عمومية المحاكم الإدارية العليا بمجلس الدولة الأحد    القومي للمرأة بدمياط ينفذ دورات تدريبية للسيدات بمجالات ريادة الأعمال    وزير العمل: حريصون على سرعة إصدار الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من المسجد المحلي بالبحيرة    وزير المالية: الوضع الاقتصادي فى مصر «مطمئن»    كوجك: حققنا 6.1% فائضا أوليا متضمنًا عوائد "رأس الحكمة"    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    الحكومة اللبنانية تبدأ تحقيقات موسعة في انفجار أجهزة الاتصالات اللاسلكية    مصدر لبناني: البطاريات التي يستخدمها حزب الله مزجت بمادة شديدة الانفجار    أجندة ساخنة ل«بلينكن» في الأمم المتحدة.. حرب غزة ليست على جدول أعماله    القنوات الناقلة وموعد مباراة بيراميدز والجيش الرواندي في دوري أبطال إفريقيا    خبر في الجول - الإسماعيلي يفاضل بين تامر مصطفى ومؤمن سليمان لتولي تدريبه    نجم ليفربول يرغب في شراء نادي نانت الفرنسي    سلوت: مشاركة أليسون أمام بورنموث محل شك.. وربما تألق جاكبو بسبب الغضب    قبل ساعات من انطلاق العام الدراسي الجديد، إقبال ضعيف على شواطئ الإسكندرية    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    النيابة تواجه التيجاني بتهمة التحرش بفتاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي    مدارس الوادي الجديد جاهزة لانطلاق الدراسة الأحد المقبل    المتحدة تتعاقد مع أحمد عزمي على مسلسل لرمضان 2025    بالصور- 500 سائح يستعدون لمغامرة ليلية على قمة جبل موسى من دير سانت كاترين    إطلاق الإعلان التشويقي الرسمي لفيلم بنسيون دلال    «المتحدة» تستجيب للفنان أحمد عزمي وتتعاقد معه على مسلسل في رمضان 2025    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    فضل الدعاء يوم الجمعة لرفع البلاء وتحقيق الطمأنينة    وكيل الأزهر: النبي أرسى دعائم الدعوة على التيسير والحكمة والموعظة الحسنة    جامعة عين شمس تعلن إنشاء وحدة لحقوق الإنسان لتحقيق التنمية المستدامة    الصحة تطلق تطبيقا إلكترونيا لمبادرات 100 مليون صحة    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    طعن كلٌ منهما الآخر.. طلب التحريات في مصرع شابين في مشاجرة ببولاق الدكرور    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    الأزهر للفتوى الإلكترونية: القدوة أهم شيء لغرس الأخلاق والتربية الصالحة بالأولاد    إعلام إسرائيلي: تضرر 50 منزلا فى مستوطنة المطلة إثر قصف صاروخي من لبنان    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    موعد مباراة أوجسبورج وماينز في الدوري الالماني والقنوات الناقلة    الزراعة: جمع وتدوير مليون طن قش أرز بالدقهلية    الجيش الصينى: سنتصدى بحزم لأى محاولة ل "استقلال تايوان"    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    ضبط 4 متهمين بالاعتداء على شخص وسرقة شقته بالجيزة.. وإعادة المسروقات    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    وثائق: روسيا توقعت هجوم كورسك وتعاني انهيار معنويات قواتها    فعاليات ثقافية متنوعة ضمن مبادرة «بداية جديدة لبناء الانسان» بشمال سيناء    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    القوات المسلحة تُنظم جنازة عسكرية لأحد شهداء 1967 بعد العثور على رفاته (صور)    على مدار أسبوع.. «حياة كريمة» توزع 3500 وجبة في العريش ضمن مطبخ الكرم    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    التوت فاكهة الغلابة.. زراعة رئيسية ويصل سعر الكيلو 40 جنيه بالإسماعيلية    نجم الزمالك السابق يتعجب من عدم وجود بديل ل أحمد فتوح في المنتخب    حرب غزة.. الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط شمال القدس    ملف مصراوي.. جائزة جديدة لصلاح.. عودة فتوح.. تطورات حالة المولد    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فض اعتصامي رابعة والنهضة وفق المعايير الدولية لفض الاعتصامات السلمية
نشر في الزمان المصري يوم 31 - 08 - 2014

إن "تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، الاستباقى لنتائج عمل لجنة تقصى الحقائق الوطنية، والذي يعتبر انتهاكًا لمبدأ سيادة الدولة، أغفل أن الفض جاء بعد فشل كافة الجهود السياسية والشعبية في إقناع المعتصمين بالفض السلمي حفاظًا على الأمن والنظام العام عقب تفاقم شكاوى واستياء السكان المقيمين بالمنطقة من اتخاذ المعتصمين لموقعي الاعتصام مُنطلقا لتنظيم المسيرات غير السلمية، شكل بؤرة إجرامية؛ الأمر الذي ترتب عليه ترويع الآمنين والاعتداء عليهم واستهداف المرافق الحيوية، بما يمثل انتهاكًا للعديد من حقوق الإنسان والحريات الأساسية".
ام الحكومة المصرية قد اتبعت هذه المعايير الدولية تم إتباعها بداية من دعوة المعتصمين للتفاوض على مطالبهم، كما أن قرار الفض صدر من النيابة العامة وفقًا للقانون للحفاظ على السلم العام، وكذلك توفير ممر آمن لخروج المعتصمين ليتمكنوا من تلبية الدعوة للانصراف، ويليه استخدام القوة لفض الاعتصام، وتتصاعد تدريجيًا وفقًا لرد فعل المعتصمين، فتبدأ برش المياه، ثم قنابل الغاز، ثم طلقات الخرطوش في أماكن غير مميتة.
أن نسبة الذين لقوا حتفهم جراء الاعتداء و التعذيب على أيدي جماعة الإخوان كانت حوالي 44%، و بلغت نسبة الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت 22%، بينما بلغت نسبة الذين تعرضوا للقتل العمد في هجوم مسلح حوالي 3%، و كانت نسبة ضحايا القتل في الاشتباكات حوالي 82%، مؤكدا أن أعداد الضحايا كانت السبب الأول الذي دفع الغالبية م المواطنين للمطالبة بفض الإعتصامات.
أنه في استطلاع أجراه جاءت نسبة المواطنون المؤيدون لفض الاعتصام 63%، فيما رفض 37% منهم قرار الفض، أن 17% من إجمالي الأشخاص الذين صوتوا لفض الاعتصام جاءت رغبتهم لفض الاعتصام قانونيا، بينما رغب 34% منهم للتوصل إلى حل سلمى يرضى المعتصمين، فيما أرجح 19% منهم لاستخدام الوسائل الغير عنيفة في فض الاعتصام، و اتفق 21% منهم على محاولات تضييق الخناق على المعتصمين، و جاءت نسبة 9% منهم مؤيدة لاستخدام العنف المفرط تجاه المعتصمين. أن هناك 6 إجراءات تتبع في مثل هذه الحالات و هي: دعوة المعتصمين للتفاوض على مطالبهم، أن يأتي قرار فض الاعتصام صادر عن النيابة ووفقاً للدستور والقانون للحفاظ على السلم العام، إطلاق تحذيرات صوتية واضحة ومسموعة لكل المعتصمين وأكثر من مرة بضرورة إخلاء المكان دون مقاومة، توفير ممر آمن لخروج المعتصمين ليتمكنوا من تلبية الدعوة للانصراف، بداية الاقتحام عن طريق تكسير كل الحواجز التي تمنع دخول القوات لمقر الاعتصام، استخدام القوة لفض الاعتصام وتتصاعد تدريجيًا وفق لرد فعل المعتصمين تبدأ برش المياه، ثم قنابل الغاز، ثم طلقات الخرطوش في أماكن غير مميتة، مؤكدا أن قوات الأمن نفذت هذه المعايير عن فضها لإعتصامى مؤيدي الرئيس المعزول في ميدان النهضة و رابعة العدوية.
