يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين بدأت تعيد تريبب أوضاعها الداخية بعد ترشح المشير عبد الفتاح السيسي للرئاسة، في ظل ما يتردد حول تصاعد الخلاف داخل تحالف دعم الشرعية، الموالي للإخوان، حيث رحب تنظيم الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية بالحوار مع المرشح المحتمل المشير عبد الفتاح السيسي كونه المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن مازالت قيادات الصف الأول من الجماعة تحذر من أي خروج عن مبادئ تحالف دعم الشرعية، أو التصالح مع السيسي قبل الإفراج عن قيادات الجماعة المعتقلين منذ إطاحة المؤسسة العسكرية بالرئيس محمد مرسي عن الحكم، ويتردد داخل أروقة الجماعة حديث عن تولي الجيل الثاني إدارة شئون التنظيم، يحمل الإصلاحيون داخل الجماعة أفكار تهدف للانفتاح السياسي والتعاون مع أحزاب المعارضة الأخرى، والنظام السياسي القادم، حفاظاً على الجماعة من الانهيار ورغبة منهم في إيجاد طريقة يتم على أساسها تنحية قيادات الصف الأول المعتقلين حالياً باتهامات جنائية من مكتب الإرشاد، لكن كيف سيحدث ذلك والحكومة المصرية تضع جماعة الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية..؟ يجيب على هذا التساؤل المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر الأسبق، قائلاً: لا شك أن جماعة الإخوان المسلمين طوال تاريخها الممتد لأكثر من ثمانين عاماَ تعاني من أزمة سياسية طاحنة، تهدد وجودها على الساحة السياسية والشعبية في مصر، وبالتالي فإنها تريد الهدنة مع النظام السياسي القادم، لحماية الجماعة من الانهيار، ولكن من الناحية القانونية لا يجوز لقيادات الإخوان من الجيل الثاني إقامة انتخابات داخلية للجماعة، نظراً لأن المسمى الوظيفي للمرشد العام أو مناصب قيادات مكتب الإرشاد أو الأعضاء والمؤيدين جميعهم موضوعين على لائحة المنظمات الإرهابية، وبالتالي لابد من قرار سياسي أولاً برفع الحظر قبل إجراء الانتخابات الداخلية للجماعة، مؤكداً أنها لن تتردد في عقد صفقة سياسية مع المرشح المحتمل المشير عبد الفتاح السيسي كونه الأوفر حظاً في السباق الرئاسي، حتى تظل الجماعة داخل الحياة السياسية والشعبية، خاصةً وأنه من المتوقع أن تستمر الملاحقات الأمنية لأعضاء الإخوان خلال فترة ولاية السيسي، لأنهم حسب القانون إرهابيون. بينما يرى ثروت الخرباوي القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، أن الجماعة لها تاريخ طويل من الصفقات والمهادنات مع الأنظمة الحاكمة، على سبيل المثال بعد اغتيال محمود باشا فهمي النقراشي رئيس الوزراء الأسبق عام 1948، تنكر مؤسس الجماعة حسن البنا لهذا العمل والتفجيرات الأخرى، قائلاً: "إنهم ليسوا إخوان ولا هم مسلمون"، لكن في نهاية المطاف الإخوان تخلوا عن أنشطتهم العسكرية، واعتمدوا سياسة اللاعنف في مصر في هذه الحقبة، لكنهم عادوا إليها مجدداً منذ عام 1954، وظهر نمط جديد من أعضاء جماعة الإخوان ينتمي إلى القطبية (نسبة إلى سيد قطب) معادياً لجميع الحكام العسكريين في البلاد، من جمال عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك، وفي بعض الأحيان تم سجن الإخوان، وفي أحيان أخرى، سُمح لهم بمشاركة محدودة في العمل السياسي، كنوع من الضغط والقرب من الأنظمة الحاكمة، وأكد " الخرباوي "أنه مع مرور الوقت، ساعدت هذه الاستراتيجية في خلق حالة من الفصام السياسي داخل المنظمة، بين تيار يرحب بالتواجد في دائرة اللعبة السياسية، وتيار يتخوّف من مغبة المواجهة مع النظام الحاكم، لكن في جميع الأحوال كانوا يعرفون جيداً كيفية تشغيل الحملات الانتخابية، واستغلوا جيداً العمل الخيري على المستوى الشعبي، حيث عقدت الجماعة صفقات سياسية بعد ثورة 25 يناير من أجل الركوض نحو الرئاسة، ولكن شعبية الإخوان كانت في انخفاض مستمر، وغادر مرسي والإخوان الحكم في موقف لا تحسد عليه الجماعة، وبالتالي فإن الواقع يؤكد أن جماعة الإخوان لن تنتظر كثيراً في عقد صفقة انتخابية مع المشير السيسي حتى تظل داخل أروقة اللعبة السياسية. في حين يطرح د.كمال الهلباوي القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، التساؤل حول هل سيوافق السيسي على المصالحة مع الإخوان؟