هناك أزمة حقيقية يعيشها الإعلام المصري، منذ ظهور القنوات الخاصة المملوكة لرجال الأعمال، وتكمن المشكلة أن 90٪ من هذه الفضائيات أصبح اهتمامها الأكبر هو خدمة فكر صاحبها، لذلك تحول «التوك شو» في أغلبه لمتحدث باسم رأسمال صاحبها، ورغم أن نفس هذه القنوات كانت تنتقد إعلام الدولة خلال عهد حسني مبارك، وبعد ثورة 25 يناير، أطلقت عليه إعلام مبارك، وقامت بحملات ضده، الآن أصبح لدينا المئات من إعلام مبارك، ولكن مع حذف اسم مبارك ووضع اسم صاحب القناة، حتي مشاكل الناس في الشارع وفي البيوت، أصبحت تزداد حدتها حسب رضا صاحب القناة علي الحكومة، وشاهدنا ما حدث للإعلامية درية شرف الدين، عندما أبرمت اتفاقاً مع إحدي القنوات العربية، تعرضت لحملة شرسة كانت من نتيجتها خروجها من الوزارة الأخيرة، وبعيداً عن كون قرار «درية» صحيحاً أم خطأ، لكنها في النهاية دفعت ثمنه. وخلال لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي مع الإعلاميين في أكثر من جلسة طرح قضية الإعلام، وضرورة علاج القضايا بشيء من المصداقية، والحيادية، بعيداً عن لغة الآراء الشخصية التي أصبحت كل القنوات تتحدث بها، وتحول مقدم البرنامج هو صاحب الرأي الأول والأخير، ولم يعد البرنامج يعرض الرأي والرأي الآخر بل رأي المذيع ثم المذيع، ومن بعده أي شيء آخر. وبما أن رئيس الجمهورية فتح بنفسه ملف الإعلام فهذا يعني أنه يستشعر بالخطر من الفضائيات، وما يحدث بها، لأن الغليان الذي حدث في مصر خلال السنوات الأخيرة سببه الفضائيات والاعتماد علي قضايا مفبركة وكاذبة، وهو ما أدي إلي اشتعال الشوارع في كثير من الأحيان.. هذه القنوات هي التي كانت تحفز الجماعة الإرهابية علي حرق مصر بنقلها هذه الأحداث علي الهواء مباشرة، وكأنها مباراة في كرة القدم، وحتي يعود للإعلام المصري بريقه وريادته لا بديل عن عودة التليفزيون المصري كما كان صاحب الكلمة العليا في المنطقة العربية، وهذا يستلزم توجيهات مباشرة وصريحة من رئيس الجمهورية المشير عبدالفتاح السيسي لقيادات مبني ماسبيرو بضرورة عودة البرامج الجماهيرية وعدم الانزلاق في تقليد الإعلام الخاص، التليفزيون المصري يا سيادة الرئيس كان يقود المنطقة العربية حتي وقت قريب، ولكنه فقد موقعه نتيجة تتابع قيادات هشة بلا فكر لا تصلح للقيادة، وكان كل وزراء الإعلام في عهد الرئيس مبارك ثم في العام الأسود الذي حكم فيه الإخوان مصر يضعون هذه القيادات حتي يظلوا ممسكين بكل الخيوط.. نعم التليفزيون خلال عهد صفوت الشريف وأنس الفقي شهد طفرة، لكنهما لم يخلقا صفاً ثانياً يتحمل المسئولية، فكانت النتيجة بعد رحيلهما هبوطاً وتدنياً، الآن حان وقت عودة تليفزيون الشعب المصري إلي سابق عهده، ولكن بمزيد من الاعتماد علي قيادات لها فكر ورؤية، وبالمناسبة داخل ماسبيرو أشخاص كثيرة تتمتع بهذه القدرة من الفهم للمسئولية الإعلامية. فهل يعقل أن يظل التليفزيون المصري بلا برنامج رئيسي للتوك شو يعرض بحيادية وموضوعية لا مع ولا ضد الحكومة مشاكل الوطن والمواطن، نعم يوجد برنامج توك شو رئيسي الآن لكن للأسف المواطن العادي لا يعرف اسمه أو من يقومون بتقديمه، والعيب ليس في المواطن لكنه في القائمين علي البرنامج لأنهم لم يستطيعوا أن يجذبوا المشاهد المصري. وهنا لابد أن نترحم علي «البيت بيتك» و«مصر النهارده» الذي كان يقدمه محمود سعد وخيري رمضان وتامر أمين ومريم أمين وآخرون، فهذا البرنامج كان النواة التي أدخلت التوك شو لأغلب الفضائيات العربية، لأنه كان يقدم كل المشاكل، ويحسن اختيار الضيوف، مع تقديم ديكور وتصوير وإضاءة تليق بالتليفزيون المصري، ولكن تم هدم البرنامج ورحل مقدموه إلي قنوات أخري بل إن هذه الفضائيات الجديدة بنيت علي أكتاف هذه الأسماء، ولكن مع الأسف انتقلت إلي بعضهم الفوضي الإعلامية التي استمدت من الشارع، الآن حان وقت عودة الطيور المهاجرة للتليفزيون من مقدمي برامج ومخرجين، وحان وقت الاستعانة بموهوبين من الخارج يحققون إضافة للتليفزيون المصري، وحان وقت عودة ماسبيرو إلي الإنتاج الدرامي لتغذية الشاشة بالأعمال الدرامية الهادفة، وحان وقت عودة ليالي التليفزيون وأضواء المدينة، ولكن بصيغة أفضل مما كانت عليه لا وجود فيها لمجاملة مطرب علي حساب آخر، حتي تعود لمصر الريادة الغنائية، لأننا أصبحنا نذهب للفضائيات العربية والخاصة للبحث عن صوت ماجدة الرومي ونجوي كرم وهاني شاكر والحجار. القضية يا فخامة الرئيس، لو عاد التليفزيون المصري لبريقه سوف يختفي أي كيان إعلامي يحاول العبث بالوطن، لأن المشاهد المصري سوف يعود إلي شاشته المملوكة له، وهذه هي الخلاصة.