رجال مقنعون .. مدججون بالسلاح يطلقون نيران أسلحتهم الآلية في وجه أفراد القوات المسلحة المصرية في سيناء, وأكمنة الشرطة, ويلوحون بالعلم الأسود لتنظيم القاعدة، كانت الغارة على مدينة العريش لأول مرة في يوليو 2011 بمثابة الإنذار الأول من الجهاديين في شمال سيناء، وكان هذا الإنذار بلا استجابة إلى حد كبير من قيادات المجلس العسكري وقتها برئاسة المشير حسين طنطاوي، حتى قتل متشددون إسلاميونستة عشر من حرس الحدود, وقادوا سيارة مدرعة مسروقة تجاوزوا بها الحدود المصرية الإسرائيلية قبل تدميرها من قبل القوات الجوية الإسرائيلية. أرسل الجيش المصري بعض القوات في شبه الجزيرة بموافقة إسرائيل، بعد أن طلبت القاهرة من تل أبيب الموافقة على تعليق اتفاقية كامب ديفيد مؤقتاً, لحين القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق؛ لتطهير المنطقة من الجهاديين وأفراد تنظيم القاعدة، وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد عام 1979، فإنه غير مسموح لمصر إدخال دبابات إلى مناطق معينة في سيناء وتحديداً المنطقة (ج )كما تحظر المعاهدة استخدام الطائرات المقاتلة، وتعتبر سيناء الأرض المثالية والخصبة لتنظيم القاعدة, خاصةً بعد نزول الجيش المصري إلى الشارع وانشغاله بتأمين الجبهة الداخلية للبلاد على حساب الحدود، وهو ما أكده خليل العناني الباحث لباحث في مجال السياسة الإسلامية في جامعة درم البريطانية ، أن سيناء يمكن أن تكون جبهة جديدة لتنظيم القاعدة في العالم العربي بعد هروب كثير من الجهاديين من أفغانستان إلى سيناء، فضلاً عن إصدار الرئيس المعزول محمد مرسي عفواً رئاسياً عن الكثير من الجهاديين وحلفاء جماعة الإخوان المسلمين من الإسلاميين، موضحاً أنه حتى الآن لا يوجد دليل أو صلة رسمية بين القاعدة والمسلحين في سيناء، نظراً لأن معظم من يرفعون الرايات السوداء هناك مصريون استطاعوا الفرار من سجون الرئيس الأسبق حسني مبارك أثناء ثورة 2011 وبعض الفلسطينيين من قطاع غزة المجاور. السفير الإسرائيلي السابق بالقاهرة، "يتسحاق ليفانون" قال في تصريحات سابقة أن سيناء أصبحت قاعدة لجميع أنواع الجماعات المتطرفة في العالم العربي والإسلامي، وتل أبيب لديها تخوف من تزايد انتشار المتطرفيبن الإسلاميين على الحدود بين مصر وإسرائيل؛ لأن عدم الاستقرار الأمني في هذه المنطقة يعرض اتفاقية السلام كامب ديفيد إلى الخطر وفي رأي د. محمد عبد السلام الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، أن القضاء على بؤر الوجود الإسلامي المتطرف, أمر ضروي لإنقاذ البلاد من الوقوع في براثن الجهاديين وأفراد تنظيم القاعدة، خاصةً وأن تزايد هؤلاء المتطرفين قد يجعل الدول الغربية والأوربية تضع مصر على قوائم الدول الراعية للإرهاب، مؤكداً أن موافقة إسرائيل على تعليق اتفاقية كامب ديفيد للسماح للجيش المصري بإدخال بعض التعزيزات العسكرية لمحاربة الجهاديين يوضح أن هناك تواصلا أمنيًا بين الطرفين, وتفهمًا من تل أبيب لموقف القاهرة, بعد أن انتشرت في سيناء جماعات إرهابية منذ 2011، بالإضافة إلى رغبة كل جانب في بسط السلام وعدم الدخول في مواجهة عسكرية، لافتاً إلى أن الهجوم المتوالي على القوات المصرية في سيناء جعل إسرائيل تتخوف من عدم قدرة القاهرة على بسط سيطرتها على شبه جزيرة سيناء، وهو ماجعل تل أبيب تتوسل إلى مجلس الأمن الدولي ليضغط على القاهرة للسماح للجيش الإسرائيلي بالدخول إلى سيناء ومعاونة القوات المصرية في ملاحقة الإرهابيين. في حين انتقد "دينيس روس" مبعوث الولاياتالمتحدة السابق في الشرق الأوسط في تصريحات سابقة، طريقة تعامل الرئيس المعزول محمد مرسي مع حلفاء جماعة الإخوان المسلمين، وإصدار عفو رئاسي عن بعض الجهاديين, والسماح لهم بالدخول إلى سيناء، مضيفاً أن ماحدث كان جزءاً من سوء إدارته للدولة, وهو ماكان يستوجب على الشعب المصري الخروج في ثورة جديدة في ذكرى توليه رئاسسة البلاد يوم 30 يونيو لإسقاط حكم الإخوان, حتى خرج الجيش وأيد مطلب الجماهير, ومن هنا يجب على الولاياتالمتحدة أن تقوم بدورها في مساعدة الجيش المصري بالمعدات اللازمة لتطهير سيناء. تورا بورا سيناء مع عدم وجود طرق أو تنمية وفي ظل