النقابة العامة للعاملين بالنيابات والمحاكم تطلق النسخة الثالثة من الدورة التثقيفية    بعد تحديث خدمات إنستاباي.. طريقة سهلة لدفع المصروفات الدراسية    مشروعات جديدة لشركة سكاتك النرويجية في مصر لتعزيز الطاقة المتجددة    معسكر تدريبي بين «حياة كريمة» و«صناع الحياة» لتطوير ملف الحالات الأولى بالرعاية    انتخابات أمريكا 2024| ترامب يستهدف 3 ولايات لاستعادة الرئاسة    محمد رمضان يناقش لائحة الأهلي الجديدة قبل اعتمادها    تفاصيل أول نوة خريف.. أمطار غزيرة ورياح شديدة تضرب الإسكندرية في هذا الموعد    إصابة 12 عاملا في حادث اصطدام ميني باص بشجرة بالإسماعيلية    بعد انطلاق فعالياته.. 5 أفلام مصرية تشارك في مهرجان وهران السينمائي    التضامن: تسليم 801 وحدة سكنية في 12 محافظة للأبناء كريمي النسب    اليابان تجلي 16 من رعاياها من لبنان بطائرة عسكرية    خبير تربوى: الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بالتعليم التكنولوجي الذي يؤهل إلى سوق عمل    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    مدرب بايرن ميونيخ: من المؤسف غياب موسيالا.. وهذه نقطة قوة فرانكفورت    «لا يشترط الخبرة».. الشباب والرياضة تعلن وظائف خالية جديدة لجميع المؤهلات (تفاصيل)    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    القبض على المتهم بقتل صديقة داخل منزلة فى مطروح    نيران في غرفة الحاسب الآلي.. حريق داخل مدرسة في المنيا    خلال 24 ساعة.. تحرير 534 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    المطرب محمد الطوخي يقدم «ليلة طرب» في مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية    احتفالًا بانتصارات أكتوبر.. ورش وعروض فنية ضمن فاعليات قصور الثقافة    الأوقاف: افتتاح البرنامج التدريبي لمجموعة من علماء دور الإفتاء الماليزية    تقديم أكثر من 103 ملايين خدمة طبية متنوعة ضمن حملة «100 يوم صحة»    باحث سياسي: إسرائيل تحاول إعادة صياغة شكل المنطقة بالتصعيد المستمر    موشيه ديان يروى شهادته على حرب 73: مواقعنا الحصينة تحولت إلى فخاخ لجنودنا.. خسرنا كثيرا من الرجال ومواقع غالية    إطلاق حملة لصيانة وتركيب كشافات الإنارة ب«الطاحونة» في أسيوط    رئيس "الأسقفية" مهنئًا المصريين بذكرى أكتوبر: روح النصر تقودنا في معركة التنمية    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    ابنة علاء مرسي تحتفل بحنتها على طريقة فيفي عبده في «حزمني يا» (صور)    «منظومة الشكاوى» تكشف عن الوزارات والمحافظات صاحبة النصيب الأكبر من الشكاوى    3 دعامات في القلب.. تفاصيل الأزمة الصحية المفاجئة لنشوى مصطفى    ترشيدًا لاستهلاك الكهرباء.. تحرير 159 مخالفة للمحال التجارية خلال 24 ساعة    خاص- محامي أتشمبونج: فيفا سيخطر الزمالك بايقاف القيد    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    استشهاد 5 فلسطينيين بقصف إسرائيلي علي بيت حانون    الولايات المتحدة تضرب 15 هدفًا للحوثيين في اليمن    برلماني يحذر من مخاطر انتشار تطبيقات المراهنات: تسمح بقرصنة بيانات المستخدمين    للتغلب على التحديات.. «الصحة» تبحث وضع حلول سريعة لتوافر الأدوية    إنتر ميلان يواجه تورينو اليوم في الدوري الإيطالي    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    حاول إنقاذه فغرقا