نواكشوط – وكالات: تابع الموريتانيون أمس انشغالهم بجلسة المحكمة العليا التي التأمت الإثنين والثلاثاء للتعقيب على حكم القتل بحد الردة الصادر في كانون الاول / ديسمبر 2014 بحق المدعو محمد الشيخ ولد امخيطير الذي كتب قبل عامين مقالاً اعتبره الكثيرون، بأنه مسيء للنبي عليه السلام. ولم تصدر المحكمة أي قرار بشأن هذه القضية بل قررت في جلستها أمس إرجاء النطق بالحكم في هذه القضية المحرجة إلى جلستها المقررة يوم 20 كانون الأول/ديسمبر المقبل وذلك للمزيد من التداول بشأن الملف. وقبل أن تعلن قرار التأجيل، استمعت المحكمة العليا على مدى ساعات لمرافعات الدفاع حيث طالب المحامي محمد ولد امين بتطبيق الاستتابة وتخفيف الحكم، فيما طالبت المحامية فاطمتا امباي بمعاقبة المسيء بغرامة تتراوح من 5 آلاف إلى 60 ألف أوقية موريتانية. وتظاهر المئات من الموريتانيين أمام المحكمة العليا يرددون شعارات ويحملون لافتات تطالب بإعدام الشاب المسيء طبقاً للحكم الصادر بحقه عن عام 2014 من طرف محكمة جنايات نواذيبو والذي أكدته محكمة الاستئناف. وندد المتظاهرون بحضور سفراء أمريكا وفرنسا وإسبانيا لجلسات المحكمة العليا واعتبروا هذا الحضور حشراً للأنوف في قضية دينية وقانونية محلية، و»ضغطاً على المحكمة العليا لكيلا تنفذ حدود الله». وتخلى الموريتانيون عن اهتماماتهم السياسية وانشغلوا عن متابعة زيارات الرئيس للداخل ليركزوا على قضية إعدام الشاب؛ وغصت صفحات التدوين والتغريد بالمطالبات الملحة بقتله حداً مع توجه السب المقذع لمحامييه وهما الوزير السابق محمد ولد امين والحقوقية فامتماتا امباي. وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بأمداح النبي عليه السلام وإعلان الانتصار له وموالاته نثراً وشعراً وغناءً، كما عرضت عشرات الفتاوى التي تؤكد ألا نجاة للشاب ولد امخيطير من القتل حداً حتى ولو تاب طبقاً للمذهب المالكي المطبق في موريتانيا. وكانت المحكمة الجنائية بمدينة نواذيبو، قد أصدرت يوم 24 كانون الاول / ديسمبر 2014 ، حكماً بالإعدام حداً على المواطن الموريتاني محمد الشيخ ولد امخيطير بسبب كتابة مقال اعتبر مسيئاً للرسول محمد وذلك بعد إدانة الكاتب بالزندقة والإساءة للنبي محمد عليه السلام. وأعلن المدون أمام المحكمة الابتدائية توبته وبراءته، موضحاً «أنه لم يكن ينوي انتقاد النبي عليه السلام بل الدفاع عن الطبقة المهمشة التي ينتمي إليها (طبقة الحدادين)». وأكدت محكمة الاستئناف بعد ذلك حكم الإعدام وقررت إحالة الملف إلى المحكمة العليا لكنها أعادت تكييف التهمة التي استند إليها حكم الإعدام بحق المدون الشاب الشيخ ولد امخيطير الصادر في 24 كانون الأول/ديسمبر 2014، حيث حولتها من تهمة «الكفر» إلى تهمة «الردة» مراعاة لتوبة المتهم. وتنص المادة 306 من القانون الجنائي الموريتاني على أن حكم الإعدام بتهمة «الردة» غير قابل للطعن بينما ينص القانون على أنه «في حالة توبة المحكوم عليه قبل تنفيذ الحكم فإن النيابة تحيل الأمر إلى المحكمة العليا للتأكد من التوبة». واعتقل محمد الشيخ ولد امخيطير يوم 2 كانون الثاني/يناير 2014 بسبب مقال نشره على الإنترنت اعتبر مسيئاً للنبي محمد عليه السلام، حيث صدر حكم بإعدامه في كانون الاول / ديسمبر من العام نفسه. وتطبق الجمهورية الاسلامية الموريتانية أحكام الشريعة الإسلامية ولم تلغ موريتانيا حكم الإعدام لكن أحكام الإعدام والجلد لم تعد تطبق فيها منذ ثلاثة عقود. وقد أثارت هذه القضية جدلاً فقهياً كبيراً بين العلماء والمفكرين حيث أدلى المفكر الإسلامي المجدد محمد المختار الشنقيطي بدلوه في هذا الجدل عبر مقال بعنوان «التطاول على مقام النبوَّة.. بين كسب الألباب وقطع الرقاب»، ورد على الفقيه الموريتاني البارز محمد بن بتار على فتوى الشنقيطي بمقال آخر عنوانه «ملاحظات على تغريدات الشنقيطي في شأن المرتد». وذهب الدكتور محمد المختار الشنقيطي إلى أن «البلسم الشافي هو المنهاج النبوي في التعامل مع المرتدين والطاعنين في مقام النبوة، وهو منهاج يعتمد الإقناع لا الإكراه، ويتوخى الحكمة وينظر إلى المآلات، لكنه منهاج يكاد يتلاشى من حياة المسلمين اليوم بسبب طغيان ثقافة الإكراه في مجتمعاتنا على حساب ثقافة الإقناع». وأكد الشنقيطي على أن «أسوأ رسالة يوجهها المسلمون إلى العالم اليوم من منظور السياسة الشرعية – هي قتل المرتد أو المتطاول على مقام النبوة، لما في ذلك من الإيحاء بأن الناس متمسكون بالإسلام خوفاً من قطع رقابهم، لا اقتناعا بأنه دين الحق». ورد الفقيه ولد بتار على مقال الشنقيطي مؤكداً «أن المرتد إذا كانت ردته بالإساءة إلى نبي مجمع على نبوته يقتل فورا سواء كان رجلا أو امرأة إجماعا ولا تقبل توبته عند الإمام مالك رضي الله عنه، وإذا كانت ردته بغير ذلك يسجن ويستتاب فإن تاب أفرج عنه وإن لم يتب فإن كان رجلاً قتل إجماعاً وإن كان أمرأة قتلت عند الجمهور». وحذر ولد بتار المفكرين من تقطيع النصوص قائلاً «وليعلم المفكرون أن تقطيع النصوص الشرعية حسب الهوى وتجريدها من سياقاتها التي تدل على المقصود منها لم يكن ولن يكون مقبولاً أبداً». وتواجه السلطات التنفيذية والقضائية الموريتانية اليوم حرجاً كبيراً إزاء هذه القضية حيث يطالب الكثيرون على المستوى الداخلي بتنفيذ حكم إعدام هذا الشاب، فيما تعارض أوساط حقوقية محلية وأوساط غربية على المستوى الخارجي، حكم الإعدام إن كان بسبب ما يعتبره المتحررون «مجرد التعبير عن رأي خاص».