مازال الجيش المصري عازماً على توسيع عملياته العسكرية في شبه جزيرة سيناء، بهدف القضاء على مجموعة من المصريين الساخطين والجهاديين الأجانب الذين تحدوا مقعد السيادة المصرية في القاهرة ويريدون إقامة إمارة إسلامية في سيناء بعد انشغال الجيش في تأمين البلاد منذ أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى ما بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم إبان ثورة 30 يونيو.. تعتبر إسرائيل شريكاً أساسياً في هذا الجهد المصري، حيث دفعت الفوضى في سيناء إلى مزيد من التعاون الأمني المعزز مع مصر، لكن يظل محور غزةالقاهرة هو الساحة التي تشهد تدهوراً في العلاقات خاصةً مع حركة حماس بعد انهيار نظام جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك من الواضح أن تل أبيب تريد استثمار هذا التوتر من أجل خلق أساس جديد للعلاقات مع القاهرة قائمة على المنفعة والمصلحة المتبادلة بين البلدين، حرصاً على الجوانب الرئيسية لبنود معاهدة السلام التاريخية التي وقعت عام 1979، وأيضاً أرادت القاهرة تقليص الدور الفاعل والحاسم في تلك العلاقة على الولاياتالمتحدةالأمريكية. د. جمال سلامة أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس قال: إن أمريكا بنيت استراتيجيتها الأمنية الإقليمية بسبب التقارب مع القاهرة في أعقاب حرب أكتوبر 1973 واستثمرت بكثافة المساعدات الاقتصادية والعسكرية للقاهرة وتل أبيب بهدف توريد المليارات إلى البلدين، موضحاً أن ما تشهده سيناء من عمليات عسكرية من جانب الجيش المصري تعد واحدة من أهم الحروب الداخلية في العالم؛ لأنها قائمة بين جيش نظامي وعصابات جهادية منتشرة في صحراء شبه جزيرة سيناء، وبالتالي فإن التعاون بين البلدين قائم على تبادل المنفعة والمصلحة الأمنية والعسكرية بين مصر وإسرائيل، خاصةً وأن فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي كانت من أهم مراحل العلاقة التعاونية بين الطرفين، بل إن بعض التقارير الإسرائيلية وصفت فترة مرسي بأنها كانت ذهبية لأمن تل أبيب، لافتاً إلى أن النظام السياسي المؤقت يحاول إعادة هيكلة العلاقة مع الدولة العبرية وإصلاح ما تم إفساده مع النظام الإخواني، الذي أثر كثيراً على الأمن القومي للبلاد مع إسرائيل وجعلها تصف الإخوان بأنهم بمثابة كنزاً استراتيجياً لأمنها على طول الحدود في رفح وغزة. ومن جانبه أكد د.عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن واشنطن لديها داوفع مختلفة من الأمل و المخاوف من عصر مضى في مصر وهو زمن الإخوان، نظراً لأن الإدارة الأمريكية حتى الآن لا تريد استيعاب التغيرات الزلزالية والتحديات التي تواجهها القاهرة منذ عزل الرئيس محمد مرسي، لأن الإخوان والأمريكان كانت بينهم تفاهمات سياسية طويلة المدى أجهض عليها الشعب في ثورته، وبالتالي فإن فترة حكم مرسي كانت مليئة بدخول جهاديين من كافة البلدان إلى سيناء، ورغم أن الأجهزة السيادية والأمنية كانت لديهم تحفظات على دخول أفراد هذه الجماعات إلى البلاد، إلا أنهم احترموا قرار الرئاسة بالسماح لهؤلاء المجاهدين بالدخول، ولذلك فإن الحرب التي تشهدها سيناء حالياً من جانب الجيش المصري على الجهاديين المتسبب فيها الرئيس مرسي وجماعته لأنهم لم يقدّروا الأمن القومي للبلاد جيداً.. موضحاً أن الجيش لن يتراجع خطوة إلى الوراء حتى تطهير سيناء من هذه الجماعات التكفيرية، ولذلك فإن ودجود تفاهمات أمنية وسياسية بالتنسيق مع إسرائيل أمر ضروري حفاظاً على حدود البلدين من الاختراق الجهادي، لكن الأهم في هذه القضية أن مصر تسير دون مراقبة واشنطن لسير العملية العسكرية هناك، حيث أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلب سابقاً أن تكون العمليات العسكرية في شبه الجزيرة بالتنسيق مع أمريكا باعتبارها راعية اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، لكن الواقع يؤكد أن هناك تنسيقاً متكاملا مع الدولة العبرية فقط فيما يخص الشريط الحدودي المشترك مع القاهرة، ولايوجد تنسيق أكثر من ذلك لاعتبارات الأمن القومي المصري. منذ ثورة 30 يونيو تريد مصر كسر الممارسة المتبعة في الماضي، وهي سياسة التبعية لواشنطن على كافة الأصعدة، وتحاول الإدارة المؤقتة إزالة هذا المفهوم تماماً من الفكر الأمريكي، باعتبارها عقبة يجب التغلب عليها أو تجاهلها حتى لا تكون أمريكا لاعباً رئيسياً في حل المشاكل المشتركة بين مصر وإسرائيل في جدول العملية الأمنية والعسكرية المتبادلة.. حيث كانت واشنطن منذ فترة طويلة تعتبر من أهم الأطراف الفاعلة في القرار المصري، لكن اليوم هناك تناقضاً وضبابية في المشهد السياسي المشترك بين الطرفين، فمؤخراً وافق الكونغرس على تجميد صفقة المقاتلات الأمريكية إف 16 وإلغاء مناورات النجم الساطع لهذا العام مع القاهرة، وبعض المراقبين يرون أن هناك عداءاً صريحاً في العلاقة الثنائية بين واشنطن ومصر ما بعد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى أن إدارة أوباما لا تستطيع أن تقرر -كما أكدت سابقاً- ما إذا كانت مصر تماماً بلداً صديقاً أو عدواً. وفي السياق نفسه أوضح د.جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أنه لأول مرة تشرع مصر في اتخاذ إجراءات رادعة ضد دول الجوار على حدودها حتى مع قطاع غزة، فمؤخراً تم إنشاء منطقة عازلة على الحدود بين مصر وغزة، بعد تدمير العديد من أنفاق التهريب بين البلدين، وأيضاً بسبب استمرار مقاتلي حركة حماس في استعداء الجيش والشعب المصري، على الرغم من وجود الكثير من الاحتجاجات بين القبائل المحلية وأهالي غزة، لكن هناك إصراراً على استمرار العملية العسكرية لحين تطهير سيناء من الإرهاب الداخلي المتواجد برعاية أمريكية إخوانية، موضحاً أن واشنطن لديها مصلحة فيما يجري داخل شبه الجزيرة لأنها تريد استنزاف الجيش المصري في حرب عصابات مع الجهاديين، مؤكداً أن مصر تريد التحرر من التبعية الأمريكية خاصةً بعد ثورة 30 يونيو بسبب دعمها المطلق للإخوان المسلمين، الأمر الذي يؤكد أن هناك ثمة توافقات وصفقات كانت تتم في الخفاء بين الإخوان والأمريكان، وهو الشيء الذي جعل القائمين على السلطة المؤقتة وعلى رأسهم الفريق أول عبد الفتاح السيسي تحاول إزالة هذا المفهوم، ونفض أيديها من حل المشاكل المشتركة بين مصر وإسرائيل فيما يخص تبادل المعلومات حول العملية الأمنية والعسكرية هناك، بل إنه من المرجح أن يقوم الجيش المصري بإنشاء حواجز جديدة وربما جدار أمني أو بحيرات اصطناعية على الحدود سواء مع غزة أو تل أبيب، لمنع التهريب وتسلل أعضاء حماس ونشطاء فلسطينيين آخرين إلى سيناء. وفي رأي د.حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن إسرائيل تجد نفسها في موقف حرج أمام الإدارة المصرية المؤقتة إذا لم تعمل على إعادة حيوية العلاقة بين البلدين كما كانت عليه في الماضي، ولأول مرة خلال حكم لم يدم طويلاً من الرئيس السابق محمد مرسي والآن مع النظام المؤقت تجد تل أبيب أنفسها تائهة في إعادة تعريف العلاقة الجديدة مع القاهرة وغير قادرة على معالجة الشواغل المشتركة بين البلدين ؛ خاصةً فيما يحدث في سيناء لهذه الحقبة الجديدة، موضحاً أن الحدود المشتركة بين القاهرة وتل أبيب أو قطاع غزة ينعدم فيها القانون على حد سواء، وفي كل من هذه المجالات هناك معاهدة أو أعراف دولية ترعاها الولاياتالمتحدةالأمريكية، لضمان أمن إسرائيل أولا وليس شيئاً آخر، وبالتالي فإن واشنطن كانت تريد من القيادة المصرية إطلاعها مباشرة على كافة تقارير العملية العسكرية في سيناء والتنسيق معها في أي قوات أو مقاتلات تريد إدخالها إلى حدود المنطقة "ج" مع الجانب الإسرائيلي، لكن جرأة القيادة المصرية المؤقتة في إنهاء التبعية للإدارة الأمريكية جعلتها قادرة على مواجهة تهديدات واشنطن التي وصلت إلى حد إلغاء مناورات النجم الساطع وتجميد صفقة مقاتلات إف 16 مع مصر لإشعار آخر، وفي المقابل يوجد ضغط إسرائيلي على أوباما لإزالة أية توترات قائمة مع القاهرة، كما تعمل تل أبيب على التنسيق مع الجانب المصري في سيناء لإعادة ما تم انهياره في العلاقات بين البلدين، حفاظاً على معاهدة السلام المشتركة ومنعاً لاستمرار الحركات الجهادية في سيناء التي تهدد الأمن القومي للبلدين. بينما أشار د.طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أنه خلال الأشهر القليلة الماضية وافقت إسرائيل على دخول ما يقرب من خمسة آلاف جندي مصري إلى سيناء لمكافحة الارهاب، وأيضاً تم إدخال دبابات ومروحيات قتالية فوق قناة السويس لأول مرة منذ اتفاق السلام، كما تم نشر مروحيات الأباتشي المقاتلة وبعضها حلق فوق جنوب قطاع غزة، رغم أن هذه الأفعال هي بمثابة انتهاك واضح لشروط معاهدة كامب ديفيد، لكن التنسيق الواضح بين جنرالات الجيش المصري والإسرائيلي كان أمراً هاماً حفاظاً على ما تبقى من العلاقة بين البلدين وملاحقة الجهاديين، موضحاً أن إسرائيل وافقت على إدخال قوات مصرية جديدة في سيناء بشكل تدريجي لوضع حد للفوضى التي تحدث في شبه الجزيزة وسط تصاعد دعوات العنف والإرهاب في المنطقة، الأمر الذي يهدد الأمن القومي لمصر وإسرائيل في حال ترك هؤلاء الجهاديين بدون ملاحقة عسكرية وبدون تنسيق أمني كامل بين البلدين، ولذلك كان من الضروري إيجاد صيغة استثنائية لدخول القوات والمقاتلات المصرية بعيداً عن بنود معاهدة كامب ديفيد.