هنا لا أحد يتحدث، الجميع يتأمل ويتساءل ويترجى، يتأملون الأمواج السارية ويسألونها " ياترى من تهوي به بعيدًا عنا.. هل قريب أم غريب" ويترجون النيل قائلين "يا أيها النيل لدينا أمانة عندك نرجوك أن تعيدها.. فقد فاض الكيل وجفت العيون". أطفال وشباب وشيوخ، لا تستطيع أن تعرف الطفل من الشيخ، فملامحهم أصبحت متشابهة يظهر عليها تجاعيد حزينة وأجساد منهكة من طيلة الانتظار ومن ماسأة الحادثة. صورًا لأهالي حادثة مركب الوراق الغارق المنتظرين ذويهم على شواطئ النيل حيث تحكي صورهم الواقع الأليم، فالصور لا تحتاج إلا تعليق لأنها تروي نفسها، وهي وحدها كفيلة أن ترصد ما يشعر بما هؤلاء. فهنا طفل لما يتجاوز عمره العشرة أعوام يجلس وحيدًا متأملًا في مياه النيل وكأنه يتساءل:"هل من عزيز لي لديك"، وعلى بعد خطوات منه يجلس طفل آخر واضعًا يده على خده الأيمن ولم تسه عينه من على النيل لحظة في انتظار من الضحية التي ستخرج الآن وهل هى من انتظرها أم أنني سأنتظر الضحية القادمة. ووسط الزحام تنظر عجوز إلى النيل واضعة يدها أعلى عينيها من شدة الشمس، يظهر على وجهها ملامح الأسى والانتظار منتظرة ابنها الذي لا تعلم هل سيخرج من النيل أم سيكون طعامًا للأسماك. وعلى جانب آخر ينحني شابين في لحظات رصد وترقب يرفعون الغطاء من على وجه أحد الضحايا للتعرف عليه، ومن المؤكد أن للصورة بقية ستكون في جميع الحالات بكاء وصراخ لأن من ينتظروه بالفعل فقد. وعلى مكان مرتفع بجوار الشاطئ ينتظر أربعة شباب واضعين رؤوسهم في الأرض وأيديهم على رؤوسهم، لا نعلم من ينتظرون أخًا أو صديق لكن ما يظهر على وجوههم هو تساءل "أين أنت يا من تركتنا ورحلت".