فرك (رشدي عبد الهادي) عينيه في إرهاق واضح، وفرد ذراعيه إلى أقصاهما على جانبيه، قبل أن يعتدل مواجهاً (حاتم)، الذي بدا أكثر منه إرهاقاً، وهو يغمغم في توتر: - هل يمكنني العودة إلى منزلي؟! هزّ (رشدي) كتفيه، وقال: - أخبرني ما أريد معرفته، وستعود إليه فوراً. قال (حاتم) في عصبية: - ليس لديّ ما أخبرك به. سأله (رشدي) في اهتمام: - وماذا عن واقعة الاغتيال؟! أجابه (حاتم) في عصبية أكثر: - إنه مجرّد حادث قطار. تراجع (رشدي) في دهشة، وهو يقول: - ولكنك قلت إن.. قاطعه (حاتم) في حدة: - هَوَس.. مجرّد هوس وهلوسة.. لقد أصدرت حكومتكم بياناً رسمياً؛ فمن أنا لأخالفهم؟ تطلّع إليه (رشدي) لحظات في صمت، ثم مال نحوه كثيراً، وهو يقول في بطء: - عجباً ّ.. ولكن (رمزي الجيار) كان ضمن ركاب القطار بالفعل. ردّد (حاتم) وكأنه يسمع الاسم لأوّل مرة: - (رمزي الجيار)؟! اعتدل (رشدي)، وهو يقول في حزم: - لقد سافر دون إعلان، على الرغم من أنه أكبر زعيم للمعارضة في (مصر)، والمنافس الأخطر للرئيس، في الانتخابات القادمة. ردّد (حاتم) في شرود، وكأنه يستعيد ذاكرة ما: - (رمزي الجيار)؟! ثم رفع عينيه إلى (رشدي)، مستطرداً في هلع: - لقد اغتالوه لهذا السبب. عاد (رشدي) يميل نحوه في حركة حادة، قائلاً في صرامة: - قلت (اغتالوه). هزّ (حاتم) رأسه في قوة، وهو يقول في انفعال: - لقد تذكّرت فجأة أن.. ثم بتر عبارته دفعة واحدة، واتسعت عيناه، وهو يحدّق في عيني (رشدي) اللتين حملتا التماعة ظافرة، جعلت (حاتم) يتراجع، ويطبق شفتيه بشدة؛ فابتسم (رشدي) وقال: - أخبرني بالضبط ما تذكّرته. صمت (حاتم) بضع لحظات، وهو يلعن تسرّعه، الذي جعله ينطق العبارة، ثم لم يلبث أن هزّ رأسه، قائلاً في عصبية: - ليس أمراً تذكّرته بالفعل، ولكن.. انعقد حاجبا (رشدي)، وهو يقول في صرامة: - هل سنعاود ذلك الحديث السخيف عن الرؤى؟! زفر (حاتم) في عصبية، وهو يقول: - ما الذي تريد سماعه بالضبط؟! أجابه (رشدي) في صرامة: - الحقيقة. قال (حاتم) في حدة: - إنها لا تروق لك. أجابه (رشدي) في غضب: - لأنها ليست الحقيقة. تراجع (حاتم)، وقلّب كفيه في استسلام، وهو يقول: - ليس لديّ سواها. بدا الغضب واضحاً، على وجه (رشدي) وهو يقول: - اسمع يا أستاذ (حاتم)، على الرغم من أنك تبغض كل حرف أنطق به معك؛ فإنني أحد أهدأ رجال أمن الدولة، وأكثرهم صبراً واحتمالاً، ولو انتقلت هذه القضية إلى ضابط آخر؛ فلن يمكنني أن أضمن لك أي شيء. ومال نحوه بشدة، عبر مكتبه، مضيفاً بكل الحزم والصرامة: - أي شيء على الإطلاق. امتقع وجه (حاتم)، وهو يحدّق فيه في ارتياع، قبل أن يغمغم: - ولكنك ترفض أساليب القهر والضغط. اعتدل (رشدي) في حركة حادة، وهو يقول: - ومن أدراك؟! أجابه في سرعة: - أنا أعرف تاريخك كله، و.. قبل أن يتم عبارته، انعقد حاجبا (رشدي) في شدة، وسحب مسدسه في حركة حادة سريعة، وصوّبه إلى رأسه.. ومع المفاجأة، أطلق (حاتم) شهقة قوية.. للغاية.