بعد مرور 40 يوم علي ثورة الشعب المصري أياً كان الاسم الذي سيطلقه عليها التاريخ فيما بعد ثورة 25 يناير, أو ثورة الشباب, أو ثورة الفيس بوك فليختار هو ما يشاء . أما المدهش حقا أن يستمر الناس في الحاضر وخاصة في الإعلام المصري يتحدثون عن الثورة وكأن الكهرباء كانت مقطوعة ثم عادت فجأة فأنارت الحجرة التى يجلس فيها الشعب فرأوه بشكل جديد, أو كأن أحدهم وضع قطعت الثلج على قفا الشعب فانتفض من أثر الصدمة الحرارية ., لنري أمامنا شعبآ آخر غير الذي كانوا يتحدثون عنه طيلة العقود الماضية . ... تسمعهم أو تقرأ لهم يصفون ما حدث للثورة على أن مجموعة من الشباب أو المعارضين نزلوا إلى الشارع فى يوم 25 يناير استجابة لرسائل نشرها نفس الأشخاص أو أصدقائهم على الإنترنت ثم انضم إليهم الناس في الشارع حتى قرر النظام أن يمارس هوايته المفضلة وهى قمع المتظاهرين مما أثار "جينات " العند الوراثي لدي الشعب المصري فقرر أن يقف لهم بالمرصاد وصمد أمامهم حتى سقط الشهداء فأضيف إلى "جين "العند "جين " الثأر ليقرر الشعب أيضا -الذي يظهر حتى الآن وكأن الأرض قد انشقت عنه - ليستمر فى الشارع ويجد نفسه يسير في الطريق حتى نهايته ليفاجأ بأنه أحدث ثورة وأنه اسقط مبارك بكل "هيلمانه" وصولجانه ليكتشف أنه ونظامه لم يكونا سوي تمثال ضخم جدا وظله يمتد خلفه بطول 30 عام أو أكثر ولكنه تمثال هش من أوراق الخوف , تماما كما يتخيل الأطفال أن العفريت ضخم جدا وعملاق لا يمكن لأحد مواجهته بالرغم من أن الحقيقة تثبت أن العفريت أصغر من أن يري بالعين المجردة أو تحت الميكروسكوب ... عفواً أيها السادة فلتحترموا ذكاءنا ودعونا نذكركم أن بوادر الثورة ترجع إلى عدة سنوات عندما بدأ تدريب الشعب المصري على النزول إلى الشارع والتحدث بصوت عالي دون خوف حينما طرح "مهدي عاكف " مرشد الإخوان المسلمين السابق مبادرة حول المبادئ العامة للإصلاح في مصر في 3/3/2003 أثناء مؤتمر صحفي بنقابة الصحفيين ,ثم ظهرت حركة كفاية فى العام التالي (صيف 2004 ) وبدأت النزول إلى الشارع بأفراد قليلة كانت تغري عصابات الأمن بالاعتداء عليها وهنا بدأ حاجز الخوف من عصا الرجل الأسود المسمي بالأمن المركزي ينكسر حيث ثبت أنها غير مميتة ومن الممكن تحملها . أتذكر جيدا عندما بدأنا الخروج إلى الشارع للتضامن مع القضية الفلسطينية والعراقية والتجمع عقب صلاة الجمعة عند أحد المساجد للوقوف عدد من الدقائق لا تتجاوز العشرين فى أفضل الأحوال ,نردد خلالها الهتافات المساندة لفلسطين ونحمل اللافتات , وعند انفضاض الوقفة يسألنا الرجال "الطيبون" أصحاب الزى الأسود فى دهشة أقرب إلى العبط " هو انتوا كدا خلصتوا ,,, يا عنى ها تروحوا من غير ضرب ,," أأكد له "أيوه " فيرد وهو يكاد يبكي "والله حرام عليكم إحنا واقفين على رجلينا من الفجر ومحسسنا إننا راحين نحارب الفك المفترس " يتكرر هذا الحوار تقريبا فى كل الوقفات التالية إلى أن جاء اليوم الذي استشهد فيه "طارق غنام " في مسجد غنام بطلخا بعد أول مواجه حقيقية بين الشعب "إن جاز لي قول ذلك " وبين آلة القمع بقيادة " جمال اللوزي " مسئول ملف الإخوان فى أمن الدولة بالدقهلية وقتها ., ليسقط أول شهيد للإصلاح فى شوارع مصر وإن كان قد سبقه مسعد قطب الذي استشهد فى 3/11/2003 داخل أحد المعتقلات من شدة التعذيب .