لاشك فى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قابع الآن فى أسفل الدرك منذ بدء ولايته الحالية، وذلك نتيجة رفع الحصار عن غزة الذى تم فى إثر ممارسة ضغوط دولية كبيرة عليه، وقبل بضعة أيام فقط من ذكرى مرور أربعة أعوام على وقوع الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط فى أسر حركة «حماس». فى واقع الأمر، فإن المرء لا يحتاج إلى أن يكون عبقريا كى يدرك أن دولة إسرائيل كلها تتصرف، فى الآونة الأخيرة، كما لو أنها واقعة تحت وطأة ضغط شديد. ولعل آخر برهان على ذلك كامن فى أحداث قافلة السفن التركية التى كانت متجهة إلى غزة، والتى أسفرت عن إلحاق خسارة فادحة بنا، بل حتى يمكن القول إن الذى أصبح محاصرا الآن هو إسرائيل وليست غزة. ومهما تكن الحجج التى تتذرع إسرائيل بها «لتفسير قرار رفع الحصار عن غزة»، فإنه لابد من القول إنها اضطرت إلى القيام بأمر لم تكن راغبة فيه، ولم يكن فى نيتها الإقدام عليه قط. ونتنياهو هو أول شخص يدرك جيدا، أن ما حدث هذا الأسبوع هو خضوع ل«الارهاب». كان يتعين على إسرائيل أن ترفع الحصار المفروض على غزة منذ فترة طويلة، فمن المعروف أن هذا الحصار، لدى فرضه من جانب حكومة إيهود أولمرت سنة 2007، كان يهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين: أولا، ممارسة الضغط على مليون ونصف المليون إنسان يعيشون فى قطاع غزة من أجل التمرد على سلطة «حماس»، ثانيا، ممارسة الضغط على «حماس» كى تفرج عن الجندى شاليط. وعشية انتهاء ولاية حكومة أولمرت ثار جدل حاد بينه هذا الأخير وبين وزير الدفاع فى حكومته، إيهود باراك، بشأن صعوبة الحفاظ على شرعية الحصار فى ضوء قائمة البضائع والمواد التى مُنع ادخالها إلى غزة والتى كانت تطول باستمرار. غير أن باراك أصر على تلك القائمة، وأسفر ذلك عن استمرار الحصار. إن قرار رفع الحصار هو انتصار لحركة «حماس»، ذلك بأنه سيعزز سلطتها، فضلا عن اخفاق الحصار فى تحقيق هدفيه المذكورين، وما يجب تأكيده، بصورة خاصة، هو أن الحصار لم يؤثر فى هذه الحركة فى كل ما يتعلق بتغيير شروطها الخاصة ب«صفقة شاليط» «صفقة إطلاق أسرى فلسطينيين فى مقابل الإفراج عن الجندى الإسرائيلى الأسير». فى هذه الأثناء، انتشرت شائعات تتحدث عن احتمال انضمام حزب كاديما إلى حكومة نتنياهو وهناك من يعتقد أن باراك هو الذى يقف وراءها، وذلك كى يخفف من الضغوط الداخلية التى تمارس عليه فى حزبه «العمل» من أجل ترك الائتلاف الحكومى. وقد سبق أن أوضح باراك لنتنياهو أنه فى حال عدم استئناف العملية السياسية، وعدم حدوث تغيير فى سياسة الحكومة، فإن حزب العمل سيترك الائتلاف. فى مقابل ذلك، فإن مسئولين كبارا فى حزب كاديما أكدوا أن موضوع «توسيع الحكومة» ليس مدرجا على جدول الأعمال، وأنه لا تبذل أى جهود جادة فى هذا الاتجاه، فضلا عن أن الخيار المقبول من كاديما فى هذا الشأن هو حل الحكومة وتأليف حكومة جديدة بدلا منها. وهذا يعنى أن نتنياهو سيكون مضطرا «من أجل ضم كاديما» إما إلى طرد حزب شاس أو حزب «إسرائيل بيتنا» من حكومته، وهو أمر لا يبدو أنه على استعداد لفعله، وإما إلى إعادة توزيع الحقائب الوزارية وفقا لوزن كل حزب. كما يؤكد كبار المسئولين فى كاديما أن على نتنياهو الموافقة على ما يلى: الاستمرار فى تطبيق قرار تجميد أعمال البناء فى المستوطنات «فى الضفة الغربية» الذى ينتهى مفعوله فى سبتمبر المقبل، إبداء الاستعداد لإجراء مفاوضات «مع الفلسطينيين» تتعلق بالقضايا الجوهرية، تبنى التفاهمات التى تم التوصل إليها بين «رئيسة كاديما ووزيرة الخارجية السابقة» تسيبى ليفنى وأحمد قريع «أبوعلاء» وبين إيهود أولمرت و«رئيس السلطة الفلسطينية» محمود عباس فيما يتعلق بمبادئ الحل الدائم. ومهما يكن، فإن نتنياهو الذى كان واثقا قبل فترة وجيزة بأنه سينجح فى تفكيك حزب كاديما، قد غير كليا مقاربته إزاء هذا الحزب، كما أنه، من ناحية أخرى، بات يفهم أنه يقترب من نقطة الحسم، وأنه لا يمكنه فى الوقت نفسه وقف تجميد البناء فى المستوطنات والاحتفاظ بالشراكة مع حزب العمل، أو استئناف المفاوضات السياسية واستمرار الشراكة مع حزبى شاس و«إسرائيل بيتنا»، لكن من المعروف أيضا أن الشىء الأصعب عليه هو أن يتخذ قرارات حاسمة.