معًا.. جهود مكثفة لانتشال جثماني طالبين بهاويس الخطاطبة بالمنوفية (أسماء)    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    غارة إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت    تعديل تركيب قطارات الوجه البحري: تحسينات جديدة لخدمة الركاب    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    إسلام عيسى: انتقالى لسيراميكا إعارة موسم منفصل عن صفقة أوجولا    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    "حزب الله" يكشف قصة صور طلبها نتنياهو كلفت إسرائيل عشرات من نخبة جنودها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المظاهرات السلمية والغضب المشروع
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 02 - 2013

عرف التظاهر السلمي أو ما يعرف قانونا بالتجمع السلميمنذ قديم الأزل خاصة وأنه المظهر الرئيسي لكافة أشكال الاحتجاجات والثورات في كل زمان ومكان. وقد وضعت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي عام2012 تعريفا للتجمع السلميللأغراض التوجيهية وجاء به: التجمع معناه الوجود المقصود والوقتي لعدة أشخاص في مكان عام لخدمة القضية المشتركة. وتعد حرية التجمع السلمي هي حقا أساسيا من حقوق الإنسان التي يمكن أن يتمتع بها ويمارسها الأفراد والجماعات والجمعيات والكيانات القانونية والهيئات الاعتبارية. وتخدم التجمعات( أو المظاهرات)الكثير من الأغراض, فهي وسيلة للتعبير عن الآراء التي لا تحظي بشعبية كبيرة أو آراء الأقليات.وتعدها المجتمعات الديمقراطية( ولو نظريا) نشاطا مهما للحفاظ علي الثقافة وتنميتها وبالتالي فهي تتبني الرأي القائل إن حماية حرية التجمع السلمي أمر جوهري لبناء مجتمع متسامح تعددي متعدد المعتقدات والممارسات والسياسات الموجودة معا في سلام.
......................................................................................................................................................................................................
في الأسبوع الأول من شهر يونيو عام1989 كان الجو حارا ولكن ما كان يحدث في الصين كان أكثر حرارة واشتعالا.فقد كان الشعب الصيني, الذي يمثل تعداده أكثر من سدس البشر, يعبر عن غضبه.ونقلت شاشات التليفزيون في أنحاء العالم مشهدا مهيبا ألهم الملايين.فعلي مقربة من ميدان السلام السماوي( تيان آنمين) تحرك طابور من الدبابات الحديثة الخاصة بالجيش الصيني أحد أكبر وأقوي جيوش الأرض نحو الميدان وفجأة ظهر مواطن أعزل سار علي قدميه بثبات ليقف أمام الدبابة الأولي في صف الدبابات ليجبرها جميعا علي الوقوف ورفض الإنصياع للأوامر بالتحرك بعيدا ووقف ليعبر عن غضبه قبل أن يسرع بالاختفاء ليتحول إلي أشهر متظاهر في التاريخ أو لقب المتظاهر المجهول.
ومنذ عقود أصبح من المتعارف عليه بين الأمم( ولو نظريا)أن جميع البشر يتمتعون بحق تأييد ودعم حقوق الإنسان وتطويرها وحمايتها عبر الوسائل القانونية والسلمية. وتشمل هذه الوسائل السلمية الحقوق في حرية التعبير الذي يعد حق التظاهر السلميأو التجمع السلميمن بين مظاهره.ووفق ما ورد بإعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان والصادر عام1998, فإن الدولة تتحمل المسئولية الأساسية عن اتخاذ جميع الخطوات الضرورية لضمان حماية أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان.
