مرة أخرى تجددت الدعوة للحوار الوطني من قبل المؤسسة الرئاسية إلى جميع الأحزاب والقوى السياسية والحزبية في مصر لمناقشة المقترحات والمبادرات التي أطلقتها عدد من الأحزاب والتيارات للخروج من المأزق الراهن، وقد انقسم المشهد السياسي حول تلك المبادرة ما بين التأييد الإسلامي من قبل كل من جماعة الإخوان المسلمين التي ترى أن هذه الدعوة تعد الحل الأسرع للوصول إلى نقطة الاتصال الحقيقية والمركزية حول الأحداث للوقوف على أهم الأطروحات التي يتم تنفيذها لإنقاذ الوطن سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا.. بينما رفضت قوى التيار الليبرالي هذه الدعوة ووصفتها بالمضيعة للوقت في ظل دعوات الشاي التي يطالب بها الرئيس مرسي بين الحين والآخر كنوع من الهروب من الواقع الذي تمر به مصر، وهروبًا من مطالب جبهة الإنقاذ الوطني وجبهة النور السلفي بشأن تعديل قانون الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب لضمان نزاهتها من سيطرة وهيمنة الفصيل الواحد على الموقف ككل، وإقصاؤه لجميع الأحزاب والتيارات الأخرى وعلى رأسها حرمان الأحزاب التي ظهرت عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وكذلك الإصرار على إقالة حكومة هشام قنديل وتشكيل حكومة جيدة قادرة على وضع خطة ممنهجة للنهوض بالوطن. ورفض د. عبد الغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وعضو جبهة الإنقاذ الوطني، الدعوة التي أطلقها الرئيس محمد مرسي للحوار الوطني مع كافة القوى السياسية ووصفها بالتقليدية التي لا تضيف شيئًا جديدًا على الموقف الراهن، بل قد تزيده اشتعالًا وتأزمًا في ظل إصرار مؤسسة الرئاسة على مناقضة نفسها والإعلان عن الأمور والتعامل بعكسها، وهذا ما أكدت عليه جبهة الإنقاذ الوطني مرارًا وتكرارًا خلال المؤتمرات الحوارية التي تكشف عن شخصية الرئيس مرسي وطبيعته وميوله الإخوانية التي تمنعه من الشعور بأنه رئيس لكل المصريين، بل أصبح وضعه الآن أمام نفسه بأنه رئيس للإخوان المسلمين وممثل للتيار الإسلام السياسي فقط دون باقي الأحزاب والتيارات التي خرجت لترشحه في انتخابات الرئاسة المصرية. وأرجع شكر، فشل الحوار الوطني الذي يدعو إليه الرئيس لعدم قدرته على تغيير نمط الحوار التقليدي، الذي أثار استنكار كافة الأحزاب والقوى التي لاحظت عدم الجدية والمصداقية التي يتم من خلالها عقد هذا الحوار، وعدم خروجه بالتوصيات التي تستطيع معالجة الأزمة السياسية والأمنية والتي تسببت فيها مؤسسة الرئاسة، وكذلك الأحزاب التي تهرب من مواجهة الأحداث وتحويل المواقف لصراعات شخصية يغرق بينهم المواطن البسيط أمام تلك الخلافات التي كشفت عجز قوى مصر السياسية الضعيفة بداية من المعارضة ووصولًا لمؤسسة حاكمة غير مؤهلة للحكم. رفض المعارضة وأكد د. عبد الله المغازي، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، وعضو جبهة الإنقاذ الوطني، أن الدعوة للحوار الوطني الآن غير مجدية إن لم تخرج مؤسسة الرئاسة عن صمتها السلبي وتتعامل مع الوطن ككيان كامل يحوي بينه كافة القوى والتيارات التي عرضت مطالبًا مشروعة تحاول مؤسسة الرئاسة الهروب منها، مثل تغيير حكومة قنديل الحالية وتشكيل أخرى من قوى الائتلاف الوطني لإغاثة الوطن من كبوته التي زادت كثيرًا خلال الفترة القليلة الماضية؛ نظرًا لعدم وجود حكومة تكنوقراطية في المقام الأول تضم بينها كافة المتخصصين والخبراء المتميزين بالكفاءة للقيام بواجبها المنوط لها به الآن. ووصفت د. كريمة الحفناوي، عضو مجلس أمناء التيار الشعبي، القيادية بجبهة الإنقاذ، الحوار الوطني ب"الفاشل"، باعتباره نموذجًا آخر من الحوارات التي عقدها الرئيس محمد مرسي ومؤيدوه مؤخرًا، وخروجه بتوصيات لا يمكنها وضع خطة للشعب المصري حتى يسير عليها، لغياب كثير من الأحزاب الأخرى التي تجاهل الرئيس دعوتهم للحوار، للهروب من المطالب التي تثير غضب جماعة الإخوان المسلمين التي تحاول تصنع الديمقراطية أمام الدول الغربية والمنظمات الحقوقية في العالم، مشيرة إلى أن جبهة الإنقاذ حاسمة لموقفها من هذه الحوارات التي تهدف ضياع مزيد من الوقت وإهدار المشهد قبل أن يتم تنفيذ المطالب الأساسية التي تقدم بها كل من جبهة الإنقاذ وحزب النور السلفي خلال المبادرة التي تحوي جميع مطالب المعارضة التي تمثل الشعب المصري. وانتقد د. محمد أبو الغار، رئيس حزب المصري الاجتماعي الديمقراطي، الحوار الوطني ووصفه ب"المريض الذي لا يأتي بجديد"، لعدم اعتراف رئيس الجمهورية بحقيقة الموقف والاعتماد على الهروب المتكرر من المسئولية التي تئن منها البلاد وسط الدماء