من الطبيعي بعد اندلاع ثورتين أدهشتا العالم وجعلته ينظر باهتمام بالغ للمصريين أن يعلق أبناء النيل على الأحزاب السياسية آمالا كبيرة، فهى تجسد أحلام المواطن البسيط، واهداف وطموحات السياسى والمثقف والطالب، فى بناء الديمقراطية. فهي «ترمومتر» الحرية، وحرية الحياة الحزبية فى اى دولة تعكس مدى ديمقراطية نظامها. هذا ما اجتمع عليه الشارع المصرى «الأحزاب هى الشعب». «أحمد عبد الحكيم» رجل بسيط يعمل خادماً فى أحد المساجد المصرية بالجيزة. رغم آلام الشيخوخة، إلا أنه كان مشغولاً بحديث سياسى ساخن مع بعض رواد المسجد، يدافع عن أمله الكبير فى بناء مصر جديدة وقوية، ويدافع بكل ثقة عن مستقبل بلاده الذي يحيط به الغموض مستحضراً كل ما تبقى لديه من قوة جسدية لاستكمال النقاش، ويراهن على المصريين وعزمهم فى النهوض بالبلاد مرة أخرى. كان هذا مدخلاً جيداً للحديث مع الرجل الذي يقف على أعتاب السبعين. يرى الحاج عبد الحكيم أن الأحزاب المصرية هى الطريق الأهم للوصول إلى الأمل، فى تحقيق الديمقراطية, ليس غريبا عن بسيط مثقف يتحدث عن الأحزاب والديمقراطية قائلا: إن الأحزاب تقوم بدور المعارضة، والتى من شأنها أن تراقب الحكومة والحزب الحاكم مدافعة عن حقوق الشعب، وبدون المعارضة ستظل مصر كسابق عهدها غارقة فى الدكتاتورية. وعن الأحزاب بعد الثورة يقول: إن الأحزاب المصرية فى الوقت الحالى تمر بفترة ترتيب الأوراق، ويمكننا أن نقول عن هذه الفترة فترة نقاهة للأحزاب بعد 30 سنة استبداد. ويستطرد خادم المسجد: إن الأحزاب اليوم بعد استعادة حريتها تحاول ان تعتاد الحياة بحرية، وتمارسها نشاطها فى واقع جديد، وإن كانت خطاها مازالت بطيئة. ويتمنى عبد الحكيم ان تنعم الأحزاب بحرية سياسية كاملة وتنجح فى تجربتها السياسية الجديدة, ويرى أن من علامات النجاح الحزبى فى مصر أن تستطيع الاحزاب تمثيل الشعب المصرى خير تمثيل، وأن تؤثر على صنع القرار فى مصر، بشكل إيجابى وملموس، ولن يعترف رجل الشارع البسيط بنجاح الأحزاب المصرية الا إذا شعر أنها بجانبه، قولا وفعلا، فلابد أن تسعى الأحزاب لتحقيق العدالة المرجوة بين فئات الشعب. واتخذ عبد الحكيم نفسه مثلا ودليلا على الظلم الذى يعانى منه ملايين المصريين، قائلا: «أنا عايش ومش عايش» وأضاف: إنه لا يريد من الدنيا إلا الستر، خاصة فى الأيام الأخيرة، فهو لم يعد قادرا بعد هذه السن على «بهدلة الفقر». وقبل أن ننهى حوارنا معه تحدثنا عن كيفية نجاح الأحزاب فى تحقيق أحلامه، فقال «أهم حاجة أن تتخلى الأحزاب عن مجاملة الحكومة، وتكون صادقة مع الناس». وأضاف: إن توحد الأحزاب واندماجها فى تحالفات شىء مهم جدا للقضاء على الأحزاب السلفية «الكدابة» على حد قوله والتى تسعى لتحقيق مصالح تتعارض مع مصالح مصر والشعب المصرى. أما «مروة عادل» طالبة جامعية فتقول: إن زيادة عدد الأحزاب أمر مبالغ فيه، فى حين ان الاحزاب القوية لا تتعدى الحزبين أو الثلاثة أحزاب وعلى رأسها حزب الوفد، وتمثل «مروة» رأى الشباب عندما قالت: إن الأحزاب الضعيفة لابد أن تندمج وتنصهر معا لتكون حزباً قوياً له ثقل فى عالم السياسة. وتستطيع أن تجد لنفسها مكاناً فى البرلمان القادم، وبحماس الشباب اكدت مروة أنها لن تنضم الى حزب صغير، معتبرة أن هذه الأحزاب فارغة وليس لها هدف، وأن وجد لها هدف فهو يخدم مصالح شخصية تافهة وليس مصلحة مصر. وترى «مروة» أن الأحزاب تعد البنية التحتية لأى مناخ سياسى ديمقراطى، ومصر مرت بظروف صعبة جدا، وقامت بثورتين كبيرتين، وضحت فى سبيل الحرية بدماء شبابها، لذا من حق شعبها أن يعيش فى مناخ ديمقراطى حقيقى. وترى «مروة» أن الأحزاب وإن كانت ضعيفة، ومفتتة هذه الأيام، إلا أن من حقها أن تمارس الديمقراطية بنزاهة، وشفافية