لقد سعت الكثير من الشعوب إلي المحافظة علي حقوقها فيما يتعلق بالحق في التجمع السلميحيث يحق للناس التجمع معا لإعلاء شأن حقوق الإنسان وحمايتها من خلال الاحتجاج السلمي أو التعبير عن آرائهم.فوفق ما جاء بالمادتين5 و12 من إعلان الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان: لغرض تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية, يكون لكل شخص الحق, بمفرده وبالاشتراك مع غيره, علي الصعيدين الوطني والدولي:
1 الالتقاء أو التجمع سلميا...و1- لكل شخص الحق بمفرده وبالاشتراك مع غيره, في ان يشترك في الانشطة السلمية لمناهضة انتهاكات حقوق الانسان والحريات الاساسية.
2- تتخذ الدولة جميع التدابير اللازمة التي تكفل لكل شخص حماية السلطات المختصة له بمفرده وبالاشتراك مع غيره, من أي عنف او تهديد او انتقام او تمييز ضار فعلا او قانونا او ضغط او أي اجراء تعسفي آخر نتيجة لممارسته او ممارستها المشروعة للحقوق المشار اليها في هذا الاعلان.
3- وفي هذا الصدد يحق لكل شخص, بمفرده وبالاشتراك مع غيره,أن يتمتع في ظل القانون الوطني بحماية فعالة لدي مقاومته او معارضته, بوسائل سلمية للأنشطة والأفعال المنسوبة الي الدول, بما فيها تلك ترجع الي الامتناع عن فعل, و التي تؤدي الي انتهاكات لحقوق الانسان والحريات الاساسية, فضلا عن افعال العنف التي ترتكبها جماعات أو أفراد, وتؤثر في التمتع بحقوق الانسان والحريات الاساسبة.
والمادة رقم20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي نصت علي أنه لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.ولا يجوز إرغام أحد علي الانضمام إلي جمعية ما.
هذا بالإضافة لما ورد بالمادة رقم21 بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود علي ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية, في مجتمع ديمقراطي, لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. وبالتالي فالحق في التظاهر السلميهو حق له بداية وله حدود.
حول العالم
الصين: وتعد مظاهرات ميدان السلام السماوي في الصين من أبرز التظاهرات التي تعرضت للقمع بواسطة القوة.
فقد احتج الطلاب علي سياسات الحكومة وعلي الحزب الشيوعي وطالب بعضهم بتكرار ماقام به جورباتشوف في روسيا المجاورة.وسرعان ما إنتقلت مجموعات من العمال إلي الميدان مطالبين بعدم تطبيق إصلاحات جديدة خوفا من البطالة والتضخم المالي الذي يهددهم.
واحتل الطلاب المحتجون علي سياسات الحكومة الصينية ميدان السلام السماوي( من شهر ابريل حتي يونيو1989) إلي أن تدخل الجيش لينهي الاحتجاجات بالقوة.
وقد برر الحزب الشيوعي الصيني أعماله لأول مرة بأنها رد ضروري علي واقعة معاداة الثورة.
ونتيجة لعدم وجود شبكات التواصل الاجتماعي وأجهزة الاتصال المتقدمة مثل التليفون المحمول والكمبيوتر.. الخ ظل ما حدث في الميدان والشوارع المحيطة مجهولا حتي اليوم.فلاتوجد قوائم للقتلي او للمعتقلين أو المفقودين في تلك الأحداث.وحتي اليوم تحظر الصين أي مظهر من مظاهر إحياء ذكري ما حدث في ذلك اليوم أو من سقطوا فيه من ضحايا.
جنوب أفريقيا: وتعد المظاهرات والاعتصامات والإضرابات هي الوسيلة الأساسية في كفاح السود(سكان البلاد الأصليين) ضد نظام الحكم العنصري حتي سقوطه وتولي نيلسون مانديلا مقاليد السلطة عام.1994
ولكن في شهر أكتوبر الماضي امتدت المظاهات لتشمل مختلف مدن وقري البلاد إحتجاجا علي تردي مستوي المعيشة وارتفاع معدل البطالة وارتفاع الأسعار.
