"كانت عراقة مصر تواجه بنفس الحماس الذي تواجه به معجزات الكتاب المقدس".. هذا ما أكده كتاب "أوروبا والآثار المصرية"، لمؤلفه الإنجليزي بيتر فرانس والذي يتناول سرقة الآثار المصرية، وفترة الهوس الأدبي والعلمي والأساطير الغامضة والأسرار المجهولة والكنوز المدفونة ومحاولة فك طلاسمها . يبدأ المؤلف - عبر ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم - بحملة نابليون بونابرت علي مصر، معتبرًا إياها السبب وراء إخراج مصر من هالتها الأسطورية إلي واقع التاريخ البشري الحقيقي ومن ثم إلي "ساحة للنهب".. لافتًا إلي أن بونابرت كان يري أن مهمته مهمة لنشر الحضارة والتسامح الديني . ومن أجل هذا الغرض الظاهر أنشأ معهد مصر علي غرار معهد فرنسا، واختار شخصًا يدعي "بارون دومينيك فيفان دينون" ممثلًا له .. وظلت آثار مصر تذهل دينون هذا، خاصة معمار معبد دندرة . ويضيف: ورغم إخفاق الفرنسيين في إنشاء إمبراطورية لهم في مصر، إلا أن مغامراتهم انتهت إلي فتح أبواب مصر مشرعة لأبحاث المؤرخين وعلماء الآثار، لذا يؤكد فرانس أنه خلال تلك الآونة بدأ نهب الكنوز المصرية بدايته الجادة . ويستطرد: وما إن استقرت السلطة في يد محمد علي باشا، حتي بدأ تحويل مصر إلي دولة حديثة، الأمر الذي استدعي إنشاء القنصليات التي كانت في واجهتها تحمي مصالح الأجانب في مصر، وعمليا كانت معاقل سرقة الآثار المصرية، إذ أسس ممثلو تلك القنصليات ما أطلق عليه المؤلف "بدعة الأنشطة غير القنصلية"، وعلي رأسها جمع الآثار . وكان من أبرز هؤلاء القنصل الفرنسي بيرناردينو دروفيتي، الذي تولي أعمال التنقيب في وادي النيل، والذي أيضا أثناء عمله في مصر كدس مجموعة كبيرة من الآثار في منزله، وكان يبتهج بعرضها علي زواره، معلنا أنها في يوم ما سوف تثري متاحف باريس .. وكذلك هنري سولت ممثل القنصل البريطاني في مصر، الذي يقول عنه المؤلف: "فتح جهده للحصول علي دخل إضافي فصلا جديدا في قصة علم المصريات" . ويعرج الكتاب - بإسهاب - إلي أعمال النهب الخاصة بشخصية أخري شهيرة في علم المصريات، وهي "جيوفاني باتيستا بيلزوني"، المعروف والموصوف في الكتاب ب"عملاق التمثيل الصامت"، و"رجل السيرك القومي" . والذي بفضل جهوده - بحسب وصف الكتاب - أصبح المتحف البريطاني من أغني مستودعات الآثار في العالم. ويسرد فرانس مواقف قراصنة الآثار ورجالات تجارة الآثار، وكيف كانوا يرون عملهم أنه بمثابة فريضة أو تحقيق لواجب وطني!.. فحسبما يؤكد المؤلف، فقد دخلت أخلاقيات جديدة في وادي النيل اعتبرت السرقة صوابا، مادام أن دافع اللصوص لم يكن الرغبة في الكسب الشخصي، وهو ما أطلق عليه المؤلف "النهب غير الأناني".. لافتًا إلي أن أهم ما يجب الانتباه إليه هو حتمية اتجاه الأزهر الشريف إلي إدراج أو إدماج مقررات الآثار المصرية والتاريخ المصري القديم في مقرراته عن تاريخ الأديان. "الهوس بالآثار بمصر وصل إلي درجة الموضة، إضافة إلي الجهل بالآثار رغم التكالب عليها"، هذا ما خلص إليه المؤلف.. ويوضح: "لم يكن أطراف النزاع الذي دار حول الآثار المصرية، يعرفون علام يتصارعون، فقد كان الجميع يري التماثيل ويجهلون لمن تكون"!