التعليم العالي: تكليف الدكتور أيمن فريد بتسيير أعمال قطاع الشئون الثقافية    استثمارات سعودية جديدة في مجال الفنادق بمصر    تأكيد مشاركة 45 وزيرًا و70 رئيس مدينة حتي الآن.. تفاعل دولي ومحلي واسع لاستضافة مصر المنتدى الحضري العالمي 4 فبراير المقبل لتدشين حقبة جديدة للتنمية العمرانية    البنك المركزي يربط سيولة بقيمة 848.4 مليار جنيه من 28 بنكا في السوق المحلي    بنك التنمية الصناعية يمنح شركة تساهيل قرض معبري بقيمة 900 مليون جنيه    الخطوط الجوية البريطانية تلغي رحلاتها إلى تل أبيب في أعقاب التصعيد الأخير    وزير الخارجية يبحث مع نظيرته الألمانية سبل نفاذ المساعدات الانسانية لغزة دون أي عوائق    سلوت يعلن غياب أليسون عن مباراة وست هام في كأس الرابطة الإنجليزية    سفر الزمالك ومحاضرة أهلاوية وإعلان مواعيد مباريات إفريقيا| نشرة الرياضة ½ اليوم 24-9-2024    وزارة الرياضة تنفذ سلسلة من الأنشطة المتنوعة للنشء بمراكز الشباب    إخلاء سبيل إسلام بحيري من قسم شرطة مصر القديمة    أهالي "كفر الأشقم" بالشرقية يسغيثون: بقالنا 3 سنين من غير مياه | صور    وزير الثقافة يجدد ل خالد جلال رئيسا لقطاع الإنتاج الثقافي    الطاهرى: طاقم "القاهرة الإخبارية" فى بيروت يوزع المياه لنازحى الجنوب.. فيديو    هيئة الكتاب تشارك ب500 عنوان فى معرض الكتاب بنقابة الصحفيين    مريم الجندي: الاختيار 2 أهم خطوة في مسيرتي    وزير الثقافة يُكرّم السوبرانو المصرية العالمية «فاطمة سعيد»    منظمة الصحة العالمية | 30 ألف حالة اشتباه ب«جدري القردة» في إفريقيا    «100 يوم صحة» قدمت 85 مليون و960 ألف خدمة مجانية خلال 54 يوما    مجلس الوزراء: الموافقة على إنشاء 10 كليات أهلية    «المؤتمر»: مصر أول دولة إفريقية تستضيف المنتدى الحضري العالمي منذ 20 عاما    أحمد عيد عبدالملك يحذر لاعبي الزمالك من «خدعة كولر»    بكتيريا «الإيكولاي».. انتبه لأطفالك في المدرسة    رئيس جامعة القاهرة: لدينا علاقات قوية مع الجامعات الصينية ونبحث تبادل الزيارات والبرامج المزدوجة    وزير العمل: مصر تدعم كل عمل عربي مشترك يؤدي إلى التنمية وتوفير فرص العمل للشباب    اتحاد الكرة يعلن عن تشكيل الجهاز الفني لمنتخب الشباب بقيادة روجيرو ميكالي    تين هاج: أنا مشجع لفريق تفينتى ولم أرغب فى مواجهته    لصحة أطفالك.. فوائد ممارسة الرياضة أثناء الدراسة    المشاط تلتقي ممثلي «منتدى الشباب» ضمن قمة المستقبل 2024 بنيويورك    رابط إعلان نتيحة تقليل الاغتراب والتحويلات لطلاب الشهادات الفنية 3 و5 سنوات    وزيرة التضامن تتوجه إلى جنيف للمشاركة في فعاليات الدورة ال 57 لمجلس حقوق الإنسان    وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لمصر ولن نسمح لأي دولة بالتصرف وفق أهوائها    بالأسماء.. 11 مصابًا في تصادم ميكروباصين ونصف نقل على زراعي البحيرة    المواطنة والهوية الوطنية.. كيف تؤثر القيم الإنسانية في مواجهة الفكر المتطرف؟    «إلغاء الوجبات المجانية على الطائرات».. توجه عالمي لشراء المأكولات قبل السفر (تفاصيل)    الجيزة تزيل 13 كشك و"فاترينة" مقامة بالمخالفة بالطريق العام في المنيب    الشلماني يثير حفيظة القطبين قبل موقعة السوبر    CNN: استراتيجية ترامب فى إثارة مخاوف الناخبين بشأن الاقتصاد تحقق نجاحا    طقس الفيوم.. انخفاض درجة الحرارة والعظمى تسجل 33°    عاجل| السيسي يصدر توجيها جديدا بشأن تنمية جنوب سيناء    حبس عاطل ضبط وبحوزتi مواد مخدرة قبل ترويجهم على المتعاطين بالمنوفية    ميرنا وليد وبناتها يخطفن الأنظار في حفل ختام مهرجان الغردقة (صور)    صوت الإشارة.. قصة ملهمة وبطل حقيقي |فيديو    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي التخصصي    ضبط مخزن في طنطا لإعادة تعبئة المبيدات الزراعية منتهية الصلاحية باستخدام علامات تجارية كبرى    النزلات المعوية.. مستشار الرئيس: نستنفر لخدمة المرضى دون تأخير.. ده واجب قومي علينا    ضغوطات وتحديات في العمل.. توقعات برج الحمل في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    وزير الخارجية: لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية دون أمن واستقرار    العراق يمنح سمات الدخول إلى اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية    شوبير يعلق على قائمة الأهلي للسوبر الأفريقي: لا صحة لوجود حارسين فقط    الإسماعيلي ينتظر رد «فيفا» اليوم لحسم ملف خليفة إيهاب جلال (خاص)    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    جيش الاحتلال الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوى جنوب وشرق حيفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية على طريقة إيتالو كالفينو
نشر في صوت البلد يوم 19 - 10 - 2016

"تبدأ القصة في محطّة سكة حديد، قاطرة تنفث بخاراً من محركها لتغطي فاتحة الفصل، وسحابة دخان تحجب جزءاً من الفقرة الأولى. في رائحة المحطّة نفحات عابرة من عبق مقهاها. شخص ما ينظر عبر الزجاج المغبش، يفتح الباب الزجاجي للحانة، كل شيء مضبّب في الداخل أيضاً، كما لو كان يرى بأعين قصيرة النظر، أو بعيون مهتاجة بغبار الفحم".
المقطع من رواية إيتالو كالفينو (1923- 1985) المتفرّدة في بنيتها وسردها "لو أن مسافراً في ليلة شتاء"؛ نصوص مفتوحة على تأويلات متعددة، بلا حبكة أو بداية تبدو معها الرواية فناً بصرياً، الصفحات فيها ليست نوافذ موصدة، بل إن الرواية تعدُّ نمطاً تجريبياً ما بعد حداثي، ليس فقط عند صدورها لأول مرة عام 1979 ولكن حتى وقتنا الحالي.
ولد صاحب "مدن لا مرئية"، في 15 تشرين أول/ أكتوبر 1923 في سانتياغو لاس فيجاس إحدى ضواحي هافانا في كوبا، لأب يعمل مهندسا زراعياً وأم عالمة نباتات، وبعد وقت قصير من ولادته عاد الوالدان إلى إيطاليا، واستقرّت العائلة في مدينة ليغوريا.
لم يستكمل كالفينو دراسة الهندسة الزراعية، في "جامعة تورينو"، كما كان مقرّراً، فبعد الاحتلال الألماني لمدينته في شمال إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية ترك الجامعة وبدأ الشاب أولى تجاربه في الكتابة، حيث نشر أول أعماله القصصية التي كان محورها الحرب، ثم عاد لاحقاً ليلتحق بالجامعة لدراسة الأدب، وفي العام 1940، انضم صاحب "الفيسكونت المشطور" إلى الحزب الشيوعي في بلاده.
