لقطات عن قرب لأدق تفاصيل حياة ومرجعيات المولعين بآثار مصر عبر القرون، أتاحها استعراض هذا الكتاب المرجع والمهم في علم الآثار والصادر لدي الهيئة العامة للكتاب. أما اللافت فعلا أن يضطلع باحث غربي بهذا التوثيق التاريخي لقصة سرقة الآثار المصرية منذ الحملة الفرنسية وحتي اليوم. بل يتبني الجانب المصري وينبه إلي ضرورة التمسك بحق الحفاظ علي الآثار وحمايتها وترميمها. الحكايات التي يسوقها بيتر فرانس في كتابه "أوروبا والآثار المصرية" مسلية رغم كارثيتها، بعدما تعرفنا الأسبوع الماضي علي تداعيات عين "المحب" التي سطت علي آثار مصر، التي اعتبر جامعوها لصالح متاحف العالم عملهم أداء لواجب وطني وليس سرقة، تأتي عين "الغيور"، يقول المؤلف: "كانت مصر حتي منتصف القرن التاسع عشر أرضا مباحة لجامعي الآثار والمتاحف المتنافسة"، كان رواد التنقيب عن الآثار يساومون الفلاحين والتجار في تنافس مفتوح بينهم. لقد تحدث واحد من المولعين بأسرار مصر القديمة عن أيام الرغد في مصر قبل صدور قانون حظر تصدير الآثار بفضل جهود الفرنسي أوجست ماريت قائلا: "كانت تلك الأيام هي أيام التنقيب العظيمة، إذ كان في وسع الشخص أن يمتلك أي شيء يشعر برغبة في امتلاكه". هنا نقترب أكثر من حكاية ماريت، الذي شغل كما هو معروف منصب مدير آثار مصر عام 1858، وهو الذي أنشأ مصلحة حماية الآثار ومتحف بولاق، وشهد في حياته افتتاح قناة السويس وأوبرا عايدة، والكتاب يحكي كيف بدأت نظرات الحقد والغيرة تأكل قلوب من كان ينظر إلي ماريت باعتباره وصوليا، حيث أخذ علي عاتقه منع جميع أعمال التنقيب ماعدا ما يقوم به هو، ومن ثم قطع عليهم أبواب الرزق، إلا أن الحكومة المصرية لم تنس فضل ماريت علي آثارها كما يذكر الكتاب، وأقامت بجانب مقبرته داخل حديقة متحف بولاق، تمثالا من البرونز مكتوب عليه: "ماريت باشا، عرفانا من مصر". علم الآثار أيضا لا يعرف العواطف، تحت هذا العنوان خصص هذا الفصل من الكتاب لاستعراض قصة عالم المصريات البريطاني صامويل بيرش، وننتقل من تفاصيل عمله في جمع الآثار هو الآخر، يحيلنا المؤلف إلي تعليق آخر من أحدهم بعد زيارته مصر: "كانت الحياة في طيبة مليئة بالتناقضات، إذ كان السائحون يقضون الصباح في دراسة المعابد، أما المساء فكان لتصيد الكنوز الممنوعة". لعبة ملاحقة الآثار التي كان الأجانب يرون فيها لذة والسبب غريب، لأنها كانت لعبة محظورة وغير قانونية، ربما زاد هذا من استمتاعهم بها، هنا بدا فضل الآثار المصرية علي الغرب، لقد أثرت متاحفهم وعقولهم، وامتعت فضولهم في التنقيب. يقول المؤلف: "كان المنقبون يدركون ما لعلم الآثار المصرية من جاذبية حتي قبل أن يتحول التاريخ المصري إلي ميدان للدراسة في الدوائر الأكاديمية الأوروبية". وفي المقابل تنفي متاحف أوروبا وأمريكا هذا الفضل وتدعي العكس، أنها قدمت ملاذا آمنا للكنوز المصرية من عبث المصريين!