د. أحمد صبرة أستاذ الأدب العربي بجامعة الإسكندرية والكاتب سمير الفيل.. في البداية تحدث عشماوي عن الجانب النمطي في المجموعة القصصية "محابيس" للكاتب محمد البساطي مشيرا إلي أن هذه المجموعة تحاول توثيق العلاقة بين التاريخ والشكل الفني للموضوع فقد حاول البساطي أن يمزج بين ذات القاص وذات الكاتب. وأضاف أن عالم الزنزانة عالم غريب يجعلك تقبل علي علاقات لم يكن بتصور الشخص أن يفعلها أو يرتبط بها خارجها حيث كانت لي تجربة خاصة عندما كنت مسجونا في فترة من حياتي وأنا علي الأعم الأغلب لا أحب الإخوان المسلمين مؤكدا أنه أصبح بينهما علاقة قوية ولو في الخارج لم تكن تحدث هذه العلاقة مما يجعل عالم الزنزانة عالما خاصا ومنفردا بذاته. ومن جانبه تحدث د. أحمد صبرة عن المعني والمجاز في السرد القصصي إلي أن يظل المعني دائما مسألة نسبية مرتبطة بالزمن والمجتمع والوسط الذي ينشأ فيه هذا المعني كما يرتبط أيضا بمسائل شخصية مثل التجربة والحالات المزاجية من هذا المنظور فإن عملية فهم المعني والوصول إلي المقصد الكامن فيه يجعل للغة نشاطا مجازيا كاملا لأن الفهم في هذه الحالة يحاول عبور الهوة بين ما هو ظاهر من المعني وما هو كامن فيه وهذا هو لب عملية المجاز حتي بالمعني الخارجي للكلمة في لغتنا والمجاز هنا يمدنا بجسرضروري تحتاج إليه للالتفاف حول العالم إنه يجعل عملية الاتصال ممكنة وهي شرط أولي للفهم. وهناك بعداً آخر وهو أن كل جملة لابد أن يكون لها معني ما وإلا ستكون نوعا من اللغو إن اللغة اتصالية وهي نقطة مهمة هنا والكلمات تعبر عن مقصود ومحدد وحيث إن عملية القصر والفهم تعد نشاطا مجازيا بالدرجة الأولي فإن البحث عن المعني المقصود في الخطاب يجب أن يركز علي الأسلوب الذي أصبحت به الكلمات مجازية. وأضاف أن ما طرح سابقا يشكل الخلفية التي تتأسس عليها القراءة المجازية إن المجازية تشمل الكلمات الخاصة التي يستخدمها الكاتب عندما يريد أن يكتب عن موضوع ما مثل أساليب اختياره للمفردات التي تكشف عن أفكاره ومفاهيمه حول العالم كما يتشكل في النص وتقدم القراءة المجازية هنا استراتيجة للتعامل مع المهمة الصعبة التي يقوم بها الكاتب وهي الكيفية التي يطرزبها أفكاره المتفردة في ألفاظ متداولة وهي هنا تهدف إلي اكتشاف المفاهيم التي تكمن خلف هذه المفردات. وقد قدم د. صبرة دراسة تطبيقية علي قصة أهل الهوي لنجيب محفوظ من مجموعة رأيت فيما يري النائم. حافظ رجب والتجريب أما الكاتب سمير الفيل فقد تحدث باستفاضة عن التجريب في قصص محمد حافظ رجب قائلا : استطاع محمد حافظ رجب في مجموعتية "الكرة ورأس الرجل"و"كائنات براد الشاي المغلي"أن يقدم حداثة غير مسبوقة لا تقف أمام زخرفة الشكل الخارجي بإضافة صبغة شعبية علي النص الأدبي فقط لقد أفصح القاص عن نبذ السائد تماما التمرد علي كل الأساليب المطروحة والمواصفات التقليدية بل أمكنه التوغل في مناطق تعبيرية جديدة وبلغة طازجة معبأة بطاقات مدهشة من التخيل الذي لا يحدث . وأضاف الفيل عن محمد حافظ رجب أنه استوعب منجزات تيار الوعي ووصفه بصورة رائعة كما استخدم العناصر السيريالية لتتضافر مع ما هو واقعي بشكل لا يمكن معه فصل كل منهما عن الآخر. واستفاد بوعي كامل من عطاءات السينما فأنه يقدم المزج والقطع والفلاش باك والتوازي بين الأزمنة فيما يسير الحدث في طريقه دون إحساس بالصنعة أو الافتعال. وأضاف : في قصص محمد حافظ رجب لا نجد أصداء للنظرية القديمة التي تري أن الأدب تقليد الواقع ولا نعثر علي النزعة الوجودية التي تري أن الحياة الإنسانية محنة ، إن المسألة لديه تأخذ أبعادا أخري فهو يتفهم الواقع لكنه لا يقع في أسره ولا ينضوي تحت إهابة كما أن حرية أبطاله ليست ذات نزوع وجودي فالمحنة تنبع من إثم المجتمع نفسه وتفسح علاقاته وعدم التواصل الإنساني الحميم لذا يبدأ أبطاله حركتهم من تخوم واقعية لكنه أي قاص يحررهم من العلاقات الاجتماعية المأزومة المتلكئة ويعمق معني الشعور الداخلي والباطن واللاوعي وكلها إشارات تعتمد علي نشاط العقل الإنساني دون أن تقيد بالمنطق الواقعي حيث تتلاشي الحدود بين العناصر الواقعية. ويؤكد الفيل أن حافظ نراه يقتصد في اللغة ولا يرصعها بالكناية والاستعارة والمحسانات البديعية المجلوبة من نطاق الشعر قسرا إنه يلجأ إلي البديل وهو الاختزال في العلاقات الاقتصاد في اللغة، عدم تسلسل الأحداث غياب الحبكة التقليدية خوض العلاقات نثرية الحكي وبساطة الظاهرة ويكمل إذا كانت تجارب أوربية مثل ما قدمه كل من جيمس جويس أو فرجينيا وولف أو حتي نتالي ساروت قد اتجهت إلي تيار الوعي بكل ما يحمله من ذكريات ومخاوف وآلام فإن تجربة محمد حافظ رجب تتعدي ذلك الحفر في اللا شعور والبحث عن الممكنات والمستحيلات التي يري صداها وتجليها في الواقع من حوله دون أن يكون قادرا علي القبض عليها بيديه . وتكاد رحلة البحث هذه أن تسفر عن كشوفات جمالية اقتنصها حافظ رجب علي مهل وبتؤدة ليؤكد للقاريء أن الأزمات في الذات في داخلنا الممزق بين الواقع والمثال . ودور الأديب أن يبحث في جيولوجيا النفس البشرية.