يرى المتتبعون لمجموعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية أن أبرز ما حدث، بعد ما سمي بثورات الربيع العربي، التي حملت تلك المجموعات إلى الحكم في بعض الدول، هو سقوط جماعة الإخوان المسلمين التي تحولت سريعا إلى الخاسر الأكبر من الربيع العربي، وذلك بعد فقدانها السلطة في مصر وتراجع مؤيديها والمتعاطفين معها، وحتى تخلي بعض حلفائها الإقليميين عنها. صار الطلب على إرساء أسس الدولة مطلبا شعبيا لدى كثير من شعوب العالم العربي، وليس فقط في مشهد الرئاسة المصرية الحالي، حيث ترتفع أسهم وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي نظرا إلى الإجماع الذي حظي به لحماية مصر من الإرهاب والفوضى اللذين تسببت فيهما حركة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر. وقد اتفق الكثير من الباحثين على الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية آنذاك بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي في إضعاف شوكة الإخوان المسلمين إلى أن أصبحوا تنظيما محظورا في مصر وفي الشرق الأوسط ودول الخليج العربي باستثناء قطر. يقول هاني نسيرة في تحليل له عن وضع الجماعة إنها وجدت نفسها في مأزق صنعته، وذلك في طريقة تعاطيها مع 30 يونيو ومع المسار بعده، والذي أدى إلى توجه دول عربية وغربية إلى حظر أنشطة الجماعة على أراضيها، أو التوجه والتفكير في ذلك، شأن ما كان من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الأول من أبريل الجاري، بفتح تحقيق حول جماعة الإخوان المسلمين، بناء على تقييم قُدم له من الأمن الداخلي والمخابرات البريطانية عن احتمال ضلوع الجماعة في قتل 3 سياح في حادث إرهابي استهدف حافلة في مصر. وخلال الأيام الأولى من نفس الشهر قرر البرلمان الكندي تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية، بأغلبية مطلقة، وقد سارعت جماعة الإخوان المسلمين ردا على التوجه البريطاني، بإصدار بيان تؤكد فيه سلمية مبادئها ومرجعياتها المنشورة والمعلنة، وأنها تستنكر العنف دائما، وتبدي استعدادها للتعاون مع كافة الجهات من أجل تأكيد ذلك، واتهمت ما تصفه بالانقلاب العسكري والحملات الإعلامية التي تسعى إلى تشويه صورتها التي تراها سلمية. بعد الحراك الشعبي في 30 يونيو الذي أنهى رسميا حكم الإخوان المسلمين، وعزل رئيسها السابق محمد مرسي بعد عام من ولايته ، ومحاكمته مع عدد من قيادات الجماعة، سعت الجماعة وأنصارها، إلى محاولة إسقاط المسار والدولة معه، بطريقة أكثر عنفا ودموية من احتجاجات 25 يناير و30 يونيو، وهو ما عبر عنه عاصم عبد الماجد القيادي في الجماعة الإسلامية المصرية والمقيم الآن في قطر في 9 أكتوبر سنة 2013 بقوله:”سنلاعب الانقلابيين ونرهقهم حتى يفلت الزمام من أيديهم وتنهار مؤسسات الدولة جميعًا”. يلاحظ في الشهور الأخيرة تراجع عدد الاشتباكات والعمليات وعدد الضحايا من قوات الأمن، نظرا إلى الضربات التي وجهها الأمن المصري إلى تنظيم الإخوان وقياداته، وكذلك إلى تنظيم بيت المقدس، وعودة هيبة الدولة بعد إقرار دستور 2013 بنسبة عالية. وحسب تقرير مركز دوتش فيله فإن جماعة الإخوان المسلمين قد فقدت كل شيء، فقبل بضع سنوات وتحديدا مع انطلاق أول ثورة من ثورات ما عرف بالربيع العربي لم يكن يتوقع كثيرون أن تؤدي هذه الثورات إلى بروز نجم الإخوان في البلدان التي عرفت هذه الثورات وأن يتقوّى نفوذهم ويصلوا إلى سدة الحكم، وكان النموذج المصري الذي عرف صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة بعد عقود من العمل السري والسجن أقوى مثال في هذا السياق، لكن من ناحية أخرى لم يتوقع كثيرون أيضا أن تنتهي الفترة بسقوط الجماعة بتلك الصورة وبمتابعات وأحكام سجن ومطاردات لقياديها وأنصارها وتصنيفها تنظيما إرهابيا محظورا. رغبة الجماعة الإخوانية في السيطرة على الحكم وأخونة مفاصل الدولة قادتاها مباشرة إلى المصير المحتوم، فقد أشار التقرير إلى أن أكثر شيء يتم مؤاخذة الإخوان عليه بعد توليهم الحكم في مصر هو الاستئثار بالسلطة وتجاوز القوى المدنية وشباب الثورة، بالإضافة إلى إعلاء مشروع الجماعة على حساب التعددية السياسية. ويقول زياد العليمي عضو سابق في مجلس الشعب المصري إن فقدان الحكم ليس أكبر خسارة للجماعة كما يبدو، لأن الخسارة الحقيقية هي رفض فئات كبيرة من الشعب المصري لها بعد فترة حكمها، نقطة قوة الجماعة سابقا كانت في أن رموزها يعملون في السر ولا يعرفهم الناس جيدا وكان الناس يتعاطفون معهم ضد بطش النظام، لكن بعدما عرفوهم جيدا سقطت تلك الصورة، ويلخص العليمي خسارة الجماعة في قوله إنها خسرت 85 سنة من العمل وكل شيء في سنة واحدة. وأشار التقرير إلى أن موقع الجماعة يبدو خارج مصر ضبابيا أيضاً، رغم أنها تحظى بدعم قطر وتركيا، لكن العزلة التي فرضتها مؤخرا الدول الخليجية على قطر بسبب موقفها من الإخوان جعل البعض يتوقع أن ترضخ الدوحة لهذه الضغوط في المستقبل القريب وتسحب دعمها العلني للإخوان، وفي إطار تعميق هذه العزلة صنفت السعودية، الجماعة على أنها تنظيم إرهابي، ما شكل ضربة أخرى قاسية إلى الإخوان.