التي تسيل والعنف المفرط والفوضى التي تمر بها مصر أمام الحكومة الفاشلة عن حل تلك الأزمات، موضحًا أن اعتراض الجبهة عن المشاركة في الحوار يأتي من عدم مصداقيتها للرئيس مرسي في تنفيذ قراراته التي تخرج دائمًا من خلال الحوارات المتكررة بالأسلوب العقيم نفسه في الإدارة والنتائج التي يخرج بها؛ وذلك بسبب غياب الخطة والهدف والموضوعات التي يتم مناقشتها واعتماد الحوارات التي خرجت على الثرثرة والفضفضة المطاطة البعيدة عن القرار السياسي الصائب.. خاصة وأن الجبهة سبق لها وتقدمت بمطالب لم تنفذ ومنها إقالة النائب العام الذي جاء بطريقة غير شرعية، وإعادة تشكيل حكومة جديدة بديلة عن الحالية لتضم مختلف التيارات السياسية وليست جماعة الإخوان المسلمين فقط، في ظل انهيار اقتصادي وتوتر سياسي لم تمر به مصر من قبل. وقال عصام شيحة، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، عضو جبهة الإنقاذ الوطني، أن حوار الرئيس لن يأتي بجديد وسيكون كغيره من الحوارات في ظل عدم الإصغاء للمطالب التي سبق وتقدمت بها جبهة الإنقاذ الوطني ومبادرة النور السلفي التي تسببت في نزاع بين حزب النور والإخوان المسلمين التي اتهمت قيادات النور بالانقلاب على الحكم، والتي كان من أهم مطالبها إقالة الحكومة وإقالة النائب العام الإخواني، وكذلك تشكيل أخرى من الائتلاف الوطني. مضيفًا أن الرئيس مرسي يعلم جيدًا أن المعارضة لن تقبل بهذه الدعوة التي يحاول من خلالها إشراك الأحزاب معه في الأخطاء التي ارتكبتها المؤسسة الرئاسية وحزب الحرية والعدالة في حق الشعب، بعد الاعتراف بالديمقراطية وحرية الشعب في تحديد مصيره والتعامل معه على أنه غير مؤهل سياسيًّا بعد لممارستها على غرار الحزب الوطني السابق. شروط تعجيزية على صعيد آخر أوضح د. أحمد عارف المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، أن الدعوة للحوار الوطني من قبل الرئيس محمد مرسي إلى الصفوف السياسية والمعارضة والقوى السياسية والحزبية في آن واحد كنوع من المعالجة العاجلة ونوع من إعلان حالة الطوارئ الذاتية من كافة تلك القوى لضمان الخروج من الأزمة الراهنة، لذا يجب جلوس الجميع حول طاولة المفاوضات للوصول إلى حلول ترضي كافة الأطراف لصالح الوطن، لافتًا إلى أن رفض جبهة الإنقاذ الوطني لهذه الدعوات بحجة عدم تصديق الدعوة والهدف من تقديمها، ووضع الشروط التعجيزية من الحوار بوضع الشروط المسبقة والتعامل بندية مع الرئاسة، مطالبًا بالخضوع لصوت الضمير أثناء الحوار لضمان الوصول إلى الغاية منه. ورفض المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، اتهام الجماعة بالمسيطرة على الحوار الوطني، أو أنها تهدف لقطيعة بين الوطن سواء بإثارة الخلافات السياسية التي تتعامل معها باعتبارها حزبًا سياسيًا له كيان وشعبية مثل باقي الأحزاب السياسية الأخرى. وأضاف د. صابر أبو الفتوح، عضو حزب الحرية والعدالة، أن الحوار الوطني كان بمثابة الخطوة الجيدة على طريق الديمقراطية الحقيقية وإثبات حسن النوايا من جانب مؤسسة الرئاسة وموقفها الواحد من كل الأحزاب السياسية سواء المدينة أو الإسلامية دون تدخل حزبي أو سياسي كما يروج البعض، موضحًا أن جميع التوصيات التي خرج بها الحوار بشأن الانتخابات المقبلة كافية، خاصة عقب موافقة الرئيس محمد مرسي المراقبة الدولية على الانتخابات لضمان المزيد من الثقة السياسية والشعبية. وأضاف أبو الفتوح : إن امتناع جبهة الإنقاذ عن حضور الحوار الوطني وضعها في مأزق سلبي أمام الشعب، بأن تصبح مطالبها بعد ذلك مطالب ذاتية وشخصية وحزبية وليست وطنية. وأشار د. جمال سمك، عضو الهيئة العليا لحزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، أن الحوار الوطني أصبح أملًا أخيرًا لصالح الوطن الذي يحتاج لمشاركة وتكاتف جميع الأحزاب والقوى المعارضة والمؤسسة الرئاسية والتنحي عن المصالح الخاصة والشخصية وتصفية الحسابات التي يدفع ثمنها المواطن المصري، منتقدًا رفض المعارضة للحوار الوطني بحجة فشل الحوار وعدم جدواه، في حين أن الحوار الأخير الذي عقد بين الرئيس وعدد من الأحزاب حقق جميع المطالب والضمانات التي كانت تثير مخاوف جميع الأحزاب والتيارات بشأن نزاهة الانتخابات قبل إصدار قرار محكمة القضاء الإداري مؤخرًا، مؤكدًا أن امتناع أحزاب المعارضة عن الحضور وخاصة جبهة الإنقاذ الوطني، لصعوبة المرحلة الراهنة التي لا تسمح بمزيد من التعقيد والوقوف في المرحلة الانتقالية التي لم تنتهِ بعد في ظل تفكك الأحزاب وتشتت أهدافها وبعيدًا عن المصلحة الوطنية لوضع ضمانات لخوض الانتخابات البرلمانية.