يمكن القول إن الحياة الأدبية لكالفينو بدأت بعد الحرب، عندما انتقل إلى مدينة سان ريمو، مدينة المثقفين المناهضة للفاشية. بين 1940 و1950، ظلّ يكتب أعمالاً أدبية واقعية؛ حيث نشر ثلاثية "أسلافنا"، التي يقول صاحبها ألاّ رابط يجمعها، غير أن كلّ رواية منها، تدور في تاريخ وحقبة مختلفة، لتعرّفنا على الجوانب الخفية في حياة الإنسان الأوروبي.
بعد انتقال الكاتب إلى باريس في الستينيات، تغيّر أدبه، لا سيما وقد جمعته صداقة مع رولان بارت، وكلود ليفي ستراوس، فبدأ في التحوّل إلى التجريب، والبُعد عن الهياكل التقليدية في السرد، وفي الأعمال التي كتبها بعد هذا التاريخ، تظهر، تجريبية كالفينو وتكسيره لأنماط السرد المتعارف عليها، كما تظهر سخريته من الأوساط الأكاديمية، مثلما في بعض أجزاء من روايته "لو أن مسافراً في ليلة شتاء".
يُعرّف كالفينو نفسه كروائي يكتب النثر بطريقة الشعر، يعمل على بناء نص كبير، من تداخل مجموعة من النصوص القصيرة، حتى تصبح سلسلة، يبدو هذا بوضوح في كتابه "مدن لا مرئية"، الذي يراه كالفينو مجموعة مترابطة من قصائد النثر، بالرغم من تصنيفها كرواية.
بنى كالفينو "مدن لا مرئية" التي نشرت عام 1972، من سلسلة حوارات متخيّلة، بين الرحالة ماركو بولو وإمبراطور التتار قوبلان خان، وفيها يصف ماركو بولو بعض المدن، وبالرغم من استخدامه للشخصيات التاريخية، وتنقله بين مدن متعدّدة، إلا أن الرواية يصعب تصنيفها كأدب تاريخي، وتظلّ خارج التصنيفات المألوفة.
في مقدّمته لترجمة رواية "لو أن مسافراً في ليلة شتاء"، يعرض لنا المترجم حسام إبراهيم، رؤية كالفينو للإنسان المعاصر "ممزق ومنقسم وغير مكتمل".. فإذا كان الكمال يخفي_ في ثناياه_ فشل أي شكل كامل أو تام، في عالم ناقص، فإن الشكل لا بدّ أن يكون ناقصاً، مشطوراً، مبتوراً، منقسماً، ومتشظياً أحياناً. فهل نقول إنه الشكل المناسب للتعبير عن واقع إنساني مستلب، فربما يسعى كالفينو، عبر إدراكه لهذا النقص الجوهري، في الوصول إلى صيغة جديدة للكمال.
"تبدأ القصة في محطّة سكة حديد، قاطرة تنفث بخاراً من محركها لتغطي فاتحة الفصل، وسحابة دخان تحجب جزءاً من الفقرة الأولى. في رائحة المحطّة نفحات عابرة من عبق مقهاها. شخص ما ينظر عبر الزجاج المغبش، يفتح الباب الزجاجي للحانة، كل شيء مضبّب في الداخل أيضاً، كما لو كان يرى بأعين قصيرة النظر، أو بعيون مهتاجة بغبار الفحم".
المقطع من رواية إيتالو كالفينو (1923- 1985) المتفرّدة في بنيتها وسردها "لو أن مسافراً في ليلة شتاء"؛ نصوص مفتوحة على تأويلات متعددة، بلا حبكة أو بداية تبدو معها الرواية فناً بصرياً، الصفحات فيها ليست نوافذ موصدة، بل إن الرواية تعدُّ نمطاً تجريبياً ما بعد حداثي، ليس فقط عند صدورها لأول مرة عام 1979 ولكن حتى وقتنا الحالي.