حتى تصل الى مرحلة النضج، وأى تدخل من السلطة لانتهاك هذا الحق سيسبب أكبر ضرر لمصر، ويعود بها الى الوراء عقودا طويلة. ومن ثم تؤكد أنها وهى تمثل صوت الكثيرين من زملائها الطلبة لن تسكت حيال أى انتهاك لمبادئ الديمقراطية. ولم يختلف رأى «نورهان أحمد على» طالبة بجامعة القاهرة فيما يخص انتهاك حقوق الأحزاب السياسية، عندما قالت «تبقى مصيبة لو عاد زمن مبارك مرة أخرى» مؤكدة أن المصريين لابد أن يحصدوا مكاسب الثورة, ويعيشوا فى ديمقراطية مطلقة، كما تنعم بها شعوب الدول الديمقراطية، فمصر كما ترى «نورهان» ليست أقل من شعوب العالم التي ذاقت طعم الحرية والحضارة المصرية القديمة دليل على عبقرية هذا الشعب الذي لا يشبه الشعب الأمريكى الذى استوطن ارضا كانت ملكا لغيره، واتخذها وطنا بديلا له. أما الشعب المصرى فلا يعتدى ولا يحب المعتدين من الداخل أو من الخارج. وترى نورهان أن الأحزاب المصرية، هى مندوب الشعب المصرى فى البرلمان، وفى المعارك السياسية، والاقتصادية القادمة لذا لابد أن نعطى لها الفرصة لكى تقرر طريقها، وتخوض التجربة السياسية القادمة بما تتميز به من حرية، وأعربت عن تفاؤلها، وثقتها الكبيرة فى القيادة الحالية التي تتميز عن غيرها بالوطنية الشديدة، والواضحة، لذا فهى ستحرص على الديمقراطية وتكفل الحرية للأحزاب المصرية الكبيرة, والصغيرة. وأثناء حديثنا مع الطالبتين «مروة ونورهان» التقط «على عبد الرحمن» سائق فى هيئة النقل العام أطراف الحديث قائلاً: «أهم حاجة نبعد الاخوان والسلفيين عن العمل الحزبى خالص» فى إشارة منه إلى أن السلفيين أكثر خطورة على مصر ومستقبلها من الاخوان المسلمين، فهم أكثر عدداً، وأكثر تعاطفا مع الإخوان. وأضاف عبد الرحمن قائلا: «السلفيون بيمسكوا العصى من المنتصف وينتظرون الفرصة ليسيطروا على البلد». ويتوقع عبد الرحمن وقوع مشاكل كثيرة فى المستقبل حال تعطل المسار الديمقراطي. وبضحكة ساخرة يؤكد عبد الحكيم أن فى حالة الموافقة على دخول السلفيين الانتخابات والحياة السياسية والحزبية فى مصر سينطبق علينا المثل الشعبى «مسكوا الفار مفتاح الكرار». وبعد انتهائه من حديثه الغاضب عن الأحزاب السلفية كان من المهم أن نسمع اجابته عن رأيه في الأحزاب المدنية ومدى قدرتها على خوض المعارك السياسية. وبدأ عبد الرحمن جوابه بقوله «الأحزاب هى الشعب» فحزب الوفد دافع عن مصر فى الماضى, ونحن ننتظر اليوم أن يدافع عنها وعن حقوق شعبها كما كان فى الماضى، فالمعارضة ضرورة لمراقبة الحكومة، واستجوابها عبر المجالس النيابية. واستطرد قائلاً: «ربنا رزقنا برئيس حسن النية وقوى العزيمة»، علينا أن نستثمر تلك الفرصة وعن أهمية الأحزاب يؤكد أن دورها محوري في رقابة أداء الحكومات، ونظافة أيدي الوزراء, والشعب فى حاجة الى من يمثله من الأحزاب المصرية القوية, أما الضعيفة، أو الزائفة فستحل تلقائيا ولن يكون لها وجود فى نفوس المصريين. أما «شحاته محمد ابراهيم» عامل نظافة، فقال: «أنا زبال لكن نفسى أكون زبالا نظيف ومحتاج من يدافع عن حقى أمام الحكومة دى أو غيرها» وتحدث شحاتة عن قرنائه من عمال النظافة فى الدول الأوروبية وعن مستوى معيشتهم، فرغم بساطة عملهم إلا أن الزبالين فى هذه الدول يعيشون حياة كريمة، ويرى أن دور الأحزاب يتحدد فى خوض المعارك من أجل ضمان حياة أفضل له ولأمثاله من المطحونين، وما أكثرهم فى مصر خاصة فى ظل موجات الغلاء المستمرة هذه الأيام. وتوجهنا بنفس السؤال إلى «سلامة عيسى» محام شاب، يمثل بحماسه الثائر شباب 2011، الذين لا يعترفون بأنصاف الحلول، وعندما تتحدث معهم عن مصر لا تعرف المجاملة لهم طريقا. فقال عيسى عن الأحزاب المصرية الجديدة أنها مجرد هياكل، أنشأها رؤساؤها للتباهى وحب