غياب أجهزة الدولة، وانتشار الجبال الواسعة في صحراء شمال سيناء النائية هي التي لا يمكن اختراقها تقريباً، مما يجعل من السهل للمتشددين يختبئون فيها ويطلقون قذائفهم من هناك على القوات التي تلاحقهم، وبعد أن تزايدت أعداد أعضاء تنظيم القاعدة القادمون من أفغانستان أصبحت الجبال تأوي مجاهدي تورا بورا في سيناء، والقوات العسكرية تحجم عن الذهاب إلى هذه الجبال خوفاً من قلة التكافؤ بين الطرفين إذا وقعت مواجهة مسلحة، ولابديل عن خروج المقاتلات الجوية لضرب هذه الجبال.. لكنها لا تحدث تأثيراً على الإرهابيين لأنهم مختبئين بطريقة جيدة وحفروا الكثير من الخنادق والمخابىء داخل الجبال، كما يوجد تخوف من تضافر جهود السلفيين المتشددين في قطاع غزةوسيناء، لأنهما يستطيعان خلق بيئة مواتية لتنظيم القاعدة لاستخدام أسلحتهم ضد إسرائيل. اللواء فاروق المقرحي الخبير الأمني يرى أن الجماعات الإرهابية المنتشرة في سيناء لابد أن تنتهي قريباً بعد أن لجأت إلى أسلوب الاغتيال والهجوم على قادة الجيش المصري, كما حدث مع اللواء "أحمد وصفي" قائد الجيش الثاني، بالإضافة إلى أنها بدأت تكثف من هجماتها على المعسكرات والأكمنة العسكرية بالأسلحة الثقيلة، وهو مايعني أنها مستعدة للقتال مع الجيش في سيناء إذا لزم الأمر، موضحاً أن تنظيم الرايات السوداء والجهادية السلفية والتكفير والهجرة وأنصار الجهاد وجماعة بيت المقدس الفلسطينية، من أكثر التنظيمات تواجداً في سيناء, والقوات المسلحة عليها تحرير سيناء من قبضة هؤلاء التنظيمات الإرهابية الذين يريدون توريط البلاد في حرب مع اسرائيل، وإحراج المؤسسة العسكرية أمام العالم وإظهارها غير القادرة على حماية حدودها، الأمر الذي قد تستغله تل أبيب وتطالب المجتمع الدولي بحقها في حماية حدودها أو إدخال قوات مشتركة بين الجانين. في حين أشار اللواء عادل سليمان مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، إلى أن المجموعات الجهادية في سيناء مجرد مجموعات قتالية صغيرة, تستغل اسم تنظيم القاعدة لتخيف الغرب والمصريين، موضحاً أن القاعدة في التسعينات كانت تستغل فكرة محاربة اليهود والأمريكان لتجنيد الشباب وتغيير عقليتهم الفكرية على الجهاد في سبيل الله، بالإضافة إلى أن الدعوات التي تخرج من قبل بعض التنظيمات لنصرة القدس أو الكفاح المسلح تعد بمثابة دعوات فردية لاتلقى قبولاً من جانب التيارات الإسلامية المحافظة التي تواجدت في العمل السياسي، لكن بعد عزل الرئيس محمد مرسي وإسقاط جماعة الإخوان المسلمين من الحكم, فإنها بلاشك تستطيع تحريك حلفاءها هناك, بعد أن أصدر الرئيس السابق مرسي قرارات بالإفراج عنهم ولذلك فإن تعليق اتفاقية كامب ديفيد لإدخال قوات مصرية في سيناء يؤكد أن الجيش سوف ينهي على وجود هذه التنظيمات لتطهير المنطقة، خاصةً بعد تزايد أعمال الفوضى واغتيال الضباط والهجوم على خط الغاز بالعريش, وأكمنة الشرطة ومعسكرات القوات المسلحة. وفي السياق نفسه أوضح اللواء عبد الرحيم سيد الخبير العسكري، أن تعليق اتفاقية كامب ديفيد وموافقة إسرائيل على ذلك لحين انتهاء العملية العسكرية للقوات المسلحة المصرية ضد عناصر تنظيم القاعدة تؤكد وجود رغبة من الطرفين في تعديل الاتفاقية وتحديداً في بنود التواجد العسكري في سيناء، لأنه مع مرور الزمن تأكد أن وجود قوة عسكرية بأسلحة خفيفة أمر لا يمكن تصوره, خاصةً وأن الجهاديين في سيناء يمتلكون أسلحة ومعدات ثقيلة تضاهي الأسلحة العسكرية، وتكاد تتفوق على أسلحة ضباط وأفراد الشرطة، لافتاً الى وجود تجارة شبه دولية بين الجهات الجهادية في مصر وليبيا وغزة لتجارة السلاح، وتوصيلها إلى أفراد المقاومة في الضفة والقطاع, وإلى المتطرفين في سيناء، بهدف إطلاق الصواريخ من سيناء باتجاه تل أبيب؛ بهدف توريط القاهرة دولياً وإحراج المؤسة العسكرية أمام العالم، في الوقت نفسه يعد إسقاط جماعة الإخوان المسلمين وتهديدها المتواصل بالتصعيد ضد أفراد المؤسسة العسكرية يؤكد أنها كانت تحرك وتفتعل الأزمات في سيناء، مثل تفجير خط الغاز وخطف الجنود، وبالطبع قد تكون الإخوان وراء مقتل الجنود الستة عشر العام الماضي، وهي من دبرت بمعاونة حركة حماس الكثير من الأعمال الإرهابية.