وقد تفاقمت الإحتجاجات عقب قيام عمال المناجم بإضراب عن العمل لتحسين الأجور قبل أن تتخذ الأحداث مجري مختلفا باطلاق الشرطة النار علي العمال المحتجين ليلقي40 عامل مصرعهم.
وفي محاولة لامتصاص الغضب الجماهيري شكلت الحكومة لجنة تحقيق مستقلة لكشف ملابسات المجزرة.
كوريا الجنوبية: تعد المظاهرات أحد الأساليب الرئيسية للتعبير عن الرأي ومنها ماهو مؤيد للحكومة ومنها ما هو معارض بل وتنظم مظاهرات مناوئة لسياسات دول أجنبية في بعض الأحيان مثل المظاهرات ضد سياسات اليابان أو الصين أو كوريا الشمالية.
وفي أكتوبر2011 تظاهر حوالي250 كوريا جنوبيا في شوارع سيول احتجاجا علي ما وصفوه بجشع الشركات واتساع الهوة بين الدخول,في إطار حملة احتلوا سيول في دعوة للوقوف ضد تحكم الأغنياء بالاقتصاد.ولم يتم تسجيل وقوع أعمال عنف.
اليابان: وفي اليابان تم تنظيم أكبر مظاهرة تشهدها البلاد منذ نصف قرن(150 الف شخص)وذلك في يوليو2012 وذلك احتجاجا علي إقامة مشروعات نووية بالبلاد.ولم تسجل أي أحداث عنف.
البرتغال: وفي شهر يناير2013 وصل غضب عمال التربية والتعليم في البرتغال إلي الشارع بعد أن قرر آلاف المعلمين والأساتذة التظاهر في العاصمة البرتغالية لشبونة, احتجاجا علي الإجراءات التقشفية الصارمة بقطاع التعليم,حيث سيتم اقتطاع مليار يورو في إطار برنامج المساعدة المالية الدولية المقدمة للبرتغال.وهو ما إعتبره المتظاهرون قضاء علي التعليم والأمة.
اليونان: في شهر أكتوبر2012 تظاهر آلاف العمال احتجاجا علي عدم دفع مستحقاتهم المالية منذ6 أشهر واخترقت المظاهرات شوارع العاصمة أثينا حتي وصلت إلي مبني وزارة الدفاع اليونانية وعندما حاول البعض الاعتداء علي المبني تدخلت قوات مكافحة الشغب لتفض المظاهرة بالقوة.
وتحولت مظاهرة سلمية تضم أكثر من40 الف متظاهر الي اشتباكات مع الشرطة حينما هاجم بعض المتظاهرين الملثمين قوات الامن بالزجاجات الحارقة فردت الشرطة باعتقال أكثر من190 شخصا.
البرازيل: وفي أجواء احتفالية برازيلية معهودة, خلت من مظاهر الاحتقان والمواجهات مع رجال الأمن,تظاهر في نوفمبر2012 مايقرب من مائتي ألف شخص في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية احتجاجا علي مشروع قرار يهدف إلي إعادة تقسيم عائدات البترول علي مختلف ولايات البلاد.وهو ما يحرم ريو دي جانيرو نسبة هامة من عائدات البترول,ويؤثر سلبا علي احتضان المدينة كأس العالم والألعاب الأوليمبية في عامي2014 و.2016
شيلي: تشهد مظاهرات طلابية منذ مايو2011 وتطالب بدعم التعليم وبإيجاد نظام تعليم عام تديره الدولة وبالقضاء علي نظام التعليم الخاص الهادف إلي تحقيق الربح والمطالبة بتغيير قوانين الضرائب بما يساهم في تمويل قطاع التعليم.ويعتقد أن احتجاجات المتظاهرين تحركها رغبة عارمة في القضاء علي التفاوت بين مستوي الدخول في البلاد.وقد شهدت المظاهرات عدة مواجهات مع الشرطة مما أسفر عن مصرع طالب واحد وإصابة500 شرطي واعتقال أكثر من1500 طالب.
