لاشك فى أن الارهاب الذى تشهده أرض الكنانة منذ ثورتها المجيدة فى 30 يونية 2013 وحتى الآن أصبح يشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة المصرية من كل النواحى، وعائقاً كئيباً فى طريقها نحو المستقبل المأمول. ورغم الجهود المبذولة على المحور الأمنى من أجهزة الشرطة وقواتنا المسلحة التى حققت نتائج إيجابية ملموسة تستحق كل الشكر والتقدير، إلا أن جحافل الإرهاب الآثمة المدعومة من بعض القوى الخارجية الباغية، مازالت على قيد الحياة تخطط وتنفذ وتنوّع عملياتها الارهابية، وبما يؤكد أن حربنا المقدسة للقضاء على الإرهاب واقتلاع جذوره سوف تستمر لسنوات طويلة. من ناحية أخرى إذا اعتبرنا - وهذا اعتبار فى حيز اليقين - أن حربنا المقدسة الدائرة الآن ضد الإرهاب هى أخطر وأشرس حروب مصر فى تاريخها الحديث، وأنها حرب للدفاع عن وجود الدولة ذاته وعليها يتحدد مصيرها التاريخى، وأن جماعة الإخوان المتأسلمين هى الأداة الرئيسية لتنفيذ مخطط محور الشر العالمى لتدمير وإعادة تقسيم المنطقة، وأنها تهدف بمنهجها الإرهابى إلى إسقاط نظام الحكم ثم اعتلاء سدته مرة أخرى مهما كانت الخسائر الوطنية، وإذا اعتبرنا أن الوحدة الوطنية وتماسك الشعب المصرى وتوحد قناعته وإرادته ضد تلك الجماعة هو الداعم الرئيسى للدولة والقوة الحقيقية الفاعلة فى حربها ضد الإرهاب، ومن ثَمَّ وجوب الحفاظ على هذه القوة ودرء كل ما يمكن أن يؤثر فيها، فإن ذلك يدعونى إلى إلقاء الضوء على النقاط التالية: (1) لقد عاشت جماعة الإخوان المتأسلمين لأكثر من ثمانية عقود فى ثوب المظلومية، واستطاعت تصوير نفسها ضحية لأنظمة الحكم المتعاقبة التى ناصبتها العداء ليس لجرائمها وأفعالها المنحرفة - وتلك كانت هى الحقيقة - ولكن لاضطلاعها بالمنهج الإسلامى الذى تخشاه هذه الأنظمة وتلك هى الأكذوبة الكبرى، وأظن أن هذا الجانب المحورى يحتاج مزيداً من التأصيل والتوعية وهو ما أثق أنه لا يغيب عن فطنة القيادة السياسية. (2) إن إزاحة تلك الجماعة الإرهابية عن الساحة المصرية - رغم أنه تم بإرادة شعبية جارفة - إلا أنه ليس كافياً، فلابد بمنطق العلوم الطبيعية أن يملأ الفراغ الذى تركته فى الاعتقاد الشعبى، ويحل مكانها البديل المناسب الصحيح، حيث كانت هذه الجماعة للأسف الشديد تمثل النموذج الدينى فى أذهان الكثيرين، وهنا لا تقتصر المسئولية إطلاقاً على الأزهر الشريف، وإنما تقع على كل مؤسسات الدولة التى يجب أن تتناغم بخطة مدروسة فيما بينها لترسيخ القدوة الحسنة فى المضمون الأداء والمظهر والسلوك وتأكيد وإظهار المرجعية التى أفصحت عنها المادة الثانية من الدستور. (3) شعار تجديد الخطاب الدينى الذى ذاع بين سائر الأوساط، أراه شعاراً خاطئاً لا يُعبرُ بدقة عن المعنى المقصود، ويوحى بالعبث فى ثوابت العقيدة والنيل من أصول الدين مثلما يحاول بعض الإعلاميين الموتورين، وأرى استخدام شعار عصرنة الخطاب الدينى أو شعار تحديث المنهج الدعوى، مع قصر الحديث فى هذا المجال على علماء الدين أصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة. (4) مازالت كل مؤسسات الدولة تنوء بأعداد متفاوتة من العناصر الإخوانية التى تُسمى مجازاً بالخلايا النائمة، وهو ما يُنذر بخطر التصعيد النوعى للإرهاب ليطال داخل تلك المؤسسات، وهو ما سبق أن حذرنا منه ورأينا ضرورة اختيار القيادات خاصة فى مجال المحليات من ذوى الوعى والحس الأمنى قبل أى اعتبار آخر، مع ضرورة إجراء نقل للعاملين فيما بين المؤسسات المتماثلة لخلخلة تلك الخلايا النائمة وإجهاضها. (5) إذا كان واقع الأمر يدل على أن الدافع لارتكاب الجريمة الإرهابية هو دافع عقيدى فى المقام الأول، فأرى أنه يمكن فى هذا الإطار استقطاب بعض المقبوض عليهم من العناصر الإخوانية بعد تصحيح أفكارهم بالأسلوب العلمى الملائم، ثم الدفع بهم عبر وسائل الإعلام لتقوية الُلحمة الشعبية ضد الإرهاب وتقويض أى تعاطف تجاه تلك الجماعة يمكن أن ينزلق بأصحابه إلى براثن أعمالها الإرهابية. (6) انتهاج سياسة واضحة لمكافحة التطرف فى شتى الاتجاهات وليس تجاه التطرف الدينى فقط بما يحافظ على المقومات الأساسية للمجتمع وفقاً لأحكام الدستور ودون نظر لأى توجهات أجنبية لا تتفق مع الطبيعة المصرية وموروثها الحضارى العريق. حفظ الله مصرنا الغالية, وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل. لواء بالمعاش E-MAIL :