المخابرات البريطانية المعروفة باسم "إم آي 6" من أقوى المخابرات على مستوى العالم، ولعبت دورا هاما في هزيمة الألمان في الحرب العالمية الثانية، وكذلك سعت لاغتيال جمال عبد الناصر بعد تأميم قناة السويس عن طريق الشيكولاتة التي كان يحبها عبد الناصر، أو عن طريق جهاز التكييف من خلال وضع غاز الأعصاب به (فكرة رئيس الوزراء أنتوني إيدن)، أو عن طريق علبة سجائر تحتوي نبالاً مسممة، مصممة من طرف جهاز الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه، أو من خلال تسميم القهوة من خلال تلطيخ مادة التحلية الصناعية التي توضع له في القهوة (فكرة المخابرات الإسرائيلية)؛ لكن تم الرجوع عن هذه الأفكار خشية افتضاح الأمر. المهم قد يكون منطقيا أن تقوم المخابرات في أي دولة -بما في كذلك المخابرات البريطانية- بأنشطة استخباراتية خارج بريطانيا؛ لكن أن يتم تسخير جهاز المخابرات ضد المواطنين البريطانيين المسلمين تحديدا؛ لدرجة التخابر عن المرضى النفسيين، وكذلك معرفة الحالة الجنسية لهؤلاء المسلمين.. فهذا أمر فيه مبالَغة كبيرة.. خاصة بالنسبة للناحية الجنسية، هل الكبت ممكن أن يجعل الشخص متطرفاً، أم إن التجسس في هذه الحالة يجعل هناك ورقة ضغط تمسكها المخابرات ضد أي شخص مسلم يفكر ولو للحظة في القيام بأعمال عنف؟!! والله ممكن.. عارف إن الكلام مش منطقي، وأنه اعتداء على الحياة الشخصية للمواطن البريطاني في هذا البلد الذي يتشدق دائما بأنه أساس النظام البرلماني على مستوى العالم، والذي يجعل الملك يملك ولا يحكم، ويجعل رئيس الحكومة مسئولا أمام البرلمان الذي ينتخبه الشعب.. يعني المواطن في النظام البريطاني نظريا هو الأساس، وهو الذي يختار الحكومة، وهو الذي يعزلها عن طريق نوابه.. لكن ما يحصل الآن هو فضيحة وضربة قاضية لهذه الحكومة البريطانية التي تزعم بأن بريطانيا هي أساس الديمقراطية.. أكبر فضيحة في تاريخ بريطانيا لذا كان الوصف الأقرب لما يحدث ضد المسلمين في بريطانيا (2.5 مليون من إجمالي 60 مليون) هو أنه فضيحة بكل المقاييس.. هذا الكلام مش من عندي؛ ولكن صرحت به منظمة "ليبرتي" للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات المدنية في بريطانيا؛ حيث اعتبرته أكبر برنامج تجسس عرفته بريطانيا في الأزمنة الحديثة، والأكثر إهانة للحريات المدنية؛ خاصة بعدما رصدت له الحكومة 140 مليون جنيه إسترليني (يعني أكثر من مليار جنيه) وهو مبلغ ضخم جدا؛ مما دفع هذه المنظمة إلى التفكير في رفع دعوى قضائية ضد الحكومة بتهمة إساءة استخدام هذا البرنامج الذي يفترض أساسا أنه قائم على مساعدة المسلمين عبر تقديم المساعدات لهم من أجل إقامة مشاريع مفيدة؛ لكن حتى يتم تقديم هذه المشروعات يتم جمع معلومات تفصيلية عن الشخص، وقد يكون هذا أمراً منطقياً؛ لكن الشيء غير المنطقي هو جمع معلومات من العيادات النفسية والجنسية عن هؤلاء، والاحتفاظ بها حتى بلوغ أصحابها مائة عام.. مش عارف ليه.. مبررات واهية طبعا الحكومة أمام هذه الفضيحة عملت على تبرير الحصول على المعلومات بأنه إجراء روتيني، كما أن هذه المعلومات اختيارية.. طبعا