"لا شك أنني سعيدة للغاية، ليس للفوز بمبارة في كرة القدم، ولكنني أرى علم إسبانيا اليوم مرفوعا في كل أنحاء البلاد، وهو ما يشير إلى أن إسبانيا قد تعرف معنى أن تكون دولة موحّدة"، هكذا كان تعليق "ليزا ابند" المحللة السياسية المعروفة في إسبانيا على فوز منتخب بلادها بكأس العالم. فعلى الرغم من أهمية الحدث الكروي فإن فوز إسبانيا به لم يقتصر على الحصول على الكأس، فمقاطعات مثل كتالونيا والباسك التي تسعى للانفصال عن حكم الملك والحكومة الإسبانية في مدريد اعتبرت الكرة بالنسبة لها رمزا للوحدة التي يفتقدونها في إسبانيا مع تمزّق الأقاليم وتعدّدها. فلكل من إقليمي كتالونيا والباسك لغة منفصلة عن اللغة الإسبانية، كما أن الكثير من أبناء المقاطعتين يردون بلا تردد حال سؤالهم عن انتمائهم بأنهم "كتالونيون" أو "كتالونيون إسبان" ولكنهم لا يردون أبدا بأنهم "إسبان" أو "إسبان كتالونيون" وهو ما يدل على ترتيب انتماءاتهم، ويبرر تعصبهم الكبير لكل رموز مقاطعتهم وعلى رأسها فريق الكرة "برشلونة". فقبل المبارة النهائية لكأس العالم بيوم تظاهر مئات آلاف الكتالونيين (قدّرتهم السلطات العام ب60 ألفا فقط، والمطالبون بالانفصال ب1.1 مليون) لكي ينددوا بقرار المحكمة العليا الإسبانية التي قضت بأنه لا يجب على الكتالونيين أن يطلقوا على أنفسهم لفظ "أمة" كما أنه ليس لهم أن يكون لهم نشيد مستقل أو علم أو أي رمز من رموز الاستقلال، وذلك على الرغم من تمتّعهم بشكل من أشكال الحكم الذاتي، إلا أن المؤكد أن ما يزيد على المليون كتالوني اندفعوا إلى الشوارع للاحتفال بفوز إسبانيا بكأس العام، ورفعوا الأعلام الإسبانية "منفردة" دون أن تكون مصحوبة بعلَم مقاطعة "كتالونيا". ووصل الأمر إلى حد إطلاق لفظ "الموحِّد" على المدير الفني للمنتخب الإسباني "ديل بوسكي"؛ حيث إن الأخير ساهم باختيار تشكيلة يغلب عليها عناصر فريق برشلونة الإسباني في زيادة شعور الانتماء بين الكتالونيين للوطن الأم إسبانيا، وهو ما أشارت إليه صحيفة "ماركا" بقولها: "ديل بوسكي" "المدريدي" (كان مدربا لريال مدريد في السابق) يقود فريقاً كتالونياً في معظم عناصره من أجل مجد إسبانيا". وتصرد مجلة "تايم" الأمريكية مشهدا فريدا للمشجعين الإسبان يتمثل في مشجع من أصل بنجلادشي وآخر من أصل صيني وثالث من أصل باكستاني جميعهم يشاهدون المباراة في مطعم في مدريد، ومع تصدي كاسياس (حارس مرمى إسبانيا) لانفراد من مهاجم هولندا أرين روبن ينتفضون جميعا مهنئين بعضهم البعض، وتشير المجلة أنه إذا كان تأثير المباراة قويا بهذا الشكل على المجنسين في إسبانيا فإن تأثيرها على الإسبان الساعين إلى الانفصال أقوى كثيرا. الجدير بالذكر أن المنتخب الفرنسي واجه انتقادات بالعنصرية لرفض المدير "دومينيك" الاعتماد على أبناء المهاجرين في المنتخب باستثناء "ريبيري"، وبالعكس فيما يتعلق بألمانيا وإسبانيا التي قال بعض المحللين السياسيين إن النتائج الايجابية التي حققها المنتخبان كانت نتيجة لتفادي النزعة العنصرية في كلا المنتخبين؛ حيث ضم المنتخب الألماني لاعبين من أصول أفارقة وبولنديين وغيرهم (11 لاعبا) واحتوى منتخب إسبانيا على لاعبِين من كافة أقاليم البلد. واللافت هنا أن الكثير من ساكني مقاطعة كتالونيا ومعها الباسك لم يكونوا يعترفون بملك إسبانيا أساسا، غير أن فوز منتخب إسبانيا بالكأس جعلهم يرفعون صوره، وهو ما جعل أحد المعلّقين يقول إن أحد أبناء إقليم كتالونيا الأصليين (اللاعب أندرياس إنيستا) جعل ملك إسبانيا محبوبا من أبناء مقاطعة لو حاول الملك معها 100 عام لم يكن لينجح في جعلها تنجذب له، ليصبح هدف إنيستا هو أهم هدف "سياسي" في التاريخ.