، يجيب قائلاً: أعتقد أن المصالحة السياسية في صالح الطرفين (الإخوان والسيسي)، فالجماعة تريد الحفاظ على نشاطها السياسي، والمشاركة بفاعلية في الانتخابات البرلمانية القادمة، والسيسي يريد أن تمر ولايته الأولى بهدوء بعيداً عن القبضة الأمنية، وتحقيق تطلعات الشعب، وأكد أن الطريقة الإخوانية التي تطورت منذ بداية ثورة 2011، تؤكد أنها جماعة ازدواجية في مواقفها وقراراتها السياسية، ففي الوقت الذي يصعّد فيه الإخوان وتيرة الاحتجاجات رفضاً لترشح السيسي، تدور خلف الكواليس وساطات سياسية داخل ما يسمى (تحالف دعم الشرعية) للحوار مع السيسي، باعتباره المرشح الأوفر حظاً عي الفوز بالمنصب الرئاسي، وليس من المستغرب أن يحدث ذلك، وهناك توقعات بإمكانية وجود تغييرات هيكلية داخل التنظيم ليعتلي قيادات الجيل الثاني ذمام الأمر، وتابع: يبدو لي، أن هذه التحركات ليست من قبيل المصادفة، وإنما لإنهاء قمع الدولة الأمني الذي لا يرحم، لافتاً إلى أن الإخوان سببوا الكثير من الأخطاء مع الأنظمة الحاكمة، سواء مع جمال عبد الناصر ( 1952-1954)، وأنور السادات ( النصف الأول من عام 1970)، ومبارك في بداية ولايته (1981)، وخلال هذه الأنظمة بحث الإخوان كثيراً عن حل وسط مع الحكومات المتعاقبة، وكانوا في حالة مهادنة تخلوا عن الشارع، بل كانت الجماعة تعرض خدماتها لإرضاء الأنظمة السياسية، وستظل الجماعة تلعب نفس الدور من أجل بقاء التنظيم والحفاظ على استمراريته. وفي رأي د. عبد الرحيم علي الخبير في شئون حركات الإسلام السياسي، ما يكمن وراء استراتيجية الإخوان في حوارها مع الأنظمة الحاكمة، قصر نظر سياسي، وتطلع للوصول إلى السلطة، ومع ذلك، الاستراتيجية السائدة عند قادة الإخوان بعد الإطاحة بالرئيس مبارك، لم تهدف إلى تغيير الوضع الراهن السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر، حيث كان الهدف الرئيسي ما يعرف ب"البرجوازية التقية"، بمعنى السعي لإرضاء الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتوفير الإسلاميين مصطلح (الليبرالية الجديدة)، وإعادة مفهوم الإدارة الاقتصادية، بالإضافة إلى عدم تجاوز الخطوط الحمراء على القضايا الاستراتيجية الحساسة، وأوضح أن جماعة الإخوان ليست غريبة على موجات القمع، والتاريخ قد ثبت بالفعل قدرة هذا التنظيم على تجاوز الأزمات السياسية مع السلطة، لكن في الوقت الحاضر تتعرض الجماعة لحملة لم يسبق لها مثيل، وبلا شك لن تتردد في الحوار وعقد صفقات سياسية من أجل العودة إلى الحياة السياسية، ويشير د.عبد الرحيم إلى أن العالم العربي الذي بدأ الانتفاضة الشعبية فيه عام 2011، سيظل متأرجحاً صعوداً وهبوطاً لعقود قادمة، لحين استقرار أنظمتها السياسية، وأعتقد أن المحرك لعملية التغيير لا يكمن في النخب أو الجهات الأجنبية، ولكن في الشعوب التي تحتج بشكل عفوي وتؤيد حركات سياسية متباينة، فتارة تؤيد الشعوب القوى الإسلامية، وتارة ترحب بالعودة إلى الأنظمة القديمة ولكن بوجوه جديدة، وهو ما ينطبق على المشير عبد الفتاح السيسي، وبالتالي لن تتردد قيادات الإخوان من الجيل الثاني في كسب ود الرجل من أجل العودة إلى المسرح السياسي . غير أن د. هشام النجار الباحث في شئون الحركات الإسلامية، يشير إلى أن معظم المبادرات تدور حالياً حول إمكانية إخضاع قيادات التنظيم لتنقيه من المتطرفين، بمعنى أن يتم تفكيك أو تنحية قيادات الجيل الأول من مكتب الإرشاد المعتقلين حالياً، وتبني استراتيجية مختلفة تعتمد أكثر على تعديل الأيديولوجيات الفكرية وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتبني سياسة اللاعنف مجدداً، ويمكن القول أن الحوار يكاد يكون الفرصة الأخيرة للجماعة حالياً، قبل انزلاقها ببطء إلى هامش التاريخ، وأوضح أن جماعة الإخوان ستتعامل بمهادنة مع الرئيس القادم للبلاد، الذي من المتوقع أن يكون "السيسي"، ومن المحتمل أن يدخل في هدنة مع الإخوان، كما حدث في بداية حكم مبارك عام 1981، وانتهت بسلسلة من المحاكمات العسكرية بين عامي 1995 و 2008، وتابع: توجد جهود من قبل التيار الإصلاحي داخل الإخوان لإنقاذ الجماعة من التدهور السياسي، لكنها لا تثق في الحالة المزاجية للشعب والرئيس القادم، على سبيل المثال قد يغضب المصريون من السيسي (الرئيس المحتمل) في حال تفاوضه مع الإخوان أو أعادهم إلى الحياة السياسية، وبالقطع لو تفاوض مع الإخوان سيكون هناك تواصل مع قيادات الحزب الوطني المنحل، وهو ما يؤدي إلى انقلاب شعبي على الرجل من مؤيدي ثورة 25 يناير، و 30 يونيو، ووقتها سيكون وحيداً بلا أي سند شعبي، وأكد أن جميع أحاديث الإخوان المسلمين حول الحوار أو الديمقراطية بمثابة حلقة جوفاء بعيدة عن الواقع.