هذا الكلام غير صحيح، كما أنها لا تزال تردد النغمة المشروخة بالحدث الإرهابي الذي تعرض له مترو أنفاق لندن في يوليو 2005، وأسفر عن مصرع 56 شخصاً من بينهم عدد من المسلمين.. والغريب أن هذه التصرفات البريطانية اللاديمقراطية التي تم الكشف عنها مؤخرا جاءت بعد فترة وجيزة (أقل من شهر) من المواجهات بين متطرفين بريطانيين معادين للإسلام من جماعتي "المدافعين عن اللغة الإنجليزية" وجماعة "أوقِفوا الإسلام في أوروبا" مقابل المسلمين البريطانيين؛ حيث رغب هؤلاء المتطرفون في منع المسلمين من دخول أحد المساجد، واستفزازهم بعبارات ولافتات مسيئة لهم، وعندها كان الحل في ضرورة تدخل الحكومة لمواجهة هؤلاء المتطرفين غير المسلمين.. لكن ما أقدمت عليه الحكومة مؤخرا معناه أن هذه الحركات المتطرفة حصلت على الضوء الأخضر من الحكومة لاستفزاز هؤلاء المسلمين، والاعتداء عليهم، وفي هذه الحالة لو قام المسلمون برد الاعتداء سوف يتهمون بالتطرف!. العنصرية البريطانية موجهة ضد مسلميها تجسس الأب على ابنه! الغريب في هذا الموضوع أن فكرة التجسس الأخيرة ليست هي الأولى ضد المسلمين كما يظن البعض؛ بل سبقتها محاولات تجسس أخرى؛ ولكنها فشلت؛ فقد طلبت الحكومة قبل سنتين من المدرسين في المدارس بأن يتجسسوا على الطلاب؛ لكن رئيسة نقابة المعلمين رفضت ذلك، وقالت: نحن لسنا جواسيس.. كما طلبت الحكومة نفس الأمر من أساتذة الجامعات قبل أربع سنوات؛ لكنهم رفضوا أيضا، وحاولوا مع أئمة المساجد، وتم وضع كاميرات مراقبة على أبواب المساجد، ولقد وصل الأمر إلى أن طالب أحد وزراء الداخلية السابقين الآباء بأن يتجسسوا على أبنائهم (على فكرة الكلام مش من عندي؛ ولكن صرح به محمد كاظم صوالحة رئيس المبادرة الإسلامية في بريطانيا في أحد حواراته الفضائية).
إذن نحن أمام حالة من التجسس المستمر والمنظم ضد المسلمين بشتى طوائفهم، دون التمييز بين ناشط سياسي ومعارض أو حتى مريض نفسي أو طفل في مدرسة ابتدائية. اعتراض دولي هذه الممارسات البريطانية؛ كما أنها أصابت بعض منظمات حقوق الإنسان البريطانية بالضيق مثل مؤسسة ليبرتي؛ فقد أثارت حفيظة بعض المؤسسات الدولية؛ ومنها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي اتهمت بريطانيا العام الماضي بتجاهلها لتزايد الممارسات العنصرية الموجهة ضد مسلميها"، وطالبتها بالعمل على مواجهة هذه الظاهرة، والتخفيف من "صرامة" الإجراءات التي اتخذتها لمكافحة "الإرهاب"، والتي تستهدف بالدرجة الأولى المواطنين والمهاجرين المسلمين. كما أبدت اللجنة قلقها بشكل خاص من القرار الذي أقره البرلمان البريطاني في 11 يونيو 2008 بشأن تمديد فترة احتجاز المشتبه في صلتهم ب"الإرهاب" لدى الشرطة دون تهم من 28 يوما إلى 42 يوما. لكن من الواضح أن الحكومة البريطانية لم تستجِب لهذه النداءات، ومستمرة في تعنتها ضد هؤلاء المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم بريطانيين يُدينون بالولاء لدولة بريطانيا.. لكن هذا الاضطهاد والتمييز قد يجعل من بعضهم –خاصة الشباب- عرضة للتأثر بأي آراء متطرفة.. وحينئذ لا تلوم الحكومة إلا نفسها.