الظهور، مشيراً إلى أن الأحزاب ضرورية لاستكمال أركان الديمقراطية، ولكن بشرط أن تكون قوية, وذات ثقل تستطيع أن تؤثر في الرأى العام, وصانعى القرار. لذا يرى «عيسى» أن من الأفضل لمصر أن تنصهر الأحزاب الصغيرة فى كيانات الأحزاب الكبيرة، ليكون على الساحة حزبان أو ثلاثة على الأكثر، وأضاف عيسى، إن ما نمر به هذه الأيام يعد اختبار لوطنية القائمين على الأحزاب خاصة الصغيرة منها لأن مصلحة الوطن تحتم على هذه الأحزاب التحالف والاتحاد حتى لا يستطيع المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين التسلل الى البرلمان, والسيطرة عليه مرة أخرى. وطالب الأحزاب بضرورة التواصل مع رجل الشارع بشكل مستمر لمعرفة احتياجات المواطن البسيط للدفاع عنها أمام السلطة التشريعية، والتنفيذية. ولأن طلب عيسى مشروع جدا، تكرر كثيراً على لسان رجل الشارع البسيط ممن تحدثت اليهم مندوبة الوفد. فقال «كمال عيد» : «لابد أن تخدم الأحزاب بلادها وتتخلى عن نهم الوصول الى السلطة» والطريقة الوحيدة أمام الاحزاب لخدمة مصر كما يرى عيد هى خدمة المواطن, والوصول إلى الفئة الفقيرة والمتوسطة, والسعى لتحقيق مطالبها، وتحقيق العدالة الاجتماعية, والاقتصادية للشعب المصرى، واعترض عيد بشدة على فكرة إلغاء الأحزاب فى مصر، ووصف اصحاب هذه الفكرة بأنهم أعداء مصر، مشيرا إلى أن مثل هذه الافكار يمكن ان تعيدنا الى عصر الديكتاتورية مرة أخرى، وتزيد من تخلفنا عن ركاب التقدم السياسى والاقتصادى، والأولى بنا ان ننظر الى الدول الديمقراطية ونحاول الاستفادة من تجاربها فى تطبيق الديمقراطية. أما «ممدوح نصيف صديق» محصل فى هيئة النقل العام فقال عن الأحزاب المصرية «زمان كان وجودها زى عدمه لكن الآن لازم يكون عندنا أمل فيها» ولم ينكر ممدوح أنه لا يعلم شيئاً عن الأحزاب المصرية إلا أسماءها، إلا أنه يؤكد أنها ضرورة لبناء دولة ديمقراطية، ويرجع جهله بالأحزاب إلى قصورها, وعدم تواصلها معه، هذا الى جانب زيادة عددها بشكل مبالغ فيه, لا يخدم مصر ومستقبلها، بل يخدم اعداءها ممن يتمنون تخريبها وافشال تجربتها الديمقراطية القادمة. ويقول «يوسف عباس» مهندس على المعاش: «أتمنى أن أعيش حتى أرى الانجازات القادمة» وهو يؤمن أن مصر ستشهد تقدما كبيرا سياسياً, واقتصادياً, واجتماعياً، في حراسة الجيش والشرطة، كما يرى يوسف أن الأحزاب ستنمو تدريجيا وستنجح فى خوض المعركة الديمقراطية القادمة، فتحت مظلة الأمن والامان، يمكن لمصر أن تتقدم فى كل المجالات، أما بالنسبة لنجاح الأحزاب فى مصر، فيرى عباس أنه مشروط بإدخال دماء جديدة فى قياداتها، فلابد من وجود جيل ثانى فى الأحزاب المصرية، خاصة بعد أن أثبت الشباب المصرى فى ثورة25 يناير أنه أهل للثقة. وعلى خلاف تفاؤل المهندس يوسف كان صوت المهندس «ناصر عبد المعطى» يحمل نبرة مليئة باليأس ربما أثرت فى حكمه على الحكومة الحالية، وأدائها إلا انها لم تؤثر قط في ادراكه الكامل بضرورة وجود الأحزاب فى المعترك السياسى المصرى القادم, مشيرا إلى أن الحياة السياسية بدون أحزاب تعد سقطة لأى نظام يدعى الإيمان بالحرية، ومن جانب آخر انتقد عبد المعطى الأداء الحزبى فى مصر, فيرى أن الأحزاب بعيدة عن الشارع المصرى, على خلاف ما يجب ان تكون عليه. كما أكد ضرورة توحد الأحزاب فى حزبين أو ثلاثة لضمان نجاحها فى المعارك الانتخابية القادمة، وإلا سرق البرلمان أصحاب رأس المال ليعود التزاوج السابق بين السلطة والمال, ويسقط الشعب المصرى من الحسبان مرة أخرى. وحذر من عودة الحزب الواحد والرجل الواحد والرأى الواحد بحجة القضاء على الارهاب، مشيراً إلى أن دور الأحزاب الحقيقى هو التصدى لمثل هذه الاخطار التى يمكن أن تهدد حرية المصريين، وتضيع مكاسب ثورتهم.