لقد نال المتظاهر السلمي المجهول أو رجل الدبابةكما أطلقت عليه وسائل الإعلام العالمية الكثير من التبجيل مما دفع مجلة تايم الأمريكية إلي وضعه من بين أهم100 شخصية في القرن العشرين كما تم تصنيف صورته بأنها من بين أهم100 صورة غيرت العالم.ومازال المتظاهر الصيني المجهول مختفيا غير معروف الاسم والمصير.
سلاح التفاوض ال فتاك ضد الاحتجاج السلبي
كتب ميادة العفيفي
تظل المظاهرات هي الخيار التكتيكي الأقوي الذي تستخدمه الحركات السياسية المعارضة, كمقاومة مدنية سلمية أمام ما تراه من قرارات حكومية أو سياسية جائرة, أو للتعبير عن الرأي تجاه قضايا مثيرة للجدل.
استراتيجية اللاعنف التي تتبناها موجات الاحتجاج المدنية اكتسبت دوما عبر العقود زخمها الخاص, وتعاطف المراقبين بل انصياع الحكومات مادامت تحافظ علي سلميتها, وقد كانت الولايات المتحدة ومنذ نشأتها واحدة من اكثر الدول التي نصت بوضوح علي حق المواطن في الاحتجاج السلمي, وذلك وفق التعديل الاول في دستور الولايات المتحدة الذي ينص علي انه ليس من حق الكونجرس ان يصدر اي قانون يحد من حق الافراد في التجمع السلمي وتقديم التماس إلي الحكومة لرفع الظلم.
ومع هذا يظل حق التظاهر في الولايات المتحدة من القضايا التي تثير جدلا متواصلا منذ ان وضعت وثيقة الحقوق عام1791, فحق التعبير عن الرأي الذي يكفله الدستور ليس مطلقا, كما قد يتصور البعض, بل تحده الكثير من القيود والشروط, التي قد تبدو احيانا في نظر الحركات المدنية شديدة القمع, ففي الوقت الذي يكفل الدستور عدم حق اي ولاية من الولايات الأمريكية في منع قيام اي مظاهرة او احتجاج او مسيرة مهما يكن الغرض منها, حتي لو كانت ضد قوانين الولاية نفسها, اضافة الي واجب الشرطة في حماية المتظاهرين وتأمينهم ووضع الحواجز المتحركة لحمايتهم من الآخرين, فإن هناك الكثير من الشروط التي تكفل سلمية تلك الاحتجاجات, ومنها علي سبيل المثال, انه لا يحق القيام بمظاهرات بالقرب من المستشفيات او المدارس او الجامعات او اماكن الخدمة العامة كالوزارات والمطارات واماكن تجمع وسائل النقل او اغلاق الشوارع والممرات, وعدم استخدام مكبرات الصوت العالية الا بعد تصريح علي ألا تستخدم بعد السادسة مساء, كما لا يسمح بالكتابة علي السيارات او جدران المنازل او اتلاف اي منشآت خاصة او عامة, كما انه يحق للشرطة منع دخول المزيد من المتظاهرين إلي امكان التظاهر في حال اذا وجدت ان العدد اكثر من الحد المسموح به وذلك منعا للتدافع الذي قد يؤدي الي حالات اختناق, بل انه من حق الجهات المسئولة ان ترفض قيام المظاهرة اذا كانت درجات الحرارة شديدة البرودة او شديدة السخونة او لو كانت هناك رياح شديدة خوفا علي حياة المتظاهرين.
ومع الكثير من الحريات والقيود المرتبطة بالحركات الاحتجاجية في الولايات المتحدة, الجدل الصاخب المصاحب لها, الا ان ذلك لم يمنع من تواصل المظاهرات الاحتجاجية الكبري امام شتي القضايا الامريكية, حتي انها اصبحت واحدة من ابرز سمات المجتمع الامريكي المعاصر, وجزءا لا يتجزأ من تاريخها, وقد كان لها تأثيرها الكبير علي السياسات الامريكية, وربما كانت ابرزها موجات احتجاجات حركة الحقوق المدنية في الستينيات التي انتهت بمنح الامريكيين من اصل افريقي الكثير من حقوقهم التي يتمتعون بها اليوم والتي توجت بأن اصبح منهم رئيس للولايات المتحدة لفترتين, هو باراك اوباما.
تبقي دوما القضية المثيرة للجدل في الولايات المتحدة هي حدود تعامل الشرطة مع المتظاهرين, وهي القضية المتجددة كلما لاحظ المجتمع المدني وجود تماد من جانب الشرطة في مواجهة المحتجين, وكان اخرها ما لوحظ من قبل المنظمات الحقوقية من انتهاكات من قوات الشرطة في مواجهة المتظاهرين في حركة' احتلوا وول ستريت'.
الواقع ان استراتيجيات الشرطة الامريكية في التعامل مع المحتجين والمظاهرات, مرت بعدة تحولات جذرية علي مدي العقود الماضية, فكما هو معروف تاريخيا, فقد رصدت الكثير من تجاوزات الجهاز الامني اثناء التعامل مع حركة الحقوق المدنية في الستينيات, والحركات المطالبة بحقوق المهاجرين في السبعينيات وما يعرف بمأساة جامعة كينيت التي استخدمت فيها القوة المفرطة ضد المتظاهرين, وهي الاساليب التي منعت فيما بعد, في التسعينيات استخدمت الشرطة الامريكية بشكل عام تقنية ما سمته' ادارة التفاوض', التي كانت تعمد الي نزع فتيل اشتعال الازمات بين المتظاهرين والشرطة خلال الاحتجاجات, خاصة بعد ان اظهرت الدراسات والابحاث ان الجمهور القابع في بيته, ينظر بالكثير من التعاطف نحو المتظاهرين امام استخدام القوة من قبل الشرطة ممع يوجد ضغطا شعبيا كبيرا, ومع هذا فقد عادت واستخدمت اساليب اكثر حدة في أثناء مظاهرات منظمة التجارة العالمية في سياتل عام1999 ثم في اثناء موجات الاحتجاجات الكبري التي انفجرت ضد قرار الحرب علي العراق2003, مع استخدام الشرطة لدروع اشبه بغطاء السلحفاة وإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل غاز الفلفل الحار, ولكن هذا تزامن مع تطور اساليب التفاوض, حيث استخدام قوات فض الشغب افراد شرطة اعلي قدرة علي التحكم في النفس وقدرة علي اقامة تفاوض مع المحتج الذي يتحول الي العنف تجعله في النهاية ينصاع لأوامر قوات فض الشغب حتي انه يسمح بتكبيل يديه دون مقاومة تذكر, هذا النهج الجديد الذي اطلقت عليه الشرطة,' القيادة والسيطرة' يمزج ما بين استراتيجيات فض الشغب الصارمة واستعراض القوة الذي يثير الخوف لدي المحتجين الذين يتحولون الي العنف, والكثير من القدرة علي ضبط النفس من قبل قوات الامن بالإضافة الي عمل اجهزة المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية, الذي تتمكن من خلاله القوات من تحديد هوية المندسين من مثيري الشغب بين المتظاهرين السلميين. ان نجاح الجهاز الامني في تحديد الي اي مدي يمكن ان تتحول المظاهرة الي العنف, وبالتالي منع الازمات قبل انفجارها, قد نجح في عدم اراقة نقطة دم في تلك المظاهرات وقلل ايضا من حجم اعتراض الجماعات الحقوقية ضد العنف المستخدم من قبل الشرطة, ناهيك عن تطور تكتيكات التفاوض الذي تجعله الشرطة الملاذ الاول, من ناحية اخري تري بعض المنظمات الحقوقية ان نجاح المحامين في جعل الجهاز الشرطي الذي يتعدي حدوده ضد المتظاهرين, يدفع ثمن انتهاكاته, كان يدفع القوات الي المزيد من التحكم في النفس, حيث نجحت علي سبيل المثال نقابة المحامين الوطنية التي تدافع عن حقوق التعديل الاول في الدستور, من خلال التقاضي, ان تلزم الجهات الامنية بدفع اكثر من مليون دولار للمتظاهر الذي يتم انتهاك حقوقه من قبل الشرطة أو يعتقل علي سبيل الخطأ, ليصبح التقاضي قوة موازية قادرة علي كبح جماح كل من تعسف الشرطة أو تحول المتظاهر السلمي الي بلطجي.

بريطانيا.. نعم للسلمية ولا للبلطجة
كتب شريف الغمري
عندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني البريطاني لا تحدثوني عن حقوق الإنسان, كان هذا ما صرح به ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني في تعليقه علي العنف المفرط الذي استخدمته الشرطة ضد المواطنين البريطانين عقب تحول احتجاجاتهم إلي أعمال عنف وشغب خلال واحدة من أعنف موجات الاحتجاج الي شهدتها بريطانيا عام.2011
ويعطي القانون البريطاني للمواطنين حق التظاهر السلمي وحق الأفراد في التجمع والتعبير عن أنفسهم بحرية, ويحظر علي الحكومة أو أي هيئة تابعة لها مثل الشرطة التدخل في هذا الحق, وإذا حدث أي تدخل من جانب الحكومة أو الشرطة فمن حق المتظاهر اللجوء إلي القضاء وإتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم. وتعد بريطانيا صاحبة تاريخ طويل في الخروج في تظاهرات سلمية والتعبير السلمي عن الآراء أو المطالبة بتغيير القوانين التي يرونها ضد مصالحهم, ولكن أقر البرلمان البريطاني في السنوات الأخيرة بعض القوانين التي تقيد حق التظاهر وتعطي صلاحيات أكبر للشرطة وذلك وفق قانون مكافحة الجريمة المنظمة لعام2005 ومكافحة الإرهاب لعام2006, وذلك بعد انتشار الجريمة المنظمة والإرهاب بطريقة تشكل خطرا علي الأمن القومي للبلاد, كما فرض علي المتظاهرين قيودا شديدة في مناطق معينة للتواجد أو التظاهر بها مثل القواعد العسكرية أو المحطات النووية وداوننج ستريت, مقر رئاسة الوزراء في بريطانيا, وقصر ويست منيستر والذي يضم مبني البرلمان البريطاني وغيرها من المناطق الحيوية والتي تشكل خطرا علي الأمن القومي.
ويعطي القانون الحق للشرطة بالتدخل في عدة مواقف بعد الصلاحيات التي نالتها مؤخرا ومنها أنه إذا رأت أن سبب الاحتجاج لايمثل أهمية أو تافه فمن حقها فض التظاهر بالقوة, كما يمكن للشرطة فرض قيود إضافية علي الاحتجاجات أو المظاهرات إذا رأت أنها قد تتحول إلي اضطرابات أو قد تسبب أضرارا للمتلكات العامة أو الخاصة, بالإضافة إلي أن القانون يوجب أنه في حالة تنظيم مسيرة للتظاهر فيجب إبلاغ الشرطة قبلها بستة أيام, ويجب إعلام الشرطة بميعاد ويوم المسيرة والشارع الذي ستبدأ منه وأسماء منظميها, ورغم تلك الاحتياطات فمن حق الشرطة بعد ذلك تقليل عدد المتظاهرين أو تغيير الشارع الذي ستخرج منه, كما أن من حق الشرطة تحديد توقيت التظاهر ومتي ينتهي, والأهم من ذلك فمن حق الشرطة فض التظاهر في حالة عرقلة المرور أو ممرات السير.