والذي ردد المشيعون له وقتها هتاف "مسعد مسعد يا شهيد موتك خلى قلوبنا حديد "وكان بمثابة الوعد والوعيد أيضا وان كان وقتها لا احد يجزم متى سيتحقق بالفعل .ليواصل الخيط الذي كر من نسيج الظلم والاستبداد المعشش بطول وعرض سماء الوطن مشواره لتمزقه . لم تكن كل تجارب نزع الخوف من نفس الشعب دامية ., فلقد أسهمت مسيرات الدعاية الانتخابية لمرشحي الإخوان فى مجلس الشعب والتي أخرجت المرأة للمرأة الأولى فى القري والنجوع للسير في تلك المسيرات بشكل أمن وكأنها بروفة لتحريض الشعب على النزول فى الشارع , وليستمر الخيط الذي كر فى مسيرته حتى جاء عام 2007 الملقب بعام الاعتصامات والإضرابات حين خرجت الفئات المختلفة من الضرائب العقارية إلى عاملات مصنع المنصورة أسبانيا وغيرهم من العمال وجميع الفئات المطحونة فى إضرابات واعتصامات بدأت فى أماكن العمل لتنتقل بعد ذلك إلى سلالم مجلس الشعب ونقابة الصحفيين وباقي سلالم الدولة . وبالطبع لا يمكن لآلة القمع أن تقف عاطلة فى ظل هذا الزخم من حولها فأعادت الهجوم على الشعب الذي بادلها هو الآخر لعبة الكر والفر الدموية . حتى وجد الشعب مكانا يمكنه الاعتراض فيه دون ضرب بالعصا السوداء أو القنابل المسيلة للدموع وهو "الانترنت العزيز " بدأ من الياهو والماسنجر وحتى الفيس بوك مرورا بالمدونات . ..تواصل آلة القمع الغبية إصرارها على التعامل بغباء أشد لينطبق عليها المثل القائل على "نفسها جنت براقش " بالاعتداء على المضربين عن العمل فى المحلة الكبرى في 6 ابريل والذي يرجع لها الفضل الأكبر فى نجاح الإضراب بسبب بياناتها العقيمة التى كانت تنشرها ليل نهار فى إعلامها المصون , مما أغري بظهور باقي التجمعات السياسية من الجبهة الوطنية وحزب النهضة ودعم البردعي وغيرهم ...,والآلة الحمقاء تواصل السير فى طريقها الأعمى بقتل "خالد سعيد " في الشارع . و لا ننسي أبدا اللاعب الثالث وهو الغباء السياسي الذي تصور أن بإمكانه إقصاء كل الشعب جانبا ليختار هو بنفسه شعبا يريد أن يحكمه مطابق للمقاييس الفنية له وذلك عندما قرر أن يصوت بدلا عن الشعب فى انتخابات الرئاسية الهزلية ثم المحليات والشورى والشعب . وهكذا أيها السادة كان كل منهم يجذب خيطا من ذلك النسيج الأسود بقصد "عن طريق الشعب "أو بغباء عن طريق "ساسة النظام "او بحماقة عن طريق "آلة القمع " ليلتقي الجميع على قدر الله ليحدث بينهم الصدام الحتمي بعد أن قرر الشعب ونضج تماما ليتخلص من كل الخيوط السوداء ... والباقية أصبحت معروفه . أما زلتم تصرون يا سادة على أن الشعب استيقظ فجأة من ثباته ؟!. الحقيقة أنكم لم تكونوا ترونه جيدا بل كنتم تنظرون إليه من خلف النسيج الأسود الذي غلفه به النظام البائد وعندما نجح هو أن ينقض ذاك الغزل عن نفسه رأيتموه على حقيقته بكل صفاته التى اندهشتم من وجودها بالرغم من أنها موجودة دائما لم تغب ,فقط سقطت النظارة السوداء عن عيونكم .