ولد صاحب "مدن لا مرئية"، في 15 تشرين أول/ أكتوبر 1923 في سانتياغو لاس فيجاس إحدى ضواحي هافانا في كوبا، لأب يعمل مهندسا زراعياً وأم عالمة نباتات، وبعد وقت قصير من ولادته عاد الوالدان إلى إيطاليا، واستقرّت العائلة في مدينة ليغوريا.
لم يستكمل كالفينو دراسة الهندسة الزراعية، في "جامعة تورينو"، كما كان مقرّراً، فبعد الاحتلال الألماني لمدينته في شمال إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية ترك الجامعة وبدأ الشاب أولى تجاربه في الكتابة، حيث نشر أول أعماله القصصية التي كان محورها الحرب، ثم عاد لاحقاً ليلتحق بالجامعة لدراسة الأدب، وفي العام 1940، انضم صاحب "الفيسكونت المشطور" إلى الحزب الشيوعي في بلاده.
يمكن القول إن الحياة الأدبية لكالفينو بدأت بعد الحرب، عندما انتقل إلى مدينة سان ريمو، مدينة المثقفين المناهضة للفاشية. بين 1940 و1950، ظلّ يكتب أعمالاً أدبية واقعية؛ حيث نشر ثلاثية "أسلافنا"، التي يقول صاحبها ألاّ رابط يجمعها، غير أن كلّ رواية منها، تدور في تاريخ وحقبة مختلفة، لتعرّفنا على الجوانب الخفية في حياة الإنسان الأوروبي.
بعد انتقال الكاتب إلى باريس في الستينيات، تغيّر أدبه، لا سيما وقد جمعته صداقة مع رولان بارت، وكلود ليفي ستراوس، فبدأ في التحوّل إلى التجريب، والبُعد عن الهياكل التقليدية في السرد، وفي الأعمال التي كتبها بعد هذا التاريخ، تظهر، تجريبية كالفينو وتكسيره لأنماط السرد المتعارف عليها، كما تظهر سخريته من الأوساط الأكاديمية، مثلما في بعض أجزاء من روايته "لو أن مسافراً في ليلة شتاء".
يُعرّف كالفينو نفسه كروائي يكتب النثر بطريقة الشعر، يعمل على بناء نص كبير، من تداخل مجموعة من النصوص القصيرة، حتى تصبح سلسلة، يبدو هذا بوضوح في كتابه "مدن لا مرئية"، الذي يراه كالفينو مجموعة مترابطة من قصائد النثر، بالرغم من تصنيفها كرواية.
بنى كالفينو "مدن لا مرئية" التي نشرت عام 1972، من سلسلة حوارات متخيّلة، بين الرحالة ماركو بولو وإمبراطور التتار قوبلان خان، وفيها يصف ماركو بولو بعض المدن، وبالرغم من استخدامه للشخصيات التاريخية، وتنقله بين مدن متعدّدة، إلا أن الرواية يصعب تصنيفها كأدب تاريخي، وتظلّ خارج التصنيفات المألوفة.
في مقدّمته لترجمة رواية "لو أن مسافراً في ليلة شتاء"، يعرض لنا المترجم حسام إبراهيم، رؤية كالفينو للإنسان المعاصر "ممزق ومنقسم وغير مكتمل".. فإذا كان الكمال يخفي_ في ثناياه_ فشل أي شكل كامل أو تام، في عالم ناقص، فإن الشكل لا بدّ أن يكون ناقصاً، مشطوراً، مبتوراً، منقسماً، ومتشظياً أحياناً. فهل نقول إنه الشكل المناسب للتعبير عن واقع إنساني مستلب، فربما يسعى كالفينو، عبر إدراكه لهذا النقص الجوهري، في الوصول إلى صيغة جديدة للكمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.