وتعتبر بريطانيا من الدول الشهيرة بالتظاهرات السلمية والتي تطالب بالحقوق أو الاعتراض علي قوانين معينة ولكن شهدت بريطانيا في عام2011 إحتجاجات بسبب بعض الأحداث التي حدثت بصورة متلاحقة ومنها الخطة التي أقرتها الحكومة لخفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب وإصلاح قانون التقاعد, بالإضافة إلي زيادة الرسوم الدراسية وخفض التمويل الحكومي لميزانية التعليم الجامعي وهو ما جعل مئات الآلاف من البريطانيين يخرجون في مظاهرات سلمية احتجاجا علي تلك القرارات, ولكن سرعان ما تحولت تلك الاحتجاجات إلي أعمال شغب واشتباكات, وتدخلت قوات الأمن لمواجهة هذا الشغب الذي شهدته بريطانيا ولكنها لم تستطع إيقاف الاشتباكات مما أدي إلي الاستعانة بقوات مكافحة الشغب, وقام المحتجون برشق قوات الشرطة بكرات اللهب وسقط العديد من المصابين.
وخرج المتحدث باسم الشرطة ليصرح بأن أفراد من قوات الأمن تعرضوا لهجوم متواصل أثناء محاولتهم إيقاف الفوضي وتقليل حجم الأضرار بالممتلكات, وكانت الاحتجاجات وأعمال العنف والشغب قد أدت إلي تدمير بعض البنوك والمحلات الكبيرة في الشوارع الرئيسية وتعثرت حركة المرور وأغلقت المحلات وانتشر السلب والنهب بصورة كبيرة. وصرح بوب برود هيرست قائد شرطة لندن بأنهم توقعوا حدوث بعض المشاكل ولكنهم استبعدوا وقوع أعمال تخريبية فالمظاهرات في بريطانيا أمر طبيعي ولكن بعد الإضرابات والعنف الذي شهدته البلاد بالإضافة إلي السرقات وعمليات النهب فإنه لا يعتبر من قاموا بتلك الأعمال الإجرامية محتجين.
وكانت أعمال العنف المتبادل بين المتظاهرين والشرطة وإندساس عدد من البلطجية واللصوص وما قاموا به من أعمال سلب ونهب خلال تلك التظاهرات هي المبرر الواضح الذي استخدمته الشرطة البريطانية وبقبول شعبي واضح للقيام بحملات اعتقال واسعة بعد سلسلة من التحقيقات الجادة والمكثفة لكل من قام بأي عمل إجرامي أو تخريبي والتي لم تطل أيا من حقوق المتظاهرين السلميين ولكنها انتهت بتحديد الجناة ومن إستغلوا مسيرات الاحتجاج السلمية, وصرح ديفيد كاميرون رئيس الوزراء تصريحه الشهير بأنه عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي البريطاني فلا تحدثوني عن حقوق الإنسان وساند وقتها الشرطة وأثني علي صمودها وشدتها في مواجهة البلطجية ومثيري الشغب والذين كان من السهل اعتقالهم ومعرفتهم والتفريق بينهم وبين المحتجين والمتظاهرين السلميين من خلال كاميرات المراقبة وهو ما أدي إلي وقف العنف والسرقة وعودة الأمن بعد المعاناة التي عاشها المواطن البريطاني خلال تلك الأحداث الدامية وهو ما جعل الشعب أيضا يساند الشرطة في مواجهتها ضد البلطجة وأعمال العنف حتي عاد الهدوء إلي الشارع البريطاني. خلال تلك الأيام العصيبة التي عاشتها بريطانيا لم يشر أحد إلي حقوق الإنسان أو حق التظاهر السلمي الذي يكفله القانون ولكن وقف الجميع مع أمن البلاد ومساندة الشرطة خلال الأحداث رغم بعض التجاوزات التي وقعت خلال عمليات تحديد واعتقال مثيري الشغب الحقيقيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.