أن حالات العنف التي صدرت من قبل أعضاء جماعة الإخوان و المنتمون إليها توزعت على النحو التالي: 11% منشات و ممتلكات عامة، 9% منشأت شرطية، 23% كنائس و مشأت تابعة لها، 7% اشتباكات و ترويع المواطنين، 2% ممتلكات خاصة.
إن الصعوبة التي واجهها أثناء إحصاءه لأعداد الوفيات و الإصابات في كل حادث على حده، فقرر الاعتماد على التقارير الصادرة من مصلحة الطب الشرعي و التي أكدت أن إجمالي الجاثمين التي وصلت إلى دار مشرحة زينهم، منذ أحداث فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة، حتى 18 أغسطس بلغ 575 منها 272 من القاهرة والجيزة، و52 جثة مجهولة، منها 20 شرطياً، كما بلغ عدد الضحايا في يوم اعتصام رابعة والنهضة 303 جثث معلومة، منها 9 أفراد شرطة، وذكرت الإحصائية دور التشريح في باقي محافظات الجمهورية، فإجمالي الجثث التي تم تشريحها 341، ليصل بذلك إجمالي عدد الجثث التي تم جمعها منذ يوم فض الاعتصام وحتى 19 أغسطس إلى 1068 جثة.
الجدير بالذكر أن حجم الخسائر لتوابع عملية فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة يفوق بكثير حجم الخسائر التي تمت أثناء فض الاعتصامين، حيث نتج عن فض الاعتصامين عدد (303) حالة وفاة من إجمالي (1068) جثة سقطت على مدار أسبوع كامل حسب تقرير مصلحة الطب الشرعي.
أن الخسائر الناتجة عن الإجراءات الانتقامية لجماعة الإخوان عقب الانتهاء من فض اعتصاميهم غير مقتصرة على إراقة الدماء فقط بل امتدت إلى خسائر مادية كالاعتداء على المنشآت والاستهداف الممنهج للكنائس وممتلكات الأقباط والمؤسسات التابعة للدولة وجهاز الشرطة، حيث قمنا برصد وتوثيق حالات حرق ل (23) كنيسة ومنشأة أو ملكية قبطية، واعتداء على (9) منشآت شرطية واستهداف (11) منشأة تابعة للدولة، و(10) حالات اشتباكات واعتداء وترويع للمواطنين المدنيين وتعدي على ممتلكات خاصة.
.أن بداية الاقتحام كانت عن طريق تكسير كل الحواجز التي تمنع دخول القوات لمقر الاعتصام، فضلًا عن إطلاق تحذيرات صوتية واضحة ومسموعة لكل المعتصمين وأكثر من مرة بضرورة إخلاء المكان دون مقاومة.القواعد التي ينبغي أن تتبعها السلطات في التعامل مع الاعتصامات أو التجمعات السلمية خاصة إذا ما أصبحت خطرا يهدد الأمن القومي للدولة، علاوة على القيود على حقوق التظاهر في التجارب الدولية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على تجارب دولية في فض الاعتصامات، ثم طرح أبرز المسارات التي يمكن التعامل بها مع اعتصامي رابعة والنهضة.
أولا: الأطر القانونية لتعامل السلطات مع حقوق المتظاهرين:
تكفل قواعد القانون الدولي حماية الحق في التجمع السلمي، كما أنها من ناحية أخرى تضع معايير واضحة للتعامل معه في حال خرجت عن قواعد السلم والأمن العام، ومن الأهمية بمكان التمييز بين استخدام القوة في إطار الاضطرابات الداخلية وبين استخدام القوة في إطار النزاعات المسلحة غير الدولية. ففي الأولى يجري تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان فقط، وبشكل خاص معايير استخدام القوة والأسلحة النارية ودور الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين ومعايير حقوق الإنسان العامة، ولا يطبق القانون الدولي الإنساني. بينما يجري تطبيق القانون الدولي الإنساني بجانب القانون الدولي لحقوق الإنسان في النزاعات المسلحة غير الدولية. وتأتي مناقشة حدود التعامل مع اعتصامات جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في سياق الحالة الأولى.
وفيما يلي نتناول أهم هذه القواعد على النحو التالي:
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 21): والذي اعترف بالحق في التجمع السلمي، لكنه لم يجعله حقًّا مطلقًا؛ حيث قيده بقواعد القانون الداخلي الذي يضع "تدابير ضرورية" لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".
- المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين: والتي تنص على أن موظفي إنفاذ القوانين عليهم قدر الإمكان اللجوء إلى أساليب غير عنيفة قبل اللجوء لاستخدام القوة. ويحق لهم استخدام القوة "فقط إذا كانت السُبل الأخرى غير فعالة". وعندما لا يكون هناك بديل عن استخدام القوة فعليهم "ممارسة ضبط النفس أثناء استخدام القوة، والتصرف بشكل متناسب مع درجة جدية الاعتداء".
- مدونة السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين: وقد نصت على أن مسئولي إنفاذ القانون لا يحق لهم استخدام القوة إلا لو كانت ضرورية، وبالقدر المطلوب لأداء واجبهم.
ويتضح مما سبق أن أدوات التعامل مع "التجمعات" تتضمن وسائل غير عنيفة، تعتمد على "إدارة عملية تفاوض" تستهدف نزع فتيل اشتعال الأزمات بين المتظاهرين وجهات إنفاذ القانون خلال الاحتجاجات، وهي منخفضة التكلفة، وتسمح بالتوصل إلى حلول سياسية. وأخرى عنيفة لكنها يجب أن تكون ملاذًا أخيرًا ومتناسبة مع واقع الأحداث. وتعتبر هذه الوسائل أعلى تكلفة؛ إذ قد ينتج عنها ضحايا وإزهاق أرواح مما يزيد من الاحتقان السياسي الذي يؤدي إلى صعوبة التوصل إلى حلول سياسية. وجدير بالملاحظة أنه يتم النظر بكثير من التعاطف نحو المتظاهرين الذين يتم استخدام القوة تجاههم مما يولد ضغطًا شعبيًّا كبيرًا. وهو ما يستدعي أهمية وجود دعم شعبي في حال اللجوء إلى العنف في التعامل مع تجمعات المتظاهرين.
ثانيًا: القيود على ممارسة حق التظاهر في ضوء التجارب الدولية.
على الرغم من أن الحق في التظاهر والتجمع السلمي مظهر رئيسي للعمل السياسي في المجتمعات الديمقراطية، إلا أن قواعد القانون الداخلي في أي دولة عادةً ما تفرض قيودًا على ممارسة هذا الحق بما يحفظ لها الحفاظ على أمن وسلامة النظام العام. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه في الولايات المتحدة الأمريكية يكفل الدستور عدم حق أي ولاية في منع قيام أي مظاهرة أو احتجاج أو مسيرة مهما يكن الغرض منها، حتى لو كانت ضد قوانين الولاية نفسها.
إلا أنه من ناحية أخرى، يضع قيودًا في مواجهة خطابات التحريض على أعمال العنف الوشيكة والتهديدات. كذلك يمنع استخدام مكبرات الصوت إلا بعد الحصول على تصريح على ألا تستخدم بعد السادسة مساء. كما يستطيع منع القيام بمظاهرات بالقرب من المستشفيات أو المدارس أو الجامعات أو أماكن الخدمة العامة كالوزارات والمطارات وأماكن تجمع وسائل النقل أو إغلاق الشوارع والممرات.
أيضًا يعطي القانون البريطاني للمواطنين حق التظاهر السلمي والحق في التجمع والتعبير بحرية؛ إلا أنه على الجانب الآخر يعطي للشرطة الحق بالتدخل وفض تجمعات المتظاهرين بالقوة إذا رأت أن سبب الاحتجاج لا يمثل أهمية، أو أنه يعرقل المرور وممرات السير. كما يمكن للشرطة فرض قيود إضافية على الاحتجاجات أو المظاهرات إذا رأت أنها قد تتحول إلى اضطرابات، أو تسبب أضرارًا للممتلكات العامة أو الخاصة. من ناحية أخرى، يفرض القانون على المتظاهرين قيودًا شديدة في مناطق معينة للتواجد أو التظاهر بها مثل القواعد العسكرية، أو المحطات النووية، ومقر رئاسة الوزراء في بريطانيا، وقصر ويست منيستر الذي يضم مبنى البرلمان البريطاني، وغيرها من المناطق الحيوية التي تشكل خطرًا على الأمن القومي.
ثالثًا: أدوات العنف في التعامل مع المظاهرات في الخبرة الدولية.
على الرغم من أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لا يعترف إلا بالحق في "التجمع السلمي" إلا أنه مع ذلك لا يُفقد الفرد الحماية المتأتية عن هذا الحق عند نشوب أعمال عنف متفرقة أو معزولة داخل التجمعات. وتوضح اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والمشرفة على تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأنه متى فرضت أية قيود فعلى الدولة أن تقدم الدليل على ضرورتها. ويمكن النظر إلى تجربتين في فض الاعتصامات وهما:
- التجربة البريطانية، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى خبرة بريطانيا التي شهدت مظاهرات بدأت في 6 أغسطس عام 2011، لكنها تحولت إلى اشتباكات عنيفة مع الشرطة في عدة مدن بريطانية.
وقد اعتبر رئيس الوزراء البريطاني في خطابه أمام مجلس العموم البريطاني خلال جلسة طارئة انعقدت 11 أغسطس 2011، أن أعمال الشغب التي هزت بريطانيا خلال أربع ليال لا علاقة لها بالسياسة، وأن مبررها الوحيد السرقة. وفي هذا السياق لم يستبعد اللجوء إلى الجيش لمساعدة الشرطة في حال تجدد أعمال الشغب مستقبلا. مشيرًا إلى أن الحكومة والسلطات الأمنية درسا إمكانية تقييد نشاط موقعي التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فيسبوك" اللذين استخدمهما المشاغبون لتنظيم أنفسهم. ودعا إلى التشدد في إصدار أقصى العقوبات ضد من سماهم مثيري الشغب.
وقد بلغت تكلفة هذه الأحداث نحو خمسة قتلى. كما أنه بعد أسبوع من انتهاء أعمال العنف مَثُل 1200 شخص منهم 20% من القاصرين أمام المحاكم، وتم إيداع 24% منهم في السجن. ويُلاحظ أن كاميرون كان قد نجح في كسب تأييد شعبي على ما تم اتخاذه من قرارات متشددة اكتسبت الطابع الأمني بشكل رئيسي بعد أن خسرت الاحتجاجات تعاطف الشعب البريطاني من جراء أعمال العنف.
- التجربة التركية، حيث يُلاحظ أن تركيا على الرغم من أن الاضطراب الذي شهدته إسطنبول في 27 مايو 2013 بدأ باعتصام صغير شارك فيه عدد قليل من الأفراد أراد التصدي لمحاولة اقتلاع أشجار في متنزه بميدان تقسيم؛ فإنه ما لبث أن تحول إلى تحرك شعبي على مستوى البلاد يطالب باستقالة رئيس الوزراء أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم. ويُذكر أن آلاف المتظاهرين قد اعتصموا بحديقة جيزي لأكثر من أسبوعين حتى تم إجلاؤهم منها نهائيًّا بالقوة في 15 يونيو 2013.
وقد اعتمدت السلطات التركية في فض الاعتصامات على شرطة مكافحة الشغب التي أطلقت مدعومة بعربات مدرعة وطائرات هليكوبتر الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه. وقد بلغت تكلفة التعامل الأمني خمسة قتلى بينهم شرطي، بينما أصيب نحو 7500 شخص بجروح، وذلك وفقًا لاتحاد الأطباء التركي. ويُلاحظ أن عجز أردوغان عن تبرير استخدام القوة المفرطة تجاه المظاهرين قد ووجه بانتقادات قوية من قبل المجتمع الدولي، وخاصة بعد اعتراف أردوغان بأن التجمعات تعبر عن حراك اجتماعي، لكنه استخدم فكرة الحشود المضادة، حيث دعا في 1 يونيو 2013 إلى الوقف الفوري للمظاهرات، مشيرًا إلى أنه "إذا كان الأمر يتعلق بتنظيم التجمعات وإذا كان هذا حراكًا اجتماعيًّا يجمعون فيه 20 فإنني سأقوم وأجمع 200 ألف شخص، وإذا جمعوا مائة ألف سأجمع مليونًا من حزبي".
رابعًا: مسارات محتملة التعامل مع اعتصامات الإخوان:
يشهد الواقع المصري العديد من الانقسامات حول آليات التعامل مع الاعتصامات التي أضحت مصدر قلق للدولة وترويع للمجتمع المصري. وفي هذا السياق وفي ضوء الخبرات والمعايير الدولية، يمكن الإشارة إلى ثلاثة مسارات رئيسية للتعامل مع الاعتصامات في سياق المتغيرات الداخلية والدولية على النحو التالي:
المسار التفاوضي: وهو المسار الأقل تكلفة رغم صعوباته في الوقت الحالي. ويأتي تصريح الفريق أول عبد الفتاح السيسي في المقابلة الصحفية مع جريدة "واشنطن بوست" يوم السبت 3 أغسطس عن أن الإدارة الأمريكية لها تأثير قوي على الإخوان المسلمين "وأنا أتمنى أن أرى الإدارة الأمريكية تستخدم هذا التأثير من أجل حل الصراع الحالي" كاشفًا عن السعي إلى استخدام مساعي الوساطة لتفعيل هذا المسار. من ناحية أخرى؛ لفت الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية في حواره على قناة الحياة المصرية السبت 3 أغسطس إلى أن مصر تبحث مع أطراف دولية كيفية حث جماعة الإخوان على نبذ العنف، ووضع آليات محددة لذلك، مشيرًا إلى دور تلعبه قطر في هذا السياق.
- مسار القوة: ويظل هذا المسار بمثابة الملجأ الأخير إذا فشل الحل السياسي للأزمة. ويجب أن تكون هناك أسباب ومبررات واضحة من قبل السلطة للجوء إليه. وهو ما يتطلب وجود قدر كبير من الشفافية. ويلاحظ في هذا السياق بيان المتحدث الرسمي عن المؤسسة العسكرية على صفحة موقع فيسبوك 25 يوليو، أن الجيش المصري سيرفع سلاحه "في وجه العنف والإرهاب الأسود". وما أعقبه من نجاح دعوة الفريق عبد الفتاح السيسي للشعب المصري من أجل الحشد في الميادين في 26 يوليو لتفويضه في مواجهة العنف والإرهاب. كما لم يستبعد د. البرادعي هذا المسار إذا لم يكن هناك بديل عنه، مع الحرص على التقليل من الخسائر إلى أقل حد ممكن. مشيرًا إلى تقارير أصدرتها العفو الدولية بشأن 11 جثة تم تعذيبها في اعتصام رابعة العدوية.
- المسار المزدوج: ويجمع هذا المسار بين التفاوض واستخدام القوة لفض التظاهرات العشوائية التي تخرج عن تجمعات رابعة والنهضة، ويبدو أن هذا المسار هو الذي تنتهجه السلطة حاليا في مصر ، حيث لا يمكن اللجوء للقوة بالكامل في ظل ضغوطات دولية تحذر السلطة من فض الاعتصامات بالقوة، إلا أن السلطات من جانبها تواجه المتظاهرات العشوائية للإخوان بالقوة كما حدث في مدينة الإنتاج الإعلامي، كما أن ثمة اتجاها لفرض حصار في المنطقة يسمح بخروج المعتصمين ويمنع دخولهم للاعتصام مرة أخرى، لاسيما مع محاولة الداخلية طمأنة المتظاهرين بأن من يغادر الاعتصام لن يتم ملاحقته أمنيا.
عرف التظاهر السلمي أو ما يعرف قانونا بالتجمع السلمي منذ قديم الأزل خاصة وأنه المظهر الرئيسي لكافة أشكال الاحتجاجات والثورات في كل زمان ومكان.
شهدت عدة دول عربية، ولا تزال، موجة عارمة من المظاهرات والاعتصامات منذ بدايات 2011، ، كانت مفاجئة من حيث التوقيت، ومختلفة من حيث مدى الاستمرارية، وتحولت في بعض الحالات إلى ثورات "كاملة"، أسقطت أنظمة سياسية. وفي حالات أخرى، لا تزال في الطريق إلى ذلك، رغم كل القمع الذي يجري بحق المشاركين فيها. وحتى الدول التي شهدت ثورات "كاملة"، مثل تونس ومصر وليبيا، لم يخل المشهد فيها من حالة المظاهرات والاعتصامات المستمرة، وهي حالة غابت عن العالم العربي لعقود طويلة، حيث لم يكن معهودا أن تخرج الشعوب العربية في مسيرات عارمة، تطالب بمطالب سياسية واجتماعية واقتصادية.ورغم أن المظاهرات والاعتصامات تعد أحد أهم أشكال التعبير عن آراء الشارع ومطالبه، وربما تكون أكثرها مباشرة، فإنها من الظواهر الأقل دراسة. فهناك ندرة في الأدبيات العربية التي تتناول هذه الظاهرة بالتحليل، أو التي تناقش الأطر النظرية التي يمكن في ضوئها تحليل تأثير هذه الظاهرة في سياسات الدول.وتحاول هذه الورقة تحليل المظاهرات بأنواعها والاعتصامات، باعتبارها معبرا عن جزء من الشارع، خاصة في الدول التي تمر بمراحل انتقالية، مثل مصر وتونس وليبيا، وتحليل تأثيرها في السياسات الداخلية والخارجية للدول.
أولا:المظاهرات والاعتصامات .. التعريف والتكتيكات:
على الرغم من أن بدايات ظهور الاحتجاجات الشعبية ترجع إلى عهد بعيد نسبيا ، فإن أول ظهور لمفهوم الاعتصام أو التظاهر في معناه الحديث كان في منتصف القرن التاسع عشر، وكان أول من استعمل هذا المفهوم هو الكاتب الأمريكي ديفيد هنري ثورو، في مقال شهير له نشر في 1849، بعنوان "العصيان المدني". وقد بدأ الاهتمام بدراسة سلوك التظاهر والاعتصام في منتصف القرن العشرين، وذلك في إطار أدبيات الرأي العام التي تناقش ما اصطلح على تسميته بثقافة الاحتجاج الشعبي .
ويلاحظ أن التعريفات المطروحة لمفهومي التظاهر والاعتصام، بعضها يضيق من نطاق سلوك التظاهر والاعتصام، وبعضها الآخر يوسع فيه. فعلى سبيل المثال، هناك اتجاه يعرف التظاهر على أنه "خروج إلى المجال العام طلبا لإحقاق حق، أو دفع ظلم، فهو خروج من البيت إلى الشارع أو الميدان يعبر عن حالة من عدم الرضا في الحيز الخاص، وحملها إلى الحيز العام كما أن هناك اتجاها يعرف الاعتصام بأنه مظهر احتجاجي ضد سياسة ما عن طريق الوجود والتجمع السلمي، أمام مكان أو مقر يرمز إلى الجهة التي تمارس السياسة موضع الاحتجاج. ويرمز هذا التعريف غالبا إلى الاعتصامات الفئوية التي تختزل مطالبها في نقاط محددة، وغالبا ما تمس احتياجات فئة بعينها من فئات المجتمع، بمعني أنها تعبر عن مطالب ضيقة مرتبطة بجماعات معينة. يقدم فريق آخر تعريفا أوسع للاعتصام، حيث يعرفه على أنه مرحلة متقدمة من حركة الاحتجاجات الشعبية، تسبب إزعاجا وضغطا كبيرين على الأنظمة السياسية القائمة، نتيجة لشمولية أهدافها، واتساع نطاق المشاركة فيها.
أما فيما يتعلق بالتكتيكات والأساليب المستخدمة في المظاهرات والاعتصامات، فإنه تقليديا كان يتم الاهتمام بشكل أساسي بالشعارات المستخدمة وتحليل مضمونها وما ترمز إليه، ولكن حركة الاحتجاجات التي شهدتها عدد من الدول العربية، منذ بداية 2011، كشفت عن أساليب وتكتيكات جديدة لم تكن معروفة من قبل، ومختلفة عما تعودت عليه المجتمعات العربية بل والغربية في هذا الشأن، حتى إن بعض المهتمين دعا إلى تطوير أدب المظاهرات والاعتصامات.
وهناك ثلاثة التكتيكات أولها في الشعار، ويعد من أهم وأبرز التكتيكات التقليدية المستخدمة في المظاهرات والاعتصامات، ويلعب دورا رئيسيا وحاسما في التظاهر. ويمثل المضمون السياسي للشعار أحد أهم مكوناته، والذي يجب أن يلخص في كلمات قليلة حالة عامة شاملة، ومن ذلك الشعار الذي تناقلته القوي الثورية في الدول العربية "الشعب يريد إسقاط النظام".
ويتمثل التكتيك الثاني في المكان، وهو من أهم الأساليب المستحدثة في المظاهرات والاعتصامات التي شهدتها بعض الدول العربية أخيرا، حيث مثل التجمع في الميادين العامة سمة مشتركة بينها، مثل ميدان التحرير في القاهرة، والساحة الخضراء في ليبيا، وميدان التحرير بالعاصمة صنعاء في اليمن، وميدان اللؤلؤة في البحرين، وساحة الإرادة في الكويت. وهذه الميادين عادة ما تكون لها رمزيتها التاريخية في مجتمعاتها، فضلا عن اتسامها باتساع رقعتها الجغرافية، بما يسمح باستيعاب العديد من المتظاهرين، فضلا عن سهولة وصول وسائل الإعلام إليها.
ويتعلق التكتيك الثالث بالتنظيم والحشد والتعبئة، حيث لم تكن المظاهرات والاعتصامات التي شهدتها الدول العربية أخيرا عفوية، وإنما اتسمت بالحشد والتعبئة والتنظيم، عبر الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تبادلت فيما بينها ما تمت تسميته ب "كتالوج" أو "إرشادات" التظاهر، مع سرعة انتقاله من مكان إلى آخر دون إمكانية احتجازه في حدود الأنظمة، مهما بلغت درجة الرقابة فيها.
ومنذ عقود أصبح من المتعارف عليه بين الأمم( ولو نظريا)أن جميع البشر يتمتعون بحق تأييد ودعم حقوق الإنسان وتطويرها وحمايتها عبر الوسائل القانونية والسلمية. وتشمل هذه الوسائل السلمية الحقوق في حرية التعبير الذي يعد حق التظاهر السلمي أو التجمع السلمي من بين مظاهره.ووفق ما ورد بإعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان والصادر عام1998, فإن الدولة تتحمل المسئولية الأساسية عن اتخاذ جميع الخطوات الضرورية لضمان حماية أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان.
لقد سعت الكثير من الشعوب إلي المحافظة علي حقوقها فيما يتعلق بالحق في التجمع السلمي حيث يحق للناس التجمع معا لإعلاء شأن حقوق الإنسان وحمايتها من خلال الاحتجاج السلمي أو التعبير عن آرائهم.فوفق ما جاء بالمادتين5 و12 من إعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان: لغرض تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية, يكون لكل شخص الحق, بمفرده وبالاشتراك مع غيره, علي الصعيدين الوطني والدولي:
1 الالتقاء أو التجمع سلميا…و1- لكل شخص الحق بمفرده وبالاشتراك مع غيره, في أن يشترك في الأنشطة السلمية لمناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
-2 تتخذ الدولة جميع التدابير اللازمة التي تكفل لكل شخص حماية السلطات المختصة له بمفرده وبالاشتراك مع غيره, من أي عنف أو تهديد أو انتقام أو تمييز ضار فعلا أو قانونا أو ضغط أو أي إجراء تعسفي آخر نتيجة لممارسته أو ممارستها المشروعة للحقوق المشار إليها في هذا الإعلان.
-3 وفي هذا الصدد يحق لكل شخص, بمفرده وبالاشتراك مع غيره,أن يتمتع في ظل القانون الوطني بحماية فعالة لدي مقاومته أو معارضته, بوسائل سلمية للأنشطة والأفعال المنسوبة إلى الدول, بما فيها تلك ترجع إلي الامتناع عن فعل, و التي تؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات الأساسية, فضلا عن أفعال العنف التي ترتكبها جماعات أو أفراد, وتؤثر في التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
والمادة رقم20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي نصت علي أنه لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.ولا يجوز إرغام أحد علي الانضمام إلي جمعية ما.
هذا بالإضافة لما ورد بالمادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود علي ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية, في مجتمع ديمقراطي, لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. وبالتالي فالحق في التظاهر السلمي هو حق له بداية وله حدود.
وقد وضعت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي عام2012 تعريفا للتجمع السلمي للأغراض التوجيهية وجاء به: التجمع معناه الوجود المقصود والوقتي لعدة أشخاص في مكان عام لخدمة القضية المشتركة. وتعد حرية التجمع السلمي هي حقا أساسيا من حقوق الإنسان التي يمكن أن يتمتع بها ويمارسها الأفراد والجماعات والجمعيات والكيانات القانونية والهيئات الاعتبارية. وتخدم التجمعات( أو المظاهرات)الكثير من الأغراض, فهي وسيلة للتعبير عن الآراء التي لا تحظي بشعبية كبيرة أو آراء الأقليات.وتعدها المجتمعات الديمقراطية( ولو نظريا) نشاطا مهما للحفاظ علي الثقافة وتنميتها وبالتالي فهي تتبني الرأي القائل إن حماية حرية التجمع السلمي أمر جوهري لبناء مجتمع متسامح تعددي متعدد المعتقدات والممارسات والسياسات الموجودة معا في سلام.
ولم يقتصر التأكيد على الحق في التجمع السلمي على المواثيق والاتفاقيات الدولية والعالمية، وإنما ذهبت الاتفاقيات الإقليمية لحقوق الإنسان هي الأخرى إلى التأكيد عليه، كان أبرزها ذلك ما نصت عليه الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في المادة (11) بأن يكون لكل إنسان الحق في حرية الاجتماعات السلمية، وكذلك ما نص عليه الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004 في المادة (24) بأن لكل مواطن حرية الاجتماع والتجمع بصورة سلمية.
ثانيا:كيف يمكن تحليل تأثير المظاهرات والاعتصامات؟
يمكن التمييز بين ثلاثة اتجاهات رئيسية في تحليل تأثير المظاهرات والاعتصامات
يتمثل الاتجاه الأول في اتجاه محدودية التأثير، حيث يرى أن تأثير المظاهرات والاعتصامات في عملية صنع القرار، حتى في النظام الديمقراطي، هو محدود بطبيعته. ويجادل أنصار هذا الاتجاه بأن الأولوية يجب أن تكون لاستقرار النظام، والحفاظ على الوضع القائم، وليس إشراك المواطنين في عملية صنع القرار.
ويتبنى الاتجاه الثاني موقف المبالغة في التأثير، ويهتم هذا الاتجاه بالنظم الديمقراطية تحديدا، ويجادل بأن سلوك التظاهر والاعتصام هو بمثابة استفتاء مستمر على سياسات الحكومة، وهو إحدى الوسائل التي تتيح للجمهور التعبير عن آرائه، وطرح أولوياته، كما أنه يمثل مصدر ضغط مهما على صناع القرار. كما يجادل بأن تعقد المشكلات وتزايد الاحتياجات يدفعان صانع القرار إلى الاهتمام بالمزيد من المدخلات القادمة من أفراد المجتمع العاديين، وبالتالي تصبح المظاهرات والاعتصامات وسيلة للتعرف على ما يحدث من تغير في مطالب المواطنين .
ويرى الاتجاه الثالث أن تأثير المظاهرات والاعتصامات يعتمد على متغير وسيط رئيسي، هو طبيعة النظام السياسي. وفي هذا السياق، تبرز نظرية بنية الفرصة السياسية Political Opportunity Structure التي ترى أن المتغير الرئيسي الذي يحدد تأثير المظاهرات والاعتصامات هو مدى قدرة نظام الحكم على استيعاب حركات الاحتجاج المختلفة، سواء المنظمة أو غير المنظمة. ووفقا لهذه النظرية، كلما ازداد انغلاق النظام السياسي في وجه المتظاهرين، زادت احتمالات قمع تلك التظاهرات، وكلما ازداد انفتاح النظام السياسي، زادت احتمالات استيعاب مطالب المتظاهرين. ووفقا لهذه النظرية أيضا، لا تتطور في الدول غير الديمقراطية مظاهر مستديمة للاحتجاج للتعبير عن مصالح جماعية، وإنما تنشأ بعض مظاهر الاحتجاج الفئوية، التي تنتهي إما بالقمع، أو بالاستجابة، إذا كانت لا تؤثر في مصالح النظام
ثالثا:المظاهرات السلمية في التجارب الدولية:
تظل المظاهرات هي الخيار التكتيكي الأقوى الذي تستخدمه الحركات السياسية المعارضة, كمقاومة مدنية سلمية أمام ما تراه من قرارات حكومية أو سياسية جائرة, أو للتعبير عن الرأي تجاه قضايا مثيرة للجدل.
عندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني البريطاني لا تحدثوني عن حقوق الإنسان, كان هذا ما صرح به ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني في تعليقه علي العنف المفرط الذي استخدمته الشرطة ضد المواطنين البريطانيين عقب تحول احتجاجاتهم إلي أعمال عنف وشغب خلال واحدة من أعنف موجات الاحتجاج التي شهدتها بريطانيا عام 2011 بسبب بعض الأحداث التي حدثت بصورة متلاحقة ومنها الخطة التي أقرتها الحكومة لخفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب وإصلاح قانون التقاعد, بالإضافة إلي زيادة الرسوم الدراسية وخفض التمويل الحكومي لميزانية التعليم الجامعي وهو ما جعل مئات الآلاف من البريطانيين يخرجون في مظاهرات سلمية احتجاجا علي تلك القرارات, ولكن سرعان ما تحولت تلك الاحتجاجات إلي أعمال شغب واشتباكات, وتدخلت قوات الأمن لمواجهة هذا الشغب الذي شهدته بريطانيا ولكنها لم تستطع إيقاف الاشتباكات مما أدي إلي الاستعانة بقوات مكافحة الشغب, وقام المحتجون برشق قوات الشرطة بكرات اللهب وسقط العديد من المصابين .
ويعطي القانون البريطاني للمواطنين حق التظاهر السلمي وحق الأفراد في التجمع والتعبير عن أنفسهم بحرية, ويحظر علي الحكومة أو أي هيئة تابعة لها مثل الشرطة التدخل في هذا الحق, وإذا حدث أي تدخل من جانب الحكومة أو الشرطة فمن حق المتظاهر اللجوء إلي القضاء واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.
أجاز القانون البريطاني في الفقرة 4 من المادة (13) لرئيس الشرطة إذا ما رأى أن هناك من الظروف الخاصة في أي مقاطعة أو جزء منها، أو عدم توافر قوات كافية لتأمين التجمعات ومنع الإضرار بالنظام العام أن يقوم برفع طلب إلى مجلس المقاطعة بإلغاء انعقاد أية تجمعات وذلك لمدة لا تتجاوز 3 أشهر، وللمجلس بعد موافقة وزير الدولة إصدار أمرا إما بوضع شروط لعقد التجمع، أو إدخال تعديلات عليه باستثناء التجمعات التي من المفترض أن يتم انعقادها بمدينة لندن أو في ال Metropolitan Police District. حيث أن لمفوض شرطة مدينة لندن أو مفوض شرطة العاصمة بعد موافقة وزير الدولة الحق في اتخاذ قرار بمنع انعقاد أية تجمعات لا تتجاوز 3 شهور إذا ما رأى أن هناك من الظروف ما يجعل انعقاد أي تجمع في أي مقاطعة أو جزء منها خطراً على النظام، والأمن العام. إلا أنه أعطي في مقابل ذلك لمنظمي التجمعات المتضررين من تلك الترتيبات الحق في الطعن عليها أمام المحكمة العليا.
كما نصت المادة (14) على أنه يحق لضابط الشرطة (السينور) بهدف الحفاظ على النظام والأمن العام، وكبح الفوضى التدخل بإجراء تعديلات علي خطة التجمع وبرنامجه من خلال تحديد موعد أقصى لانتهائه، وحد أقصى للمشاركين فيه انعقاد التجمع، كما يحق له التدخل بإجراء تعديلات على خطة التجمع أو إلغائه إذا كان من شأنه أن يفضي إلى إجبار الآخرين علي القيام بفعل لهم الحق في عدم القيام به أو العكس. وتعد بريطانيا صاحبة تاريخ طويل في الخروج في تظاهرات سلمية والتعبير السلمي عن الآراء أو المطالبة بتغيير القوانين التي يرونها ضد مصالحهم, ولكن أقر البرلمان البريطاني في السنوات الأخيرة بعض القوانين التي تقيد حق التظاهر وتعطي صلاحيات أكبر للشرطة وذلك وفق قانون مكافحة الجريمة المنظمة لعام2005 ومكافحة الإرهاب لعام2006, وذلك بعد انتشار الجريمة المنظمة والإرهاب بطريقة تشكل خطرا علي الأمن القومي للبلاد, حيث أعطى القانون الإنجليزي الشرطة في حالة خرق القيود المفروضة على التجمع وحدوث انتهاكات جماعية من قبل المشاركين في التجمعات الحق في فضها، وتفتيش أي شخص يشتبه في ضلوعه في القيام بأي أعمال إجرامية أو عدائية تهدد الأمن والنظام العام والقبض عليه، كما أعطى لقوات الشرطة الحق في اتباع تكتيك الkittling أي تطويق المتظاهرين المشاغبين واحتجازهم، معطياً للمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان كذلك الحق في مراقبة سلوك وتصرف المشاركين في التجمعات لتحديد من قام بالخرق والانتهاك وما إذا ما قامت به الأجهزة الأمنية قد مثل تعسفاً من عدمه.كما فرض علي المتظاهرين قيودا شديدة في مناطق معينة للتواجد أو التظاهر بها مثل القواعد العسكرية أو المحطات النووية وداوننج ستريت, مقر رئاسة الوزراء في بريطانيا, وقصر ويست منيستر والذي يضم مبني البرلمان البريطاني وغيرها من المناطق الحيوية والتي تشكل خطرا علي الأمن القومي.
يظل حق التظاهر في الولايات المتحدة من القضايا التي تثير جدلا متواصلا منذ أن وضعت وثيقة الحقوق عام1791, فحق التعبير عن الرأي الذي يكفله الدستور ليس مطلقا, كما قد يتصور البعض, بل تحده الكثير من القيود والشروط, التي قد تبدو أحيانا في نظر الحركات المدنية شديدة القمع, ففي الوقت الذي يكفل الدستور عدم حق أي ولاية من الولايات الأمريكية في منع قيام أي مظاهرة أو احتجاج أو مسيرة مهما يكن الغرض منها, حتى لو كانت ضد قوانين الولاية نفسها, إضافة إلي واجب الشرطة في حماية المتظاهرين وتأمينهم ووضع الحواجز المتحركة لحمايتهم من الآخرين, فإن هناك الكثير من الشروط التي تكفل سلمية تلك الاحتجاجات, ومنها علي سبيل المثال, انه لا يحق القيام بمظاهرات بالقرب من المستشفيات أو المدارس أو الجامعات أو أماكن الخدمة العامة كالوزارات والمطارات وأماكن تجمع وسائل النقل أو إغلاق الشوارع والممرات, وعدم استخدام مكبرات الصوت العالية إلا بعد تصريح علي ألا تستخدم بعد السادسة مساء, كما لا يسمح بالكتابة علي السيارات أو جدران المنازل أو إتلاف أي منشآت خاصة أو عامة, كما انه يحق للشرطة منع دخول المزيد من المتظاهرين إلى إمكان التظاهر في حال إذا وجدت أن العدد أكثر من الحد المسموح به وذلك منعا للتدافع الذي قد يؤدي إلى حالات اختناق, بل انه من حق الجهات المسئولة أن ترفض قيام المظاهرة إذا كانت درجات الحرارة شديدة البرودة أو شديدة السخونة أو لو كانت هناك رياح شديدة خوفا علي حياة المتظاهرين.
وقد نص القانون الأمريكي في المادة (106) على أن لرئيس شرطة العاصمة (MPD) أو من ينوب عنه الحق في إدخال تعديلات على برنامج التجمع (Procession Plan) أو رفضه أو إلغائه، ولكن قبل 30 يوم من تاريخ انعقاد التجمع.
وأجاز لرئيس الشرطة بعد التفاوض مع منظم/منظمي التجمع المتقدمين بإشعار إدخال بعض التعديلات المعقولة على موقع التجمع، ومسيرته إذا ما ارتأى أنها من الأهمية للحفاظ على الأمن العام وذلك قبل 10 أيام من تاريخ انعقاد التجمع.
معطيًا في مقابل ذلك لمنظم/منظمي التجمع الذي يرى تعسفاً من قبل شرطة العاصمة في إلغاء خطة التجمع الذي سينظمه، أو رفضها أو تقييدها من خلال إدخال تعديلات عليها؛ الحق في الاستئناف، والطعن على هذا القرار أمام عمدة المقاطعة (mayor of district) أو من ينوب عنه والذي يكون مخولاً باتخاذ إجراء من ثلاثة إجراءات هي أما الموافقة على قرار رئيس الشرطة سواء بالتعديل أو الإلغاء أو الرفض، أو تعديله، أو رفضه، على أن يقوم بتقديم قراره كتابةً ومشفوعاً بالسبب، وعلى وجه السرعة وذلك قبل وذلك قبل الموعد المحدد لانعقاد التجمع.
وأعطى القانون الأمريكي في المادة (107) للشرطة بعد توجيه التحذيرات الشفوية، الحق في إلقاء القبض على المشاغبين وإصدار أمر عام بتفريق المتظاهرين من مواقع عدة شريطةً أن يتم ذلك على نحو مسموع بوضوح، ويفهمه المتظاهرين عن طريق استخدام أجهزة تكبير الصوت، وبعد إعطاء فترة زمنية معقولة وكافية لتفرق المتظاهرين، وبعد أن يقوم رجال الشرطة بتسجيل الأمر بتفريق المتظاهرين بالصوت أو الفيديو كلما كان ذلك ممكنا وذلك في حالة فشل نسبة كبيرة من المشاركين في التجمع بالالتزام بالقيود المفروضة، أو انخراط عدد كبير منهم في الأعمال العدوانية أو ظهور بوادر تشير إلى أنهم يوشكون على الانخراط في سلوك غير منضبط وغير قانوني أو ينطوي على استخدام العنف تجاه الآخرين أو ممتلكاتهم، أو عند إعلان حالة الطوارئ الأمنية من قبل رئيس البلدية خشية أن تؤدي التظاهرات إلى الإضرار بالسلامة العامة، كما أعطي للشرطة الحق في استخدام police lines أي تكتيك تطويق المظاهرات باستخدام خطوط محددة لها في حالة قيام المشاركين في التظاهرات بأعمال غير قانونية تخرق القانون، واستخدام أسلحة غير مميتة (non- lethal weapons) إذا كان لا مفر من استخدام أسلحة لتفريق التجمعات.
ومع الكثير من الحريات والقيود المرتبطة بالحركات الاحتجاجية في الولايات المتحدة, الجدل الصاخب المصاحب لها, إلا أن ذلك لم يمنع من تواصل المظاهرات الاحتجاجية الكبرى أمام شتي القضايا الأمريكية, حتى أنها أصبحت واحدة من ابرز سمات المجتمع الأمريكي المعاصر, وجزءا لا يتجزأ من تاريخها, وقد كان لها تأثيرها الكبير علي السياسات الأمريكية, وربما كانت أبرزها موجات احتجاجات حركة الحقوق المدنية في الستينيات التي انتهت بمنح الأمريكيين من أصل إفريقي الكثير من حقوقهم التي يتمتعون بها اليوم والتي توجت بأن أصبح منهم رئيس للولايات المتحدة لفترتين, هو باراك اوباما. تبقي دوما القضية المثيرة للجدل في الولايات المتحدة هي حدود تعامل الشرطة مع المتظاهرين, وهي القضية المتجددة كلما لاحظ المجتمع المدني وجود تماد من جانب الشرطة في مواجهة المحتجين, وكان آخرها ما لوحظ من قبل المنظمات الحقوقية من انتهاكات من قوات الشرطة في مواجهة المتظاهرين في حركة' احتلوا وول ستريت'.
الواقع أن استراتيجيات الشرطة الأمريكية في التعامل مع المحتجين والمظاهرات, مرت بعدة تحولات جذرية علي مدي العقود الماضية, فكما هو معروف تاريخيا, فقد رصدت الكثير من تجاوزات الجهاز الأمني أثناء التعامل مع حركة الحقوق المدنية في الستينيات, والحركات المطالبة بحقوق المهاجرين في السبعينيات وما يعرف بمأساة جامعة كينيت التي استخدمت فيها القوة المفرطة ضد المتظاهرين, وهي الأساليب التي منعت فيما بعد, في التسعينيات استخدمت الشرطة الأمريكية بشكل عام تقنية ما سمته' إدارة التفاوض', التي كانت تعمد إلى نزع فتيل اشتعال الأزمات بين المتظاهرين والشرطة خلال الاحتجاجات, خاصة بعد أن أظهرت الدراسات والأبحاث أن الجمهور القابع في بيته, ينظر بالكثير من التعاطف نحو المتظاهرين أمام استخدام القوة من قبل الشرطة مع يوجد ضغطا شعبيا كبيرا, ومع هذا فقد عادت واستخدمت أساليب أكثر حدة في أثناء مظاهرات منظمة التجارة العالمية في سياتل عام1999 ثم في أثناء موجات الاحتجاجات الكبرى التي انفجرت ضد قرار الحرب علي العراق2003, مع استخدام الشرطة لدروع أشبه بغطاء السلحفاة وإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل غاز الفلفل الحار, ولكن هذا تزامن مع تطور أساليب التفاوض, حيث استخدام قوات فض الشغب أفراد شرطة اعلي قدرة علي التحكم في النفس وقدرة علي إقامة تفاوض مع المحتج الذي يتحول إلى العنف تجعله في النهاية ينصاع لأوامر قوات فض الشغب حتى انه يسمح بتكبيل يديه دون مقاومة تذكر, هذا النهج الجديد الذي أطلقت عليه الشرطة,' القيادة والسيطرة' يمزج ما بين استراتيجيات فض الشغب الصارمة واستعراض القوة الذي يثير الخوف لدي المحتجين الذين يتحولون إلى العنف, والكثير من القدرة علي ضبط النفس من قبل قوات الأمن بالإضافة إلى عمل أجهزة المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية, الذي تتمكن من خلاله القوات من تحديد هوية المندسين من مثيري الشغب بين المتظاهرين السلميين. إن نجاح الجهاز الأمني في تحديد إلى أي مدى يمكن أن تتحول المظاهرة إلى العنف, وبالتالي منع الأزمات قبل انفجارها, قد نجح في عدم إراقة نقطة دم في تلك المظاهرات وقلل أيضا من حجم اعتراض الجماعات الحقوقية ضد العنف المستخدم من قبل الشرطة, ناهيك عن تطور تكتيكات التفاوض الذي تجعله الشرطة الملاذ الأول, من ناحية أخرى تري بعض المنظمات الحقوقية أن نجاح المحامين في جعل الجهاز الشرطي الذي يتعدي حدوده ضد المتظاهرين, يدفع ثمن انتهاكاته, كان يدفع القوات إلى المزيد من التحكم في النفس, حيث نجحت علي سبيل المثال نقابة المحامين الوطنية التي تدافع عن حقوق التعديل الاول في الدستور, من خلال التقاضي, ان تلزم الجهات الامنية بدفع اكثر من مليون دولار للمتظاهر الذي يتم انتهاك حقوقه من قبل الشرطة أو يعتقل علي سبيل الخطأ, ليصبح التقاضي قوة موازية قادرة علي كبح جماح كل من تعسف الشرطة أو تحول المتظاهر السلمي .
