"محاباة" واشنطن لإسرائيل، فيما يتعلق بالجدل الدائر بشأن استئناف محادثات السلام. وما بين تصريح عريقات وإعلان عباس، تتفجر الأسئلة، فالعلاقة بينهما لا تخفى على أحد، فقد جاء تصريح عريقات ليفجر المخاوف الإسرائيلية، ولاسيما المعارضة التي تتزعمها تسيبي ليفني، رئيسة حزب كاديما، والتي رفضت الانضمام إلى الحكومة الائتلافية لحزب ليكود، برئاسة نتنياهو، لأن الأخير يرفض حل الدولتين، فيما تعتبر المعارضة أنه الحل الوحيد "للحفاظ على الهوية اليهودية لإسرائيل"، لذلك كان إعلان عريقات تهديدا مباشرا لاستقرار حكومة نتنياهو، أما تصريح عباس، فقد كان رسالة مباشرة إلى واشنطن، التي تعتبر أنه لا يوجد بديل له في الوقت الحالي، إلا مروان البرغوثي، الذي تحتجزه إسرائيل في سجونها. لقد كان رد الفعل السريع من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، على تصريحات عباس، بعد ساعات قليلة منها، والتي قالت فيها إن بلادها ترغب في التعامل مع عباس، بأي صفة، هو إشارة قوية من جانب الإدارة الأمريكية على احتياجها لعباس، ولكن لأن واشنطن تتشكك كثيرا في جدية عباس، تماما مثل إسرائيل وحركة حماس، في التخلي عن السلطة، التي دافع عنها طويلا، وسعى بكل قوته للاحتفاظ بها، حتى لو دل في مواجهة مع حركة حماس. كان السؤال الأول الذي فرض نفسه على الجميع، فور إطلاق عباس لتصريحه، هو "هل يرغب حقا في التخلي عن منصبه؟، أم أن الأمر مجرد مناورة للضغط على واشنطن وتل أبيب، اللتين تعلمان جيدا أن عباس ربما يكون خيارهما الوحيد، للوصول إلى تسوية للقضية الفلسطينية، وهى تسوية لا ترغب الحكومة الإسرائيلية الحالية في إنجازها. ورغم أصرار عباس على أن قراره ليس خطوة تكتيكية أو مناورة، إلا أن المحللين يعتقدون أن تصريحات الزعيم البالغ من العمر 74 عاما، هي مناورة بلا شك، سواء بالنسبة للخارج او حتى بالنسبة للداخل، حيث طالب أعضاء أعلى هيئتين فلسطينيتين بالاجماع، عباس بالبقاء في منصبه. والغريب في تصريح عباس، أنه يأتي بالتزامن مع تأكيدات للعديد من المحللين، بأن الانتخابات المقبلة لن تجرى على أي حال، خاصة مع إعلان الحكومة الإسرائيلية أنها لن تسمح بأي أنشطة انتخابية في مدينة القدسالمحتلة، في الوقت الذي تصر فيه السلطة الفلسطينية، على أن تشمل عملية الاقتراع مدينة القدس، ووصل الأمر إلى تأكيد عدد من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، أن الانتخابات سوف تؤجل، إذا لم تجرى في القدس. يعلم الغرب جيدا أنه لا يوجد مرشح واضح لخلافة عباس، وهو ما يمنح عباس فرصة أكبر للمناورة مع الغرب، معتمدا على ثقته في احتياجها له، فالبدائل المطروحة بقوة لعباس حاليا هى: محمد دحلان قائد الأمن الفلسطيني السابق، وهناك أيضا البرغوثي، مؤسس كتائب شهداء الأقصى، والذي يتمتع بشعبية طاغية، رغم أنه يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في سجن إسرائيلي، وأيضا رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وهو اقتصادي سابق في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الذي يحظى بدعم من الغرب، ولكنه لا يتمتع بتأييد من حركة فتح التي يتزعمها عباس.