رابعا: المظاهرات والاعتصامات في دول الربيع العربي
أعادت الثورة العربية الحياة لخيار المظاهرات السلمية كوسيلة فعالة لتحقيق المطالبة بالديمقراطية. ولعل الإضافة الأبرز للثورات العربية أنها أعادت الحياة لمفهوم المقاومة السلمية Non-Violence Resistance والتي أرساها المهاتما غاندى خلال نضاله لاستقلال الهند من أعتى إمبراطورية علي وجه الأرض آنذاك. عادت الثورات العربية لتؤكد علي فاعلية خيار المظاهرات السلمية والعصيان المدني، حيث تحظى هذه الآلية بالعديد من المزايا:
أنها وسائل مشروعة تكلفها الدساتير ومواثيق حقوق الإنسان من الحق في التظاهر والتعبير عن الرأي وفي اختيار الشعب من يمثله. مما يدفع المنظمات الدولية وخاصة المدافعة عن حقوق الإنسان بالضغط علي حكوماتها للتدخل.
تنزع غطاء الشرعية من النظام حال التعامل معها بالقوة حيث تساهم في تعرية النظام أمام العالم. وتكسب تعاطف العالم للمتظاهرين.
تؤدي في الكثير من الأحيان إلي تحييد قوات النظام وانضمام عناصرها في صفوف المتظاهرين العزل.
اللجوء للسلاح والعنف من طرف المتظاهرين يؤدي لشلال من الدماء وطول أمد الصراع وتأخر الحسم. وغالبا ما تنتهي لصالح النظام إذا ما أخذنا في الاعتبار افتقار المتظاهرين للخبرة القتالية وضعف التسليح.
وهذا هو سر تأخر الحسم في ليبيا، حين حمل المتظاهرين السلاح ضد كتائب القذافي، ليتحول المشهد إلي حرب طويلة، ويفشل المتظاهرين في إحراز نصر حاسم نظراً لافتقارهم للتدريب ولضعف التسليح لديهم، مما أسفر عن التدخل الدولي الذي لجأ إلي سياسية "الاحتواء المزدوج" بحيث يستنزف الطرفين قوتهم في الصراع، وليعتمد الحسم علي إرادة التحالف الدولي والذي يفرض شروطه علي الطرف الأخر لتحقيق أكبر قدر من المكاسب قبل حسمه لصالح المعارضة.
يمكن القول أنه من المهم تحديد المسئول الرئيسي عن الجرائم التي وقعت أثناء فض اعتصامات النهضة ورابعة العدوية إذ أن وجود ضرر قد أصاب فئات من المجتمع من قبل الدولة جراء تقصيرها في أداء المهام الموكولة إليها أو الإضرار بمواطنين المتظاهرين والاعتداء عليهم، وبما لا يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، هذا فضلاً عن إخلال الدولة بالالتزام القانوني العام الذي يفرض عدم الأضرار بالمواطنين في حال تظاهراتهم السلمية، وما يستتبع كل ذلك بالضرورة من مسئولية تقصيرية أو جنائية – أو كليهما – تقع على عاتق الدولة… كل ذلك من شأنه أن يمثل أمر غاية في الأهمية ولا سيما عند وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، خاصة لكبار مسئوولي الدولة والضباط الذين شاركوا فى ارتكاب هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
ولابد من توافر أركان أساسية للجرائم ضد الإنسانية وهي تحديداً أن يتم ارتكابها بطريقة منهجية (systematic) أو في إطار هجوم واسع النطاق (widespread) ضد مجموعة من السكان المدنيين، سواء تم ذلك الهجوم من قِبل رجال السلطة من جنود وضباط أم من غيرهم من الميليشيات والجماعات المسلحة ا و أن يتم تنظيمها من خلال سياسة عامة – حكومية أو غير حكومية (public policy) – ويجب أن يكون الفاعل على علم بذلك الهجوم. وتكون الجريمة منهجية إذا تم ارتكابها بأفعال متعددة ومتلاحقة بدرجة عالية من التخطيط المنظم، ويعني تعبير على نطاق واسع أنها ترتكب على نطاق واسع ضد مجموعة من الأشخاص المدنيين، وهم في الحالة الراهنة المشاركون في التظاهرات السلمية، بغض النظر عن الحيز الجغرافي المتواجدين به، أو هويتهم أو أشخاصهم، وسواء كانوا محددين من قِبَل الجناة أم لا، وتتم الجريمة في ظل سياسة منظمة إذا تم ارتكابها في إطار سياسة عامة مدروسة عملاً بسياسة الدولة أو سياسة منظمة أخرى. ويعني هذا إمكانية ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية عن طريق رجال السلطة في الدولة أو أجهزة الدولة ذاتها أو بالوكالة عنها. ومن المفهوم أيضاً أن عبارة "سياسة لارتكاب الهجوم" تتطلب أن تروج أو تشجع الدولة أو المنظمة، ارتكاب مثل ذلك الهجوم ضد مجموعة من السكان المدنيين.
خامسا:جرائم قتل المتظاهرين ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية
يرى الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض وهو قاض سابق بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب وأستاذ القانون
الدولي بجامعة القاهرة. وهو أول من أصدر حكما بالسجن 45 عاما ضد قائد الجيش الصربي بيوغوسلافيا لارتكابه جرائم إبادة جماعية وحقق مع الرئيس الصربي كارديتش لمدة 4 أشهر متواصلة في عام 2001. أن سلطات الدولة يجب أن تلتزم بالمواثيق الدولية التي تنظم أسلوب التصدي للمتظاهرين خصوصا في الاتفاقية المعروفة باتفاقية هافانا لسنة 1955 التي صدقت عليها مصر، وهى تقضى بعدم ضرب المتظاهرين مادامت هذه المظاهرات سلمية. فإذا قام المتظاهرون بمهاجمة رجال الأمن فمن حقهم صد هذا الهجوم بإطلاق الأعيرة المطاطية، أو النارية عند اللزوم ولكن في المنطقة السفلى من الجسد «القدمين والساقين» لمنعهم فقط وليس لقتلهم. أما الضرب العشوائي للمتظاهرين والذي يؤدى إلى الإصابة في مقتل فيعد جرائم ضد الإنسانية خاصة إذا تم بشكل جماعي وهو أمر تجرمه المواثيق الدولية المعروفة التي انضمت إليها مصر.
سادسا:هل تمتد المسؤولية الجنائية الدولية للمدنيين من رجال السلطة؟
إن قواعد المسؤولية الجنائية لا تقف فقط عند القادة العسكريين والمدنيين، بل يمكن أن تمتد لتشمل المدنيين من رجال السلطة، طالما ثبت أنهم قد حرضوا أو اتفقوا أو ساعدوا على ارتكاب تلك الجرائم. وإثبات المسؤولية هنا يتضمن أموراً تتصل بمسألة الإثبات الجنائي التي تضطلع بها سلطات التحقيق. وبالتالي يجب ألا يقتصر دورها على التحقيق مع مرتكبي الأفعال المادية من رجال شرطة أو خلافه، بل يجب أن يتم التوسع في التحقيقات للتوصل إلى بيان من أمر أو أوعز لهؤلاء بارتكاب تلك الجرائم، أو يسر ارتكابها، أو من أمدهم بالمال والسلاح والعتاد أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكابها، مع تحديد مصدر الأسلحة والعتاد وكيفية الحصول عليها والقصد من ذلك، إلى غير ذلك من العناصر التي يجب أن تنصب عليها التحقيقات الجنائية في تلك الحالة، وصولاً إلى تحديد المسئولين ولو كانوا من رجال السلطة المدنيين من الأحزاب السياسية أو المجالس النيابية الذين يمكن تطبيق قواعد المسؤولية المتعلقة بالاشتراك والمساهمة الجنائية بشأنهم.
في حكم صادر حديثاً عن المحكمة الجنائية الدولية، أسس قضاتها المسؤولية الجنائية عن الجرائم ضد الإنسانية قبل أحد رجال السلطة المدنيين، باعتباره فاعلاً أصلياً للجريمة، على سند من اقترافه الأفعال